نعيش في وسطنا الرياضي العربي والسعودي بشكل خاص تجمداً في الفكر الاقتصادي والاستثماري منذ قرابة 30 عاما لأسباب متعددة ومن أهمها أن الرياضة في نظر البعض للتسلية فقط وليست مجالاً جاداً للتجربة الاستثمارية، والإعراض عن جانبها الاقتصادي الاستثماري المهم، بينما نشاهد الفكر الاقتصادي السائد في كثير من الدول المتقدمة رياضياً مختلفاً كثيراً حول نظرتها للرياضة، والتي جعلت منها صناعة اقتصادية ذات أبعاد حقيقية مطبقة على أرض الواقع أثبتت فعاليتها في ضخ المبالغ الكبيرة بجانب التركيز على الترفية والإثارة التنافسية، والتي أثبتت نجاحها التجاري والاقتصادي من خلال عوائدها المقدرة بالمليارات. *أسباب حدوث الذوبان وبوادره: الاستثمار الحقيقي يحفظ خروج الأندية من عباءة الشرفيين.. ويضمن استمرار الشركاء - السبب الحقيقي الذي جعلني أسمع بضجيج ذلك "الانهيار الثلجي" المنحدر صوب استغلال موارد رياضتنا السعودية، هو قوة المنافسات لدينا والقوة الشرائية من جانب المستهلك السعودي المتمثلة في كثرة المستهلكين ومقدرتهم المادية، حتى أصبحنا نشاهد القنوات الفضائية المحلية والخارجية حكوميةً كانت أو تجارية، تتنافس على حقوق النقل التلفزيوني للدوري السعودي، لثقتها وليقينها بأن الاستحواذ على المتابع السعودي يعتبر قوة اقتصادية ضخمة لها، من ناحية تشفير النقل وبيعه أو من ناحية جلب وجذب الشركات المعلنة للإعلان في تلك القنوات، وشاهدنا بعض القنوات التي لم يكن بمقدورها الحصول على حقوق النقل التلفزيوني أصبحت تهتم بأخبار المنافسات السعودية ومناقشة أحداثه في برامج مستقلة، سعياً لكسب المشاهد السعودي وجذب انتباهه، والحال ينطبق على كثير من الشواهد التي نراها أو نسمعها أو حتى نقرأها سواءً إعلامياً أو تجارياً. *لماذا الاستثمار الرياضي؟: - الرياضة ولفترة طويلة كانت خارج الاهتمامات الخاصة بتنمية الاقتصاد العربي، لكن كل الشواهد الحديثة أثبتت أنه إلى جانب الترفيه فاتصالها وثيق بالقيم الاستهلاكية الصحة والإنتاج، فهي تدخل في إطار الدورة الاقتصادية سواء باعتبارها منتجا وشريكا أو كقيمة مضافة وهناك دراسات فرنسية مهتمة بهذا الميدان أثبتت أن الرياضة تمارس من قبل قاعدة عريضة بل في أحيان كثيرة أصبح يخصص لها جزء مهم من الدخل الفردي، إذ إن الاستثمار في المجال الرياضي أصبح يقدر ب20 بالمائة سنويا، كما أن 90 بالمائة من الميزانية العائلية المخصصة للرياضة في أوروبا توجه نحو شراء الملابس والمجلات وحضور المباريات الرياضية وبالتالي سيكون للمؤسسات التجارية الراغبة في الاستثمار الرياضي دور بارز خلال الفترة المقبلة في الإسهام في نمو الاقتصاديات الخاصة بوطنها من خلال الاستثمار الرياضي. (1) من الملاحظ أن الاقتصاد الرياضي أصبح واقعاً ملموساً وركيزة من ركائز المنظومة الاقتصادية الوطنية عبر ما شاهدناه ولمسناه من تجارب الشركات الثلاث السالفة الذكر، ليصبح صناعة اقتصادية مهمة ومستقلة كما هو حاصل في الدول الأوروبية المتقدمة رياضياً. وينطبق الحال على الفرد ومدى إنفاقه على الرياضة التي تعتبر سلعة مهمة في حياة أفراد المجتمع، ولنأخذ مثالاً على ذلك الإنفاق؛ "قام أحدهم في صبيحة ذلك اليوم واشترى صحيفة رياضية متخصصة ليقرأها على إفطاره أو على قهوته الصباحية، ثم ذهب في عصر ذلك اليوم واشترى لباساً رياضياً من منتجات ناديه المفضل، ثم تأتيه رسالة جوال عبر اشتراكه في خدمة أخبار نادية أو أخبار الرياضة بشكل عام، ثم توجه مساءً للملعب واشترى تذكرة دخول للملعب لمتابعة مباراة فريقه، أو