بعد أن نشرنا بالأمس جزءاً من هذه الدراسة نواصل نشر الجزء الثاني وبعد: فهذه السيرة الموجزة تتضمن الآتي: - نسب الأديب الرائد عبدالكريم الجهيمان. - بيئته وطفولته. - حياته العلمية والعملية: - تلقي العلم في القرية. - تلقي العلم في الرياض. - تلقي العلم في مكة. - العمل الحكومي. - الكتابة والعمل الصحفي (في صحيفة أخبار الظهران، في صحيفة اليمامة، الإشراف على صحيفة القصيم). - الأمثال الشعبية. - رحلاته. فإلى تلك المحاور. نسبه: هو عبدالكريم بن عبدالعزيز الجهيمان (أبو سهيل) ويعود نسبه إلى بني تميم. مصدر لقبه: الجهيمان لقب جده، لأنه كان يجهم إلى أعماله، أي يسعى إليها في أواخر الليل. وصغر اللقب فبدلاً من أن يكون جهمان جعلوه (جهيمان)، والتصغير ظاهرة معروفة في كثير من أسماء الأشخاص، أو القبائل، أو الألقاب. مكان وتاريخ ميلاده: ولد عام 1333ه في قرية في الوشم تسمى (غسلة) يجاورها قرية أخرى تسمى (الوقف) ويطلق على القريتين القرائن، وكان والده من غسلة، ووالدته من الوقف. بيئته وطفولته: عاش أبو سهيل طفولته المبكرة متنقلاً بين والده وأعمامه في غسلة وبين والدته وأخواله في الوقف، وكانت القريتان متجاورتين لا يفصل بينهما إلا واد كبير يسقي الكثير من مزارع القريتين، يسمى العنبري. وكان القرائن تعتمد في معيشتها على الفلاحة وتربية المواشي، وهناك قلة منهم يعتمدون في معيشتهم على نقل الأحمال من قرية إلى قرية ومن مكان إلى مكان آخر ويسمعون الجماميل، وكان جده لوالده من كبار الفلاحين في غسلة، وعاش والده فترة من الزمن مع جده في الفلاحة ثم انفصل عنه، وصار يعمل في الجمالة. روى لي أبو سهيل أن حياته كانت في طفولته كلها حركة وحرية وانطلاق، بحيث يستيقظ مع طلوع الفجر ولا يهدأ من الحركة إلا في ظلام الليل كما كان رفاقه لداته مثله يمارسون ألعابهم، ولكل طبقة منهم ألعابهم الخاصة التي تتناسب مع أعمارهم، هناك ألعاب الليل وألعاب النهار، وللبنات ألعابهن الخاصة، وكانوا يمارسون هواية الصيد في النخيل حيث يغزون الطيور في أعشاشها، ولديهم الطيور المهاجرة التي يصطادونها بواسطة الأفخاخ، والصيد في الصحراء حيث الجرابيع والضباب، والأرانب وغير ذلك؟! وهكذا، عندما فتحت عيناه على الدنيا وكان عمره حوالي أربع سنوات، كانت أمه قد انفصلت عن أبيه بالطلاق وكان يعيش ووالدته عند خاله ثم جاء لأمه خاطب من قرية مجاورة لقريتهم فتزوجته وذهبت إلى تلك القرية المجاورة، وتركته في حضانة جدته. وكانت أمه تزوره بين وقت وآخر، فإذا حضرت اهتمت بأمره وبأمر نظافته، ثم تركته عند جدته وذهبت إلى زوجها الجديد، وهنا بدأت بوادر جديدة في نفسه، إنه يغار عليها ويغار أيضاً على والده الذي اختطفت منه زوجته، وصارت عشيرة لزوج آخر، حرمه من عطفها وحنانها أكثر الأيام والساعات، لقد كانت هذه الأفكار تتفاعل في نفسه الصغيرة، فتولد كرهاً وتولد حقداً لهذا الوضع الشاذ، حسب ما تصور له نفسه المحدودة المدارك آنذاك. وتطورت هذه النزعة إبان طفولته فهو يريد أن ينتقم من الاثنين معاً والدته وزوجها الجديد!! ولأنه لا يعرف زوجها وهو بعيد عن متناول يده الصغيرة بقيت والدته التي يراها عندما تأتي ويراها عندما تذهب إلى القرية المجاورة، ويعرف طريقها إلى تلك القرية! كان يملأ حجره بالحجارة، فإذا خرجت من القرية، واتجهت إلى القرية الثانية، وقف في مكان مرتفع، ثم صار يرمي هذه الهاجرة بالحجارة، وكان بعض تلك الحجارة كما يقول أبو سهيل يقع عند يمينها، وبعضها يقع عن شمالها، وبعضها يقصر عنها، وهي ماضية في طريقها لا تسخط ولا تتأفف، ولا تلتفت!! فإذا زارته مرة ثانية تجاهلت ما حدث وقابلته وكأن شيئاً لم يكن!! وتكرر عمله هذا حتى كبر قليلاً، وتوفي زوجها الجديد، فاحتضنته من جديد، وكانت هي السبب في تعلمه غفر الله لها وجزاها بما أحسنت، وغفر الله لأبي سهيل وعفا عنه إنه جواد كريم غفور رحيم. بالرغم من تلك الظروف وهذه النزعة البريئة فقد عاش أبو سهيل حرية نادرة المثال حيث لا حدود ولا قيود في عهد الطفولة، وكان يعيش بين هاتين القريتين، فإذا ضاق بإحداهما ذهب إلى الأخرى، وكان يعيش كذلك بين بيتين، إذا ضاق بواحد منهما ذهب إلى الآخر، وهما بيت خاله في قرية الوقف وبيت والدته في قرية غسلة. في هذا الجو الريفي البسيط الطليق عاش طفولته، ولم يحس في يوم من الأيام أنه مكروه من أحد البيتين، بل كان يجد حباً وترحيباً وعطفاً قلّ أن يوجد عند غيره من الأطفال. كان الأطفال يملؤون أوقاتهم بالحركة وبالمنافسة في كثير من الألعاب التي منها ما يعتمد على الذكاء، ومنها ما يعتمد على القوة البدنية، ومنها ما يعتمد على سرعة الحركة عندما يكون السباق وشدة الحذر عندما تتأزم المواقف،،؟! في تلك العهود كانت لديهم أنواع من الرياضات المتعددة التي منها ما كان يمارس في الشتاء، ومنها ما يمارس في الصيف، وفي هذه الأجواء لم يكونوا بحاجة إلى ألعاب صنعت واستوردت من الخارج، فلديهم الاكتفاء الذاتي من أدوات هذه الألعاب، فهم يلعبون بالحجارة وبكعاب الأغنام، وغصون الشجر، ويلعبون أيضاً برمال الصحراء. كان أبو سهيل ولداته يحرصون في طفولتهم على ترتيب أدوات هذه الألعاب فإذا مضى وقت واحد، وبدأت الأخرى، فإنهم يحتفظون بأدوات اللعب التي مضى أوانها، ويجعلونها في مكان خاص بها حتى يأتي دورها في مواسمها المعتادة، وإذا ضاع شيء منها، أو انكسر عوضوه حالاً بما يتوفر لديهم من هذه الأدوات التي في متناول أيديهم. وكان مغامراً في طفولته، يقول في مذكراته التي نشرها قبل ثلاثة عشر عاماً: إنه تسلق نخلة طويلة يبحث عن صغار الطيور، وعندما أراد النزول لم يستطع ولم يكن هناك من يساعده فكاد أن يتعرض للسقوط أكثر من مرة.. وكان موتاً محققاً لو سقط ولكنه استطاع أخيراً من الانخراط إلى جذع النخلة رغم تعرضه للكثير من المصاعب. ومرة ذهب إلى القصور مكان الزراعة الشتوية والتي تبعد عن القرية حوالي خمسة عشر كيلومتراً فقابله بالاتجاه المعاكس ذئب وكان لا يبعد عن طريقه كثيراً فتظاهر بالشجاعة ورباطة الجأش.. لأنه قد سمع أن الذئب لا يهجم إلا على الجبان الرعديد الذي يظهر عليه الخوف ولهذا تماسك وتظاهر بالشجاعة. وذات مرة نزل إلى البئر ليصطاد صغار الحمام.. وعندما صاد حمامة أراد الصعود بواسطة (الرشاء) المتدلي من أعلاها فلم يستطع.. فحاول وبلغ به الجهد مداه.. فتعلق في الهواء.. وبقي فترة فقد السيطرة على نفسه فانطلق هاوياً إلى قاع البئر ولكن يديه بقيتا ممسكتين بالرشاء فحفظت توازنه ومنعته من الارتطام بجوانب البئر.. فسقط بالماء ومن حسن حظه أنه يعرف العوم فتمسك بالجال.. حتى حضر من الأهالي من ربط زنبيلاً في رأس الرشاء فجلس به وأخرجوه.. بعد أن تجرح جسمه فوجدوا في صدره انتفاخاً وإذا هي الحمامة التي سبق أن اصطادها قبل سقوطه.. وعالجت والدته الجروح وأعطت ابن عمه الحمامة لأنه هو الذي أبلغهم بسقوطه في البئر.. وهكذا كما يقول خرج من المغامرة الخطيرة بلا فائدة. وكان في إحدى مغامراته يحفر جحر جربوع بعد أن سد منافذه.. وبعد محاولات يجد في الجحر أفعى قد بلعت جربوعه قبل صيده، ومن حسن حظه أنه قد أدخل المحش عليها بالجحر قبل سحبها خارجه فوجدها قد انقطعت إلى نصفين. تلقي العلم في القرية: لم يكن من المتوقع أن يتعلم هذا الطفل الذي عاش بين قريتين أن يواصل تعليمه، ويكون من الكتاب البارزين، إذ جرت العادة أن يعيش مرحلة الطفولة دون كيان أسري سليم يحميه، عادة ما يكون حظه من التعليم قليلاً، خصوصاً في زمن لم ينتشر فيه التعليم، وليس أهميته تذكر. وعندما بلغ السادسة من عمره أدخلته والدته كتاب القرية، وكان إمام المسجد هو الذي يتولى تعليمه مبادئ القراءة والكتابة. أمضى سنة في الكُتّاب وكانت والدته تتابعه وتحثه.. فأصبح يقرأ ما يكتبه المطوع على اللوح أو على الرمل.. وبدأ يقلد ما يصلهم من خطابات.. ويعيد كتابتها مرات ومرات.. ثم بدأ يقرأ القرآن وكتب المواعظ فصارت والدته تدعوه مع بعض النسوة ليقرأ لهن سورة يوسف. وعندما انقضى عهد الطفولة كان قد ختم القرآن تلاوة، وحفظ بعض سوره. أما كيفية تعلمهم القراءة والكتابة فقد كان ذلك فوق التراب، وما كانوا يخافون من التراب، ولا يترفعون عنه في كثير من الأحيان، وهذا هو الشيء الطبيعي، أن يلتصق الإنسان بأمه الأرض، وأن يباشرها بجسده أو بعض جسده، فما تلك الفرش الفاخرة، وما تلك الأثواب الزاهية إلا أشياء صناعية؟! عندما شارف على بلوغ العاشرة من عمره رافق والده إلى الرياض لطلب المعيشة.. والتي تبعد حوالي 200كم مشياً على الأقدام من قرية إلى قرية عن طريق سدير فالمحمل.. فكل بلد يصلونها يستضيفون أهلها.. فإذا مكثوا في الرياض شهراً أو شهرين عادا بما كسباه. فإذا نفد ما عندهما عادا مرة ثانية إلى الرياض.. وقال إن همتهما قد سمت فاشتريا حماراً استفادا منه في سفرهما وعندما يصلان إلى الرياض يبيعانه بربح ضئيل علاوة على ما استفاداه منه بالركوب ونقل المتاع. ثم ارتفعت إمكانياتهم فاشتريا جملاً فصارا يقطعان الطريق