أعلنت الهيئة العامة للسياحة والآثار مع نهاية شهر رمضان المنصرم عن كشف أثري هام تمثل في موقع المقر وهو (بين محافظة تثليث ومحافظة وادي الدواسر) أظهر حضارة قديمة يتجاوز عمرها 9000 سنة قبل الميلاد، اكتشف فيها بقايا آدمية ومجسمات لحيوانات وأوان صناعية وتماثيل كبيرة الحجم للخيل في هذا الموقع مقترنة بمواد أثرية من العصر الحجري الحديث. وشكل هذا الحدث اكتشافاً أثرياً مهماً على المستوى العالمي، حيث ان آخر الدراسات حول استئناس الخيل تشير إلى حدوث هذا الاستئناس لأول مرة في أواسط آسيا (كازاخستان) منذ 5500 سنة قبل الوقت الحاضر. وهذا الاكتشاف يؤكد أن استئناس الخيل تم على الأراضي السعودية في قلب الجزيرة العربية قبل هذا التاريخ بزمن طويل. ويعد هذا الاكتشاف مهما بكل المقاييس سواء من حيث المعلومات التي أظهرها أو القيمة الأثرية والجمالية للقطع الأثرية التي تم العثور عليها, وهي قطع تتمنى أشهر متاحف العالم أن تدفع لأجلها الملايين لكي تقتنيها, وتبقى المعلومة الأبرز والأهم بالنسبة لنا من غير المتخصصين ، هو الإثبات أن أول استئناس للخيل كان هنا في الجزيرة العربية, ولهذا دلالاته الهامة على تأكيد الحضارات المتقدمة التي شهدتها أرضنا التي كانت محط أنظار الأمم في أغلب الحقب التاريخية. ويكفي دلالة على أهمية هذا الاكتشاف اطلاع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - عليه واهتمامه به وأمره – أيده الله- بعرضه في معرض (روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور) الذي يتنقل في أكثر من متحف عالمي. ويجدر بي أمام هذا الاكتشاف الأثري الهام أن أتوقف أمام نقطتين: الأولى: أن هذا الاكتشاف الهام الذي بدأت أصداؤه في الانتشار عالميا من خلال وكالات الأنباء والإصدارات المتخصصة في الآثار وفي المراكز العلمية وبين علماء الآثار في العالم, لم نر ما يستحقه من اهتمام في وسائل إعلامنا أو من كتابنا, وأنا هنا أتساءل لو أن هذا الاكتشاف كان في غير المملكة ، وتحديدا في أوروبا وأمريكا أو دول شرق آسيا وغيرها كيف سيكون احتفاء واهتمام وسائل الإعلام به؟ لاسيما وأنه خرج بمعلومات جديدة غيرت كثيرا من المعلومات السابقة الموجودة في المراكز البحثية العالمية. لاشك أن وسائل الإعلام بل والمجتمع عامة في تلك الدول يهتم كثيرا ويتفاعل مع مثل هذه الاكتشافات التي تعد إنجازا وطنيا يبرز ويكشف حضارات الأمم بشكل ملموس ودقيق لا تعكسه الأبحاث النظرية, وهذا يعيدني إلى نقطة طالما أشار إليها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، وهي ثقافة المجتمع تجاه الآثار والمتاحف, حيث أكد في غير مناسبة أن هذه الآثار العظيمة هامة في إبراز البعد الحضاري للمملكة وهذا ما يفترض أن يعيه كل مواطن ومسئول ويشارك في العمل لأجله, موضحا "أن الهيئة تدرك بأن غرس المفاهيم والقيم التي تتعلق بالاهتمام بالآثار والتراث والثقافة المتحفية والمساهمة في تعزيز الانتماء للوطن ينبغي أن تجد طريقها إلى الناشئة من خلال بث الرسائل العلمية والسلوكية والتربوية في المناهج والمقررات الدراسية التي تسعى إلى تعزيز البعد الحضاري وتعزيز التواصل بين النشء والمكونات الحضارية لأرضه؛ وذلك ضمن إطار الشراكة بين الهيئة ووزارة التربية والتعليم". النقطة الثانية هي أن هذا الكشف كان حلقة في سلسلة اكتشافات هامة على الصعيد العالمي تم الإعلان عنها في المملكة وكانت ضمن نتائج برامج ومشاريع التنقيب الأثري التي تقوم بها الهيئة العامة للسياحة والآثار والتي تأتي في سياق النقلة الكبيرة التي أحدثتها الهيئة في قطاع الآثار والمتاحف, في ظل اهتمام مباشر وميداني من رئيسها الأمير سلطان بن سلمان الذي وعدنا بداية هذا العام بنقلات ملموسة وأخبار هامة في هذا القطاع, خاصة مع إطلاق مبادرة البعد الحضاري التي تبنتها الهيئة لرفع الوعي بأهمية التراث الوطني في إبراز البعد الحضاري للمملكة. من الآثار التي كشفت في « المقر»