قام باستقطاع جزء من ماله للاشتراك في قنوات رياضية مشفرة ليتمكن من مشاهدة المباراة في منزله". انظر كم مرة أنفق ذلك الفرد على الرياضة في ذلك اليوم! وهذا حال الكثير من الأفراد، بل إنهم يشكلون الطبقة السائدة في مجتمعنا السعودي خصوصاً إذا علمنا بأن التركيبة الديموغرافية في مجتمعنا السعودي يشكل 60 بالمائة منها فئة الشباب، وهذا يعطي مؤشراً بأن مجتمعنا يشكل أرضاً خصبة وبيئة أكثر من ممتازة للاستثمار الرياضي. *حفظ الحقوق مطلب مهم: - الدور الرئيسي والمهم والمفترض أن تلعبه الدولة في تهيئة المناخ لاستقطاب الاقتصاد نحو الرياضة، هو حفظ الحقوق التجارية والتعاقدية لتلك الشركات الراغبة في خوض التجارب الاستثمارية في البلد، فالشركات بمثابة زبائن وعملاء يجب المحافظة عليهم للمحافظة على المنظومة الاقتصادية الرياضية في البلد للنهوض بهذا القطاع الحديث والتجربة الجديدة. فالشركات دائماً تؤمن بمقولة (يجب أن أعرف طريق الرجعة أولاً) قبل ضخ أي مبالغ لتعرف مسارها والرجوع عنه في حال عدم جدوى ذلك المشروع، وهو حق مشروع للشركات كي تطمئن على مصالحها وهذا لن يحصل إلا بأن تلعب الدولة دوراً رئيسياً في وضع الخطوط العريضة للمنظومة الاقتصادية الرياضية لتهيئة مناخ استثماري آمن وناجح وذلك عبر وزارة التجارة والرئاسة العامة لرعاية الشباب. ومن أبرز تلك الحقوق هو حفظ العلامات التجارية للأندية والشركات الراعية للأندية، وهذا أصبح يؤرق الكثير من الشركات الراعية والمستثمرة في المجال الرياضي بسبب عدم جدية وزارة التجارة في هذا الشأن، كما يعد أيضاً من الحقوق المهمة التي يتوجب حفظها لتلك الشركات هو المحافظة على حقوقها التعاقدية وامتيازاتها المتفق عليها في العقود المبرمة سواءً مع رعاية الشباب أو الأندية. إذاً لنرفع صوتنا عالياً لوزارة التجارة ولنقل: "مللنا من إغراق السوق بتلك المنتجات المقلدة والمسروقة، مللنا من إعراض كثير من الشركات عن واقعنا وتنافسنا واقتصادنا الرياضي، بسبب عدم ضمان حقوقهم المبرمة في عقودهم، مللنا ونحن ننتظر معايير حقيقية تحفظ للأندية والشركات حقوقهم بينهم، وتحفظ حقوقهم من لصوص البضاعة المقلدة والمنتشرة في المحلات التجارية دون حسيب أو رقيب!". * دور الشركات وحجم الاستفادة: «التجارة» و«الرعاية» مطالبتان بوضع الخطوط العريضة.. والحلول المكررة تولد الملل والضجر! - أما دور الشركات الرئيسي في هذه المنظومة الاقتصادية الرياضية فهو الدخول بجدية متناهية في هذا المجال بعد دراسات وافية وكافية لتحقيق عوائد مادية للشركة والنادي لتفادي الفشل الذي ربما يعطي صورة سيئة وانطباع رديء للشركات الأخرى الراغبة في خوض تجربة الاستثمار الرياضي. - التنويع والابتكار في سياسة الاستثمار والعمل المستمر باحترافية في إيجاد حلول دائمة في المنتج تفي غرض النادي والمستهلك والابتعاد عن الأفكار والحلول المكررة التي قد تولد الملل والضجر لدى النادي وجماهيره. - كما أن التفاعل وجلب الخبراء وضخ الأموال للرقي بمفهوم الرياضة من أهم واجبات تلك الشركات لتحقيق ضريبة مكتسباتها المادية لا أن تقتصر فقط على جني الأرباح وإغفال جانب تحقيق تطلعات الدولة والأندية الرياضية والشارع الرياضي من جماهير وإعلام. - أما حجم الاستفادة للشركات في هذا الجانب يختلف حسب جنس ونشاط الشركة المستثمرة، فعلى سبيل المثال استفادت شركات الاتصالات من تلك التجربة فوائد جمة، كالتنويع في منتجاتها سواءً قنوات الأندية عبر الجوال ورسائل الأخبار وغيرها، كما استفادت الترويج الدائم لمنتجاتها الأخرى