بخمسة أيام بدلاً من مضاعفاتها في المرات السابقة.. فأصبحا عند قدومهما للرياض ينيخان جملهما عند باب الشيوخ.. أي الملك.. وكانوا يدعونه الإمام.. ومع الآخرين يذهبون إلى ابن جميعة المسؤول عن أضياف الملك فيكتب أسماءهم فيتعشون في أول يوم في مضيف ابن مسلم فيقدم لهم الأرز وفوقه اللحم.. أما بقية الأيام فيأكلون في مضيف آخر يعتبر درجة ثانية.. وقال إن هناك مضيفا ثالثا هو مضيف خريمس.. وهو للمحتاجين طيلة أيام السنة. فبعد أن يتعشوا في اليوم الأول.. يذهبون في اليوم الثاني للسلام على الإمام عبدالعزيز فيصافحونه.. وبعد يومين أو ثلاثة ينادونهم بأسمائهم فيعطون كل واحد منهم كسوة وعدداً من الروبيات الهندية.. التي هي العملة السائدة وقتها.. وكان يعطى خمس روبيات أما والده فكانت عادته أن يعطى كسوة وعشرين روبية. فإذا عادوا إلى القرية صار يفاخر أقرانه ويمد لهم يده قائلاً بكل فخر: إن هذه اليد قد صافحت الإمام.. وقد ذكر لي أبو سهيل - رحمه الله -، أنهم عندما كانوا يذهبون إلى الرياض وليس لديهم ما يأكلونه.. كانوا إذا وصلوا للقرية -أي قرية-.. يبحثون عن أفضل بيت فيه فيرمون أحذيتهم داخله.. ويذهبون لأقرب مسجد فبعد الصلاة يتفقد صاحب المنزل من في المسجد من الغرباء فيدعوهم للغداء أو العشاء.. وهذا هو المتبع وقتها. عند بلوغه الثالثة عشرة من عمره طلب من والده أن يبقيه بالرياض لطلب العلم.. وهكذا ذهب به والده للمسؤول عن شؤون الطلبة.. فقبل ونزل مع أحد الطلبة في بيت مخصص لهم يسمى (بيت الاخوان).. وبدأ من أول السلم يتعلم النحو والفرائض وعلم الفقه.. وكانت الدراسة تعتمد على حفظ المتون، فبدأ بحفظ الأجرومية في النحو.. والرحبية في علم الفرائض.. وآداب المشي إلى الصلاة.. وبعد سنة اختير ليدرّس إحدى بنات الأسر الكريمة لصغر سنه.. وكان كما ذكر يدرسها قبله الشيخ عبدالعزيز ابن باز.. فبعد أن كف بصره اختاروا أستاذنا الجهيمان لهذه المهمة.. ففرح فرحاً شديداً؛ لأن أكله وشربه سوف يكون لدى هذه الأسرة، ثم إن له كسوة وشرهة في العيدين.. وكان كثير من زملائه طلبة العلم يغبطونه على ما هو فيه من عيش مريح.. وكان والده يعمل بالرياض ولا يراه إلا في أوقات متباعدة.. فإذا قابله عامله معاملة الفتى المستقل عن والديه.. واعتمد في حياته على نفسه وجهده.. وشعر أنه قد أصبح رجلاً بإمكانه اختيار طريقه بنفسه.. وفي هذه الأثناء قدم ابن عمه إبراهيم للرياض لينضم لطلبة العلم فتوسط له وأنزله مع بعض الطلبة ورتب له شؤون معيشته. تلقي العلم في مكة: وجاءت سنة السبلة عام 1347ه (1928م) وانتصار الملك عبدالعزيز على المتمردين فذهب للحج وعند عودته مع حاشيته بالسيارات.. فكانت تعود تلك السيارات خالية للحجاز فتشاور أبو سهيل مع ابن عمه إبراهيم ليأخذوا إذناً بالركوب إلى مكةالمكرمة لمواصلة طلب العلم هناك. وهكذا كان.. فبعد وصولهم إلى هناك قيل لهم لن تستطيعوا طلب العلم إلا بنفقة فبحثا عن عمل.. فيقول إن ابن عمه قبل كعضو في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أما هو فرفض لصغر سنه فأشير عليه بالذهاب للتسجيل كجندي بالهجانة.. مع مواصلة القراءة وطلب العلم على بعض المشايخ في الحرم المكي. وجاء الملك عبدالعزيز للحج في العام التالي 1348ه وكان قد افتتح وقتها بمكة معهد اسمه (المعهد العلمي السعودي) فلم يقبل عليه الطلاب كما ينبغي فطلب الملك من المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم أن يختار جملة من الشباب لينضموا إلى المعهد.. على أن تتكفل الدولة بسكنهم وأكلهم وشربهم مع مصروف شهري، فالتحق مع ابن عمه بالمعهد، ويذكر من زملائه الشيخ حمد الجاسر وعبدالرحمن آل الشيخ ومحمد بن هليل وعبدالله عبدالغني خياط وأحمد علي أسد الله.. وهكذا أمضى في المعهد ثلاث سنوات.. إذ تخرج منه بعد إجراء الامتحان النهائي في 10-11-1351ه. العمل الحكومي: كان أول عمل قام به الأستاذ الجهيمان مدرساً في مدرسة المعلاة بمكةالمكرمة، وبعد ذلك عاد إلى نجد فتولى تأسيس مدرسة في الخرج، ثم انتقل إلى مدرسة أنجال ولي العهد الأمير سعود آنذاك قضى فيها فترة قصيرة، ودرس لفترة قصيرة -أيضاً- في منزل الأمير سليمان السديري، ثم انتقل إلى مدرسة أنجال الأمير عبدالله بن عبدالرحمن، وبقي مديراً لها خمسة أعوام. بعد ذلك سافر إلى المنطقة الشرقية، وتولى إدارة شركة الخط للطبع والنشر، وطلب باسم شركة الخط إصدار جريدة اسم (أخبار الظهران) وصدرت هذه الجريدة، وتولى رئاسة تحريرها مدة سنتين، وبذلك يكون أول صحفي يصدر أول جريدة في المنطقة الشرقية من المملكة. ثم عاد إلى الرياض، والتحق بوزارة المعارف وأسند إليه إدارة التفتيش الإداري، ثم عمل فترة قصيرة مديراً للعلاقات العامة بوزارة المالية. الكتابة والعمل الصحفي: مارس أبو سهيل الكتابة مبكراً، فكتب بعض المقالات في (صوت الحجاز). ولعل أول مقالة نشرت له كانت عبر هذه الجريدة، وكتب بعض القصائد في المنهل وأم القرى. وألف رسائل ومقررات كانت تدرس في جميع مدارس المملكة، فألف في الفقه، والتوحيد. وشارك الأستاذ عمر عبدالجبار -رحمه الله- في تأليف مقررات المحفوظات والتهذيب، وأصدر رسالة باسم (محاورة طريفة بين ذي لحية ومحلوقها). في صحيفة أخبار الظهران: يقول في مذكراته ص 175-177: وصدر بعض أعداد هذه الجريدة من بيروت لأن مطابع الخط لم يكن لديها الاستعداد آنذاك لإصدارها، أي طبعها، فكنا نرسل المواد كاملة إلى بيروت، مقالاتها وأخبارها وإعلاناتها، وبعد فترة قصيرة، تولينا إصدارها من الدمام نصف شهرية مؤقتاً، وكانت في بدايتها ضعيفة هزيلة كأي بذرة توضع في التربة، وكأي عمل ينشأ من جديد، ثم إنها كانت أول صحيفة تصدر في هذه المنطقة التي انتقلت أكثر مدتها من طور القرى إلى طور المدن، ثم إن أكثر القاطنين فيها هم عمال في شركة أرامكو، ولكن أخبار الظهران بدأت تنمو وتكبر ويتسع توزيعها ويكثر قراؤها شيئاً فشيئاً، لما يلمس القارئ فيها من صراحة في القول وإخلاص في علاج الكثير