يا إلهي.. هل هذه هي قيمة الإنسان العربي؟ قبل أكثر من ثلاثين عاماً، ثارت الولاياتالمتحدة لمجرد قتل أحد مواطنيها على متن السفينة أكيلي لاورو الإيطالية، وعرضت علاقاتها مع عدة دول عربية للخطر! وطيلة ما يزيد على نصف قرن من الصراع العربي الإسرائيلي، نرى الدولة الصهيونية وهي تحرص على لملمة رفات جنودها، بل ومقايضتهم بمئات الأحياء من العرب في أي صفقة صلح أو سلام! نموذجان ساخران ومؤلمان، يصفعاننا بعنف، ونحن نرى، كيف أن دولاً تهب للثأر من أجل أحد مواطنيها أو استعادة جثته، وبين دولٍ تتفاخر بأنها تقتل شعوبها، وتسحلهم وتسلط عليهم البلاطجة والشبّيحة، وتدع عسكرها يدوسون على بطونهم، وقبل هذا وذاك، يتباهى قائد عربي بأن من هتفوا ضده ليسوا إلا حفنة من الجرذان والصراصير؟ ربما كانت تلك نهاية مأساوية، لإحساس المواطن العربي، بأنه يعيش في وطنه العربي، وربما كانت تلك أيضاً رصاصة الرحمة الأخيرة التي يطلقها حكام ورؤساء على ما يسمى بشعور المواطنة أو الإحساس بالقيمة، التي تدفع شبابنا المقهورين للبحث عن فرصة هجرة إلى بلاد تحترم حقوق الحيوان على الأقل، ليجدوا فيها ملاذاً وملجأ من القهر والبطالة والحاجة والحرمان. في عاصمتين عربيتين، نرى الصورة المأساوية، التي طالما حاولت السلطة، ان تجد استنساخاً للعنة «كرسي الحكم» الأزلية، وعلى حساب شعوب بدا واضحاً في طرابلس، وفي دمشق، ألا حق لها في البوح بأي شيء، في ليبيا كان نموذج القائد الأممي وملك الملوك وسلطان السلاطين غير قابل لأن يصدق أن ثمة تغييراً في الخارطة، بالضبط كما في دمشق، حيث بدت الخطورة في مجرد المناداة بمحاربة فساد تغلغل، ليرسخ كارثة طائفية مكبوتة، وسلطوية فكرٍ اعتقد أنه يملك الأرض ومن عليها بالوراثة.. أما في اليمن فحدّث ولا حرج! في عواصم الثورات العربية، لم يحاول أحد أن يعترف بأن هناك شعباً يبحث عن حق، كان هناك فقط كرسي يتم التشبث به بضراوة، ويتم التضحية بالأرواح والأجساد نحرا عنده، لم يحاول أحد أن يفهم، من «بن علي» وحتى القذافي، مروراً بكل من في آذانهم وقرٌ، أن المعادلة تغيّرت، وأن كراسي الحكم مهما كانت، لا تستحق أبداً كل هذه الدماء!