في كل عام تعيش الاسر التي لديها خريجو الثانوية العامة اوقاتاً صعبة تتمثل في البحث عن قبول في احدى الجامعات لابنائها وبناتها.. ولاعجب فالامر يتعلق بالمستقبل المهني والاقتصادي والاجتماعي للطالب واسرته. والحديث عن القبول الجامعي طويل ومتشعّب ولا يمكن لمقال واحد ان يحيط بكافة تفاصيله.. غير انه بالامكان التطرّق الى بعض اهم اوجهه. اين تكمن المشكلة بالتحديد؟ هل هي في كثرة اعداد الخريجين، ام في قلة عدد الجامعات، ام في كثرة الطلب على تخصصات بعينها دون الاخرى، ام هي في اجراءات القبول، ام ان المشكلة تتعلق بمستوى بعض الطلاب الذين لا تمكّنهم درجاتهم من الالتحاق بالجامعات،ام لعدم قدرة الطالب على تحديد وجهته الاكاديمية والمهنية، ام ان الامر لا يتعدى ان يكون تضخيماً اعلامياً؟ هذه بعض الاسباب التي قد يجدها البعض مبرراً لأزمة القبول الجامعي، وفي ظل اعداد الجامعات الحكومية الاربع والعشرين المتاحة حالياً وبرامج الابتعاث المتنوّعة فإننا هنا مطالبون بالوقوف امام هذه الظاهرة ومحاولة التعامل معها بشفافية خصوصاً انها تتكرر كل عام وبالتالي فلابد من ايجاد حل ناجع لها. يبدو ان مشكلة القبول الجامعي تتلخص في كلمة سحرية واحدة: التنسيق. التنسيق بين وزارة التعليم العالي من جهة وبين الجامعات من جهة اخرى، وكذلك التنسيق بين برامج الابتعاث الخارجي بكافة فئاتها من جهة وبين الجامعات من جهة اخرى. المقصود هنا هو التنسيق بين الجامعات في: اولاً: اعداد الطلاب الذين يمكن استيعابهم في تخصص بعينه، ثانياً: التنسيق بين الجامعات في مواعيد فتح باب القبول واغلاقها، ثالثاً: التنسيق بين الجامعات في اعداد الطلاب القادمين اليها من خارج المنطقة، ورابعاً: التنسيق بين الجامعات في نسب القبول لكل كلية بعينها وغير ذلك في كثير من الامور التفصيلية على مستوى الكليات وربما الاقسام. في ظل الوضع الحالي يبدو ان لكل جامعة حرية مطلقة في سن ما تراه من اعداد وتواريخ ونسب وآليات قبول. وبالرغم من ان لكل جامعة الحق في ذلك الا انه – في سبيل تحقيق رغبات اكثر الناس – يفضل ان تتم كافة هذه الاجراءات ضمن آلية تنسيق واحدة تقوم بها الوزارة. اين تكمن المشكلة بالتحديد؟ هل هي في كثرة اعداد الخريجين، ام في قلة عدد الجامعات، ام في كثرة الطلب على تخصصات بعينها دون الاخرى، ام هي في اجراءات القبول، ام ان المشكلة تتعلق بمستوى بعض الطلاب الذين لا تمكّنهم درجاتهم من الالتحاق بالجامعات، ام لعدم قدرة الطالب على تحديد وجهته الاكاديمية والمهنية، ام ان الامر لا يتعدّى ان يكون تضخيماً اعلامياً؟ما يحدث عادة اشبه بعملية استنفار وكأن الطالب خريج الثانوية في سباق محموم مع آلاف الطلاب للحصول على مقعد قبل ان يسبقه إليه غيره. عندما تعلن الجامعة عن فتح باب القبول لتجد الطلاب يقفزون من جامعة الى اخرى - عبر النت - بحثاً عن التخصص الذي قد يتناسب او لا يتناسب معظم الاحيان مع درجاتهم وتوجّهاتهم وطموحاتهم.. فتراهم يملأون استمارة القبول الالكترونية بتسرّع. وما ان يتم قبول الطالب في جامعة ما حتى يبدأ بالمماطلة والتسويف وطلب تغيير التخصص وغير ذلك من الامور التي تعكس اما عدم رغبة الطالب في القبول او عدم جديته او لخلل في نظام القبول وهكذا. كثيراً ما يطال اللوم الجامعات على انها لا تقبل كل الطلاب، ومن الاجحاف تحميل الجامعات اكثر مما تحتمل. الحديث هنا ليس عن قلة عدد المقاعد او التجهيزات او الكادر الاكاديمي. الحديث هنا عن فئة من الناس وهي ليست بالقليلة على اية حال التي تود الدخول الى تخصصات تستوجب قدراً من التحصيل العلمي بعيدة تماماً عن قدرات الطلبة الذين سيجدون انفسهم بعد حين خارج اسوار الجامعة اذا ما تم التحاقهم بهذه البرامج. هذا ليس اجحافاً بحق هؤلاء، فالكل ابناء الوطن، لكنه اقرار بشرعية ومصداقية شهادات الطلبة وآلاف المدرسين والمشرفين التربويين الذين تحمل هذه الشهادات توقيعاتهم. يصبّ الناس جام غضبهم على اختباري القدرات والقياس اللذين يقفان كالمقصلة امام كل طامح للقبول الجامعي. ولكن لماذا لا يتخذ اولئك من هذين الاختبارين سبباً للنهوض بقدراتهم التعليمية وعندها يصبح القبول الجامعي لدى هؤلاء امراً مسلماً به. الكثير من الناس يرون القبول الجامعي امراً يجب ان تضمنه الدولة. هذا صحيح لكن الاكثر صحة هو ان الطالب الاشطر هو الاولى بالمقعد الجامعي. صحيح ان هذين الاختبارَين على الاقل فيما يتعلق بقلة فرص الجلوس لهما (4 مرات في سنتين ليس كافياً) ومدى شموليتهما لمقدرات الطالب وآلية التسجيل لهما ورسوم التسجيل كلها امور يجب ان تراجع وتسهّل كثيراً لكي يتمكن الطلبة من اجتيازهما بنسب عالية. وهنا آن الاوان ان تقوم وزارة التعليم العالي بمضاعفة اعداد الجلوس لهذين الاختبارين ومجانيتهما وتطويرهما واعطاء جرعات مكثفة مجانية للطلاب او برسوم رمزية بعيداً عن تطفل المؤسسات التجارية لمساعدتهم في تجاوز هذين الاختبارين وتحقيق احلامهم. كان الحديث هنا عن الطلاب.. اما الطالبات فإن الصعوبات امامهن تنطبق عليها قاعدة (للذكر مثل حظ الانثيين) التي اخذت بها الوزارة في عدد مرات الجلوس لاختبار القدرات.. ببساطة فإن مشاكلهن مضاعفة. ألا ترى عزيزي القارئ ان جذر مشكلة التعليم برمته ثقافي في الاساس؟. [email protected]