من المشكلات الاجتماعية والثقافية والسياسية، ولهذا فقد كانت موضع الثقة من الحكومة ومن المواطنين على حد سواء وظهر من بين هؤلاء العمال كتّاب ومفكرون صاروا يمدون هذه الصحيفة بألوان من البحوث والمقالات المليئة بالوطنية والإخلاص، والجرأة في بعض الأحيان، وقد اكتسبت من رئاسة تحرير هذه الصحيفة مكسباً معنوياً كبيراً، وكانت نقلة جديدة في حياتي الوطنية والفكرية، حيث كان يرد إلى هذه الصحيفة مختلف الآراء والاتجاهات التي منها ما يكون متزناً، ومنها ما يكون مندفعاً ومتهوراً، ومنها ما يكون مدسوساً فيه بعض الأفكار التي لا تتناسب مع محيطنا ومجتمعنا المحافظ الذي تسوده قيم وأخلاق توارثها الخلف عن السلف، فإذا تجاوزها إنسان اعتبر شاذاً، فالحقيقة بنت البحث، كما يقول المجربون في حكمهم التي يطلقونها في مجتمعاتهم، وسارت الصحيفة على هذا المنوال حتى أصبحت موضع ثقة واحترام الجميع، وكنت بصفتي مسؤولاً عن هذه الصحيفة، ومسؤولاً عن جميع ما ينشر فيها، كنت أنخل ما يرد إلىّ من بحوث ومقالات وأخبار فأعرف منها مختلف التيارات التي تعيش في المجتمع أو يعيش فيها المجتمع أو بعض فصائل المجتمع. يقول الأستاذ محمد القشعمي -حفظه الله-: لقد تتبعت الأعداد الأربع والأربعين من صحيفة أخبار الظهران والتي رأس تحريرها أستاذنا الجهيمان فكان كمن يحمل مشعل الإنارة ليضيء الطريق للجميع حكومة وشعباً وقد رحب واستبشر وبارك صدور الصحف التي لحقت بأخبار الظهران وهي الفجر الجديد، صدر منها 3 أعداد في النصف الثاني من عام 1374ه ورأس تحريرها الأخوان أحمد ويوسف الشيخ يعقوب، ثم مجلة الإشعاع للأستاذ سعد البواردي والذي صدر منها 23 عدداً وصار لها ما صار لأخبار الظهران، وأخيراً مجلة ثم جريدة الخليج العربي الذي بدأ بإصدارها 1375ه الأستاذ عبدالله أحمد شباط وعمل معه بعد ذلك محمد أحمد فقي ثم علي أحمد بوخمسين واستمرت حتى عام 1383ه فتنقلت بين المطابع في الدمامفالرياض فجدة ثم العودة للخبر بالمنطقة الشرقية حتى صدور نظام المؤسسات الصحفية فتوقفها. في صحيفة اليمامة: بدأ يكتب مقالاً أسبوعياً في صحيفة اليمامة في الأعوام 1377، 78، 79 وكان قد أنشأها ورأس تحريرها علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله-، وإذا سافر الشيخ حمد تولى أبو سهيل رئاسة تحريرها، وبين حين وآخر كان يتولى رئاسة تحريرها الأستاذ سعد البواردي. وقد جمع من بعض مقالاته في اليمامة كتاباً وأسماه (أين الطريق) نشر في بيروت عام 1381. الإشراف على صحيفة القصيم (المعتدل والمائل): كان هناك صحيفة أخرى باسم القصيم طلب منه أصحابها أن يتولى الإشراف على تحريرها فاستجاب بعد إلحاح منهم، وكان يكتب أسبوعياً مقالاً رئيساً في هذه الصحيفة. كما كان يكتب كلمات بعنوان (المعتدل والمائل) وكان لهذه الكلمات قبول حسن لاختصارها، ولأنها تعالج كثيراً من الشؤون الاجتماعية والاقتصادية. ومن هذه المقالات أخرج أبو سهيل كتاباً أسماه (آراء فرد من