فرضت السلطات الصينية رقابة على التعليقات المنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية ويتردّد أنها اعترضت بعض خدمات الهواتف الخلوية خلال احتجاجات نظمت يوم الاحد الماضي ضد مصنع للكيماويات في مدينة داليان، شمال شرقي البلاد. لم يشعر الكثيرون بالدهشة إزاء رد فعل الحكومة الصينية، فهي قد اعتادت فرض رقابة على الإنترنت وحجب مواقع مثل تويتر وفيسبوك وخدمات تواصل اجتماعي إعلامية دولية أخرى، بل وتحذف التعليقات الناقدة من مواقع المدوّنات الصينية المعروفة. ولطالما انتقدت الجماعات الحقوقية الصين كواحدة من الدول التي تفرض قيوداً على حرية تداول المعلومات. وتشمل أدوات الرقابة في الصين تصفية كلمات البحث الأساسية وفرض رقابة لصيقة على المدوّنات الصغيرة وكذلك هواتف النشطاء المعروفين. غير أن النشطاء غالباً ما يتغلبون على هذه القيود بتحويل نسق النص إلى صورة أو من خلال إرسال صورة شاشة بالتدوينات التي تم حذفها. وقد عاقبت المحاكم الصينية الكثيرين بالسجن خلال الأشهر الأخيرة لإدانتهم بنشر شائعات أو إذاعة بيانات تثير مشاعر الكراهية ضد الحكومة عبر الإنترنت أو من خلال خدمات الرسائل القصيرة. وأرسلت السلطات القضائية نشطاء حقوقيين آخرين يمارسون نشاطهم عبر الإنترنت، إلى «مراكز العمل وإعادة التأهيل»- وهو نظام احتجاز إداري صيني - وهي عقوبة تصدرها الشرطة عقاباً على الجرائم الصغيرة، وتتراوح مدتها بين عام وثلاثة أعوام. وحدث ذلك بدون محاكمة. ولكن يبدو أن وسائل الإعلام الرسمية التي يديرها الحزب الشيوعي الحاكم، شفت بعض غليلها ممن ينتقدونها، بذلك الجدل الدائر حول وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في بريطانيا والولايات المتحدة. ومن يدري فقد تكون الصين تأمل في أن تجد لها حلفاء غربيين غير متوقعين في جهودها للسيطرة على التواصل عبر الانترنت. ورحّبت وكالة أنباء الصين الجديدة «شينخوا» الرسمية ببيان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي اصدره الأسبوع الماضي، في أعقاب أعمال الشغب التي شهدتها العاصمة البريطانية لندن وعدد من المدن الانجليزية الأخرى، والتي أشار فيها إلى أن حكومته ستسعى لضمان منع من يشتبه في أنهم يحرضون على أعمال العنف، من الاستعانة بشبكات التواصل الاجتماعي. وقال كاميرون ايضاً إنه يتعيّن على الشركات القائمة على تشغيل شبكات التواصل الاجتماعي الكبرى، أن تتحمّل مزيداً من المسؤولية بمراقبة المحتوى الذي ينشر عبر الإنترنت، وهي دعوة تماثل إلى حد بعيد دعوة كثيراً ما تطلقها الحكومة الصينية. وقالت شينخوا في تعليقها: «ومن ثم، فإن الحكومة البريطانية التي كانت مدافعاً غيوراً وصلداً عن الحرية المطلقة في استخدام الإنترنت.. تراجعت عن موقفها إزاء مراقبة المحتوى الإلكتروني». ولفتت لوكالة الصينية، إلى أن كاميرون حث مصر ودولاً أخرى في شمال أفريقيا في فبراير الماضي، على السماح بحرية التعبير عن الرأي بعد أن حاولت تلك الدول حجب مواقع التواصل الاجتماعي والتي لعبت دوراً محورياً في تنظيم وتسجيل ونقل الاحتجاجات المناهضة للحكومات في هذه الدول. وأضاف التعليق: «قد نتساءل عن سر نزوع الزعماء في الغرب، من ناحية، لتوجيه الاتهامات دون تمييز لدول أخرى بفرض رقابة، وفي الوقت نفسه يعتبرون ما يقومون به هم من إجراءات رقابة وتحكم أموراً بديهية». وفي اعقاب ظهور دعوات من قبل نشطاء صينيين لتنظيم احتجاجات سلمية اعتباراً من فبراير الماضي، حظرت الصين الولوج إلى الإنترنت عبر الهواتف الخلوية في بعض المواقع المقرر شن الاحتجاجات فيها، وبينها العاصمة بكين. ويبدو أن قوات الأمن قد تمكّنت منذ بدأت حملتها في فبراير في إجبار العديد من النشطاء البارزين على وقف، أو تقليص استخدامهم لموقع «تويتر» الذي يلج إليه الكثير من المعارضين الصينيين للالتفاف حول قيود الرقابة الحكومية. كانت الحكومة قطعت كل خدمات الهواتف الخلوية والإنترنت عن نحو عشرين مليون مواطن من سكان مقاطعة شينجيانغ على مدار خمسة أشهر في أعقