تنتابني حالة رائعة من الطمأنينة وأنا استشرف مستقبلا سياحيا تتوافر له إرادة قيادية ووطنية حريصة على استكشاف كل المقومات السياحية في بلدنا، وهي في الواقع مقومات ليست مذهلة وحسب وإنما نادرة كما ونوعا، وما ظهر على السطح السياحي قليل مقارنة بما هو حقيقي. ففي أعماق الإنسان والتاريخ والأرض تزخر المملكة بكنوز وروائع أثرية تؤكد حجتها في أسبقيتها الحضارية والأثرية، حيث يمكن الجزم بأن الحضارة التي نشأت في الجزيرة العربية هي الأقدم على مدار التاريخ. لست باحثا مؤهلا للغوص في الأعماق التاريخية، لكن طبيعة البحوث العلمية تقوم على وضع افتراضات ومن ثم بحثها، وفي سياق نظري كامل أضع أمام الباحثين افتراض أن الحضارة الأقدم في التاريخ كان منشؤها في الجزيرة العربية وليس مكانا آخرا. لست بعيدا في هذا الإطار عما ذهب إليه الأمير سلطان بن سلمان رئيس هيئة السياحة والآثار من أن المملكة العربية السعودية وريثة تاريخ يمتد لمئات الآلاف من السنين، وليس فقط بلدا يملك احتياطيات نفط كبيرة، فهذا النفط رغم دوره الاقتصادي الكبير إلا أنه كان عامل سمعة مؤثرة طغت على الجوانب الأخرى ومن بينها الجانب الحضاري، لأن الآلة الإعلامية الغربية تحديدا ركزت تغطيتها ومتابعاتها لحركة انتاجه دون شيء آخر، لذلك لا غرابة في أن تجد غربيا يستغرب أن لدينا حضارة قديمة، لأن الصورة الذهنية التي تراكمت لديه ارتبطت بالنفط. اكتشاف «المقر» الأثري يبرز التاريخ القديم للخيول في الجزيرة العربية ويؤكد أنها الأقدم في العالم، ويكشف استئناس الإنسان الخيل وتربيتها على أرض الجزيرة العربية قبل 9 آلاف سنة، أي أننا نمتلك الحضارة الأقدم في العالم، فماذا فعلنا تجاه هذه الحقيقة؟ في اللقاء الذي جمعنا ككتاب رأي في «اليوم» مع الأمير سلطان بن سلمان زادت ثقتي في أننا مقبلون على انفتاح حضاري ينطلق من الأبعاد السياحية، فالسياحة ليست مجرد ترفيه في فكر سموه وإنما أداة لعكس الجوانب التراثية والحضارية التي تعزز حضورنا الحضاري وتقدمنا بصورة ذهنية تليق بما لدينا من كنوز إنسانية وحضارية، وفي فكر سموه كثير من الإشراقات التي تحفظ لنا عمقنا الحضاري، لكن في وسائل إعلامنا حياء وتواضع في عكس المجريات والانجازات الأثرية والسياحية، وهذه المجالات في وسائل الإعلام الغربية لها حضورها القوي والفاعل والمتفاعل، وذلك ما ينبغي أن تواكبه وسائل إعلامنا بما لديها من نفوذ يرتقي الى قيمتنا بدلا من الاستهلاك السهل للمادة الإعلامية. أعود لمبدأ الافتراض العلمي، وقدم الحضارة البشرية في الجزيرة العربية، فقد أعلن مؤخرا عن اكتشاف أثري شديد الأهمية في موقع «المقر» وسط المملكة، وهذا الاكتشاف له دلالاته التي لم يتناولها الإعلام السعودي بما يستحق. القاعدة هي عندما يكون لدينا منجز حضاري فذلك يعني البقاء في التاريخ والمقدمة الإنسانية الى الأبد، ومع ذلك لم يحفل به أحد أو يلقي له اهتماما، لأن بعض الفكر الإعلامي لدينا ينصب في الإطار المادي للتوزيع ومغازلة شجون الجماهير، دون تعضيد الأصالة التاريخية التي نتغنى بها نظريا ولا نستجيب لها عمليا. عندما صعد الروس الى القمر، قام الأمريكان بتصوير فيلم في استديوهات هوليوود يؤكد صعود الأمريكان الى القمر أيضا، أي أنهم من قبيل الكرامة الوطنية تخيلوا أنفسهم في القمر ولا أحد أفضل منهم، ولم يتسن لهم الصعود الحقيقي إلا بعد أعوام من الروس، فإذا كان لدينا ما هو حقيقي وتثبته وتدعمه الوقائع التاريخية، فلماذا لا نحتفي به؟ اكتشاف «المقر» الأثري يبرز التاريخ القديم للخيول في الجزيرة العربية ويؤكد أنها الأقدم في العالم، ويكشف استئناس الإنسان الخيل وتربيتها على أرض الجزيرة العربية قبل 9 آلاف سنة، أي أننا نمتلك الحضارة الأقدم في العالم، فماذا فعلنا تجاه هذه الحقيقة؟ أتمنى أن تتناول جميع وسائل الإعلام العربية هذا الاكتشاف العظيم بكل اللغات، استجابة لمقولة خادم الحرمين الشريفين: ( أنشروها في العالم .. خلهم يتعرفون على بلد الحضارات). [email protected]