الشعب). الأمثال الشعبية: جاءت فترة عزف فيها أبو سهيل عن الكتابة في الصحف، فاتجه إلى تدوين بعض الآثار التي تركها لنا الآباء والأجداد من أمثال وقصص، واتجه إلى الأمثال التي كان قد سبقه إلى التأليف فيها فضيلة الشيخ محمد العبودي الذي أصدر كتاباً في الأمثال يحتوي على ما يقرب من ألف مثل. رحلاته: ولأبي سهيل رحلات متعددة منها ما هو في بلاد العرب، ومنها ما هو في بلاد الغرب. يقول سفره الأول خارج بلاده والذي كان إلى جمهورية مصر العربية: «.. وبما أن هذه السفرة هي أول سفرة في حياتي خارج بلادي.. فقد رأيت فيها الكثير من الأمور التي منها ما أحببته.. ومنها ما كرهته.. فقد خرجت من مجتمع محدود.. يعيش عيشة محدودة.. عيشة الكفاف والعفاف وإذا بي في ايام قلائل أرى نفسي في مجتمع يموج بمختلف التيارات والرغبات والصراع في سبيل العيش بين الكبار والصغار والفقراء والأغنياء. ورأيت الفرق الاكبر بين مجتمعي المحدود.. وما فيه من تعاطف وتراحم ومواساة.. وبين هذا المجتمع الذي يعج بالصراع والتنافس الذي قد لا يخضع للأخلاق والقيم الكريمة في بعض الأحيان.. ولا أقول كل الأحيان لأن كل مجتمع فيه الصالح والطالح.. وكلما اتسع المجتمع كثرت فيه التيارات والصراعات التي منها ما ينسجم مع الأخلاق الكريمة، ومنها ما يشذ عنها قليلاً أو كثيراً..»، إلى أن قال «.. وبالجملة فقد استفدت من هذه الرحلة فوائد جمة.. استفدت مما سمعت.. واستفدت مما رأيت.. وعرفت مسالك الخير ومسالك الشر في هذا المجتمع الجديد الذي شاهدته فكان الأول من نوعه في حياتي التي قاربت الأربعين عاماً حينذاك». لقد كرمته وزارة الثقافة والإعلام بدعوته لافتتاح معرض ثقافي عام بمناسبة اليوم الوطني لعام 1427ه ثم في مهرجان الطفل الأول عام 1429ه وكرمته أيضاً مع الباقي من رواد الصحافة (صحافة الأفراد) بمعرض الكتاب الدولي عام 1429ه-2008م. وأصدرت كتاباً عنه يحمل عنوان (عبدالكريم الجهيمان - الحكايات تتبع خطواته) مع رواد آخرين وزع في المعرض.. وقبل ذلك كرمته الوزارة أيضاً عام 1427ه في معرض الكتاب الدولي مع عدد من رواد المؤلفين السعوديين الذين مضى على تأليفهم كتباً أكثر من 50 عاماً وما زالوا أحياء.. وقد كرم بوصفه أقدم من ألف كتاباً (حوار بين ذي لحية ومحلوقها) الذي طبع بالقاهرة عام 1355ه-1936م. فترة توهجه.. وعمله بالصحافة صدر العدد الأول من جريدة (الظهران) في 1-5-1374ه - 26-12-1954م والذي تحول اسمها بعد العدد السادس إلى (أخبار الظهران) وقد انتقلت لتطبع في مطابع الخط بالدمام من العدد الثالث عشر بعد أن كانت تطبع في بيروت. وكان رئيس تحريرها عند صدورها عبدالله الملحوق والجهيمان كان مديراً للتحرير حتى العدد الثامن عشر حيث تولى عبدالكريم الجهيمان رئاسة تحريرها وسعود العيسى سكرتيراً للتحرير. وحتى (44) الصادر بتاريخ 29 رمضان 1376ه 29 أبريل 1957م والجريدة تستعد في العدد القادم للاحتفال بدخول سنتها الثالثة والذي لم يصدر إلا بعد نحو