من الظلم جدًا السكوت على هذا الانفلات الإعلامي الذي أضر برياضتنا السعودية بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص.. من الظلم أن تفتح الأبواب لكل من هب ودب لينتقد وليتجاوز كل حدود العقل والمنطق وهو لا يملك من الخبرة ما يجعله قادرا حتى على صياغة خبر صحفي. من الظلم أن تتحول منابرنا الإعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة إلى أسلحة فتاكة تنال من نجومنا ومنتخباتنا ورموزنا الرياضية. من الظلم أن نقبل بفتح الباب لأناس تهمهم مصلحة أنديتهم أكثر من مصلحة منتخبات وطنهم. ومن الظلم أيضا أن تتحول كل تلك المنابر إلى ما يشبه ساحات المزايدات بلا ضوابط أو حدود أو تقدير لأدبيات النقد والمسئولية الوطنية. قد تستغربون كيف يكتب إعلامي بخبرته التي تجاوزت الثلاثين سنة بين القلم والمايك منتقدا الانفتاح الذي شهدته الساحة الإعلامية الرياضية، ولكنني أقول سواء اندهشتم أم لم تندهشوا فإنني لن أغير رأيي حول هذا الانفلات الذي ساهم وبشكل كبير في زعزعة استقرار الكرة السعودية وتعطيل مسيرتها وعرقلة العودة لتفوقها القاري وتميزها الدولي. لقد تحولت الوسائل الإعلامية إلى «حراج» لا ينجح فيه احد إلا من له لسان سليط يتجاوز حدود النقد مستغلا هذه الوسيلة أو تلك. ياله من أمر خطير أن تفتح الأبواب لكل مزايد بينما تقفل في وجوه النقاد الحقيقيين الذي ينظرون للأمور بألوان الوطن لا بألوان أنديتهم، ويتعاملون مع اللاعبين على أساس حبهم لوطنهم ومصلحة منتخبهم لا حبهم لنجومهم والانحياز لأنديتهم. كيف يمكن لمدرب مهما كانت إمكاناته أداء المهام المطلوبة منه وهو يقابل فوضى إعلامية ونقدا يصل لحد التجريح وتطاولا على تاريخه ومسيرته الكروية وهو لم يستلم مهامه إلا قبل شهرين أو ثلاثة!؟ كيف يمكن لإدارة منتخب أن تعمل في ظل صراخ فضائي وهجوم متواصل وتشكيك بلا حدود لكل قرار أو فكرة أو خطوه للأمام!؟ كيف لاتحاد الكرة أن يطبق أفكاره ويمضي في خططه والإهانات تطاله من كل حدب وصوب!؟ في وضع كالوضع الذي يعيشه وسطنا الرياضي سيفشل المدرب بكل تأكيد وستتعقد أمور أي إدارة للمنتخب، وسيجد اتحاد الكرة نفسه أمام وضع لا يحسد عليه. وبدلا من التفكير في الخطوة القادمة يضطر إلى صياغة بيان أو تجهيز رد أو توضيح رأي!! ترى من أوصلنا إلى هذا الحال غير إعلاميي الغفلة الذين استغلوا سطحية تفكير القائمين على بعض وسائل الإعلام خاصة المرئية ليتسيدوا الساحة وليقدموا آراءهم غير الناضجة ولا المسئولة ولينجرف معهم سيل من الرياضيين الذين تحولوا بين عشية وضحاها من مجرد متابعين إلى نقاد ومحللين ومزايدين!! حرية النقد مكفولة لكن إذا كانت تلك الحرية ستتحول إلى ( حربة ) تنال من مصلحتنا الرياضية الوطنية فإنها حرية لا مكان لها في ورشة البناء التي يجب أن يشارك فيها الجميع وفي مقدمتهم الإعلام الوطني الناضج والمسئول. نعم لدينا أخطاء كثيرة في إعداد منتخباتنا ومسابقاتنا، ولكن لا يمكن خلق الإصلاح وتشجيعه في ظل فوضى لا تعطي المسئول فرصة للتفكير ولا تخلق له بيئة مناسبة تساعد على العمل والإصلاح والعودة إلى عصرنا الذهبي. أنا معجب بالأمير نواف بن فيصل وقد لا يعنيكم هذا الأمر، لكنني أقول: إن الخطوات المتتالية التي بدأ بها عمله تزرع فينا الأمل وتمسح من ذاكرتنا صورة الإحباط والملل، ولعل المرحلة القادمة التي يخطط لها لن تكون واضحة المعالم لأصحاب التفكير السطحي والنظرة الضيقة، لكنها بالتأكيد تستحق الاهتمام والمتابعة وحتى النقد بشرط أن يكون نقدا موضوعياً من أهل الخبرة المتزنين دون مزايدة بعيداً عن الميول والألوان. ولكم تحياتي. [email protected]