عبر الأندية وفي الملاعب ويكفي عن هذا كله أنها استفادت الفائدة العظمى وهي تكرار ذكر أسمائها سواءً في الإعلام المرئي والمقروء، أو بين الأوساط الجماهيرية. فقد كنت أتساءل يوماً لماذا تسعى بعض شركات المشروبات الغازية في تكرير الترويج والإعلان لمنتجها في الفضائيات والصحف علماً بأنه ليس هناك بجديد في نوعية ذلك المشروب، ففوجئت بالإجابة الغريبة مِن مَن ينتمون لتلك الشركات بأنهم يحرصون على ترسيخ اسم المنتج في عقول وألسنة المشاهد والقارئ ولذلك أبعاد تجارية اكتسبوها من شركاتهم الأم الكائنة في الدول المتقدمة. * ليس من الضروري الشراكة الإستراتيجية - من الأمور السلبية التي ربما تحد من التنويع في الاستثمار الرياضي في الأندية هو تسليم زمام الأمور للشريك الإستراتيجي كما هو حاصل الآن، ذلك ربما يحد ويقلص فرص الشركات الراغبة في الدخول للميدان الاستثماري الرياضي، لأنه ومن خلال تجارب حية شاهدناها في الأندية التي تملك شريكاً إستراتيجياً، دائماً ما نرى صعوبة في جانب الشريك الإستراتيجي من ناحية إعطاء الفرص للغير في الاستثمار في النادي، لما لا وعقودهم التي أبرموها مع تلك الأندية تكفل حقهم في ذلك في ظل حاجة تلك الأندية لإبرام تلك العقود في أسرع وقت ممكن ومهما كانت البنود لسد تكاليف احتياجات النادي كما هو حاصل للفرد حينما يسارع للبنك لاستخراج قرض دون أن ينظر مايحتويه هذا العقد من شروط وجزاءات. ومن هذا المنطلق نتعرف على فجوة كبيرة تقع بين الاستثمار وبين الخصخصة، نحن في مقامنا هذا وفي حديثنا هذا لا ننادي بالخصخصة بل للاستثمار لعلمنا ويقيننا انه لا خصخصة بلا استثمار الذي هو الطريق الآمن والممهد لخطوة الخصخصة المقبلة لا محالة، في ظل نهوض الرياضة العالمية سابقاً، وفي ظل اتجاه الدول الإقليمية الخليجية نحو تلك الخطوة المنتظرة التي قد تنقل رياضتنا الإقليمية والمحلية في مصاف الدول المتقدمة رياضياً واقتصاديا واستضافة المناسبات العالمية الرسمية بدلاً من الودية. * في نهاية المطاف.. - هذا الجانب (الاستثمار الرياضي)، يعتبر من المحاور والجوانب المهمة في كل دولة فيما يخص سد الكثير من مشاكل البطالة، عبر استيعاب تلك الشركات المستثمرة في هذا المجال لأولئك الشباب، كما ينطبق الحال على الأندية في حاجتها لسد الفراغات الوظيفية في منشآتها الرياضية ومراكزها الرياضية التي ربما تزداد المسؤوليات والحاجة لكوادر شابة طموحة لمتابعة الشركات المستثمرة وتمثيل النادي أمامها في عملية التنسيق بين تلك الشركات وبين إدارة النادي، ومتابعة الأنشطة الرياضية في ظل الاستقرار الإداري والمادي لتلك الأندية. كما يعتبر هذا الجانب محور مهم في تنوع الاقتصاد في البلد، وظهور ونمو رافد كبير ومهم من روافد عجلة الاقتصاد في البلد بجانب الاقتصاد البترولي والزراعي وغيره وسنرى خروج بعض الأندية من عباءة أعضاء الشرف ومجالس الإدارات وفسخها، التي أصبحت وكأنها إرث لهم ولمن بعدهم والتحكم في موارد وعقود استثمارات أنديتهم وقبول من يرون ورفض من يرون دون الاستناد إلى معايير واضحة وصريحة قد تحقق الفائدة للنادي وجماهيره. فهل سنرى اقتصاداً رياضياً حقيقاً في ظل تلك الأرقام والحقائق، وهل سنرى لجاناً حقيقية فعالة عملت وستعمل على تسريع عجلة الاستثمار، وهل ستختفي النداءات الإدارية والشرفية لتلك الأندية والتوسل من القريب والبعيد في التبرع لها، وهل ستجد الأندية والشركات من يكفل لها حفظ حقوقها من عشاق الصناعة الصينية أم مازالت وزارة التجارة غارقة في نومها وعدم اكتراثها بما يحدث؟!