خمس سنوات إذ صدر فعلاً عام 1381ه وتولى رئاسة تحريرها عبدالعزيز الحمد العيسى وكان يحمل العدد رقم (45) أما أسباب توقفها أو إيقافها على الأصح فهو نشر مقال (نصفنا الآخر بتوقيع م. البصير) وقد ذكر الجهيمان في مذكراته أنه بسبب مقال ورد له بتوقيع محمد بن عبدالله يدعو لتعليم البنات فنشره لضيفه قبل أن يعرضه مع مواد العدد على القاضي بالمحكمة وهو الذي كان يجيز ما تنشره الصحف. بعد أن حققت معه وأدين بصفته صاحب المقال وسجن (21) يوماً وأوقفت الصحيفة لخمس سنوات. عاد للرياض بعد خروجه من السجن فعمل مفتشاً بوزارة المعارف والتقى بصديقه وزميله بالمعهد السعودي الشيخ حمد الجاسر الذي يصدر جريدة اليمامة من الرياض والذي رحب به ومكنه من النشر فنجد الجهيمان بعناده وصموده وإصراره يعود لنشر المقال نفسه وبنفس العنوان (نصفنا الآخر) باسمه الصريح في اليمامة العدد (125) بتاريخ 21-11-1377ه وهكذا استمر يكتب تحت عنوان: (أين الطريق؟) وينيبه الجاسر في حالة غيابه بإجازة والإشراف على ما ينشر إلى جانب عمران العمران وغيره. وعند صدور جريدة القصيم منتصف عام 1379ه نجده يتولى الإشراف العام عليها ويكتب مقالين في كل عدد واحد تحت عنوان: (آراء فرد من الشعب) والثاني في الصفحة الأخيرة بعنوان: (المعتدل والمايل) إضافة لعضويته للجنة الإشراف على مجلة (المعرفة) التي تصدرها وزارة المعارف. كما طلب الأمير طلال بن عبدالعزيز إعارة خدماته لوزارة المالية والاقتصاد عندما كان وزيراً لها فأصدر منها مجلة (المالية والاقتصاد) مع عبدالله القباع كمدير للتحرير. ونجد الشيخ عبدالله بن خميس -رحمه الله- يكتب له مرفقاً مواد أعداد مجلة (الجزيرة) لغربلتها وتحديد ما يصلح للنشر واستبعاد ما يرى عدم مناسبته إضافة لمشاركته في الكتابة في مجلة المنهل وصحف المنطقة الغربية. ومع بداية صدور صحافة المؤسسات نهاية عام 1383ه 1963م نجده يهتم أو ينصرف لمشروع أهم وأعظم وهو جمع مفردات تراثنا من أمثال شعبية وأساطير - حكايات الجدات وغيرها - فنجده يعلن في الجريدة أن من يهديه مثلا ليس موجودا لديه أن ينقده ريالا، وبعد طبع الأجزاء الثلاثة الأولى من الموسوعة نجده يعلن أن من يمده بعشرة أمثال ليست موجودة في هذه الأجزاء فسيهبه نسخة من الأجزاء الثلاثة،، وهكذا.وبسبب جرأته واندفاعه ونقده الشديد لأوجه القصور في الخدمات نجده يتعرض مع غيره للتوقيف والمساءلة.. فكانت فترة تأمل وسياحة مع الذات، ومن الصدف نجده يجمع باثنين ممن لهما نفس الاهتمام والتوجه هما الشاعر عبدالرحمن المنصور والمفكر عابد خزندار فتعمق علاقته بالأخير ويصبحان أصدقاء حتى الآن، فيقول الخزندار أنه استفاد من الجهيمان في التعمق بكتب التراث العربي وتوضيح ما غلق في بعض معانهيا وبالذات الشعر الغامض ومن باب التورية. والجهيمان يقول إنه تعلم منه اللغة الإنجليزية واستزاد ما نقصه من اللغة الفرنسية والتي كان الخزندار يجيدها. * للتفصيل يرجع إلى كتابي بدايات الجهيمان