تقوم البلديات في أنحاء العالم بجهود مميّزة من الخدمات التي يستفيد منها المواطنون والمقيمون، وتختلف تلك الخدمات من دولة إلى أخرى، وعلى سبيل المثال فإن بلدية من بلديات اسطنبول أو باريس قد تقوم بجهود في رفد الثقافة والمعرفة والخدمات الاجتماعية في شهر واحد لا تستطيع أن تقدّمه مؤسسة ثقافية عربية أو محلية كالجامعات السعودية أو الأندية الأدبية في سنين. في الأحساء انطلقت نهضة بلدية كانت من أهم معالمها تلك الأرصفة التي انتشرت في كافة شوارع الأحساء وقراها، وانتشرت المولات والمجمّعات التجارية على امتداد الطرق الدائرية وهي في ازدياد، كما اهتمت أمانة الأحساء بوضع بعض المجسمات الجميلة على بعض الطرق الرئيسية، وكل هذه التغيّرات في البنية الشكلية لا يمكن أن تجعل الأحساء مختلفة عن غيرها من البلدان وذلك بحسب تشابه التفكير الهندسي والتخطيط العمراني، وغياب الرؤية الثقافية والرمزية لأبعاد التأسيس العمراني للأمانات والبلديات في شرق المملكة وغربها. قد تستطيع أي بلدية من البلديات أن تغطي الشوارع والمناطق بمنظومات وأيقونات جمالية، ولكن الأمر ليس كذلك، بل الأمر يتعدّى القيم الجمالية إلى قيم رمزية وثقافية تقدّمها جماليات الأرصفة والمجسّمات، والأيقونات والمجسّمات التي في الشوارع مهما كانت فهي بنت من بنات الأفكار لمهندسي البلديات ومستشاريهم، وتلك الأفكار تختلف في مستواها وعمقها من أشخاص لآخرين، وأي مسؤول يعتمد مجسّمات جمالية فهي بالدرجة الأولى تحمل رمزيتها الثقافية وهويتها التاريخية والحضارية لثقافة البلد الذي وضعت عليه تلك المجسمات، ومن هنا فهل المجسّمات التي وضعت منذ مدة في بعض شوارع الأحساء تحمل رمزيتها وهويتها؟ إن هذه المجسّمات عملت بطريقة جميلة جداً، لكنها لم تخرج عن الرموز النباتية والحيوانية، وعلى سبيل المثال فالسائر على شارع الظهران بامتداده مع شارع الثريات وممتداً لشارع محطة سكة الحديد، فسوف يرى العديد من المجسّمات التي لا تتعدّى عن كونها مجسّمات لطيور كالحمامة المشرئبة بعنقها في شارع الظهران، أو الدجاجة السمينة، والسمكة التي بين محطة سكة الحديد وطريق البحيرية، أو مجسّمات تجريدية لأشكال متقاطعة ومتداخلة وذات إغراق تام في الرمزية التي لا يستطيع المجتمع الأحسائي أن يتلقاها؛ لأنها مستوردة من فنون الحداثة وما بعد الحداثة في أوروبا، ولذلك فكل هذه المجسّمات لم تثر انتباه الأحسائيين لأنها ليست من ثقافتهم.هل يقبل الأحسائيون أن تكون الدجاجة رمزاً من رموزهم الثقافية حتى نضعها أيقونة ومجسّماً في الشوارع؟ والدجاجة مهما حملت من رمزية الخصب والإنتاج إلا أنها تحمل رمزيتها في الوعي الشعبي الأحسائي على أنها رمزٌ للخوف والخور، وقيم المعايرات الاجتماعية القديمة تلصق (الدجاجة) بأي شخص أو مكان وتحطّ من قيمته! ولذلك قالوا: (من سوَّى نفسه سبوس كلته الدجاج).باستثناء مجسّمات السمكة والطير والدجاجة السمينة، وذلك بحسب اشتهارهم في البيئة الريفية الأحسائية، وبكثرة تداولهم كسلع في الأسواق الشعبية، ولكن هل يقبل الأحسائيون أن تكون الدجاجة رمزاً من رموزهم الثقافية حتى نضعها أيقونة ومجسماً في الشوارع؟ والدجاجة مهما حملت من رمزية الخصب والإنتاج إلا أنها تحمل رمزيتها في الوعي الشعبي الأحسائي على أنها رمزٌ للخوف والخور، وقيم المعايرات الاجتماعية القديمة تلصق (الدجاجة) بأي شخص أو مكان وتحط من قيمته! ولذلك قالوا: (من سوَّى نفسه سبوس كلته الدجاج) والحمامة كذلك مهما بلغت من الجمال ورمزية الأنوثة إلا أنها من الوداعة والسذاجة بما لا يمكن أن نحمِّلها رمزية وطنية أو إنسانية كبرى! كما أن ثقافة الطيور في الوعي الشعبي لا تؤهلها لأن تكون قيمة حضارية، والدجاج والطير من رموز التدجين والاستكانة وضعف الهمة، وليست كرموز الشجاعة وعلو الهمة! عندما تتجوّل في دول مختلفة من العالم فإنك تجد فيها تماثيل ومجسّمات ذات أبعاد إنسانية وجذور فلسفية ومحطات تاريخية مهمة في تاريخهم كتمثال الحرية وغيره، ومن هنا نفترض أن مهندسي البلديات قد درسوا واطلعوا على الفنون المعمارية العالمية واستفادوا منها، ولكن لماذا يظل مهندسو البلديات لدينا ضمن تفكيرهم البسيط في التخطيط والتصميم؟ لماذا لم يرتفعوا فكرياً وفلسفياً لمستوى الثقافة الرمزية التي تحملها الأيقونات والمجسّمات؟ لماذا يظل تفكير مهندسي البلديات واحداً سواء الذين تخرجوا من جامعاتنا السعودية أو من جامعات غربية؟ إذا كانت أمانة بلدية الأحساء مقتنعة بالمجسّمات التي وضعتها فهذا شأنها، ولكنني أرى أن تلك المجسّمات بما تحمل من رمزية ثقافة الحيوانات والطيور وثقافة الأكل و(ثقافة المواعين) فإن ذلك من العيب على بلد فيه مئات من الفنانين التشكيليين ومعلمي التربية الفنية، الذين من المفترض أن تفتح الأمانة لهم شوارع البلد ليقيموا عليها ورشاً فنية في الرسم والنحت لتكون تلك المنحوتات هي المجسّمات الناطقة والمؤثرة في التفكير الجمعي لمستقبل البلد وأبنائه، وصورة مشرّفة لكل زائر وسائح لهذا الوطن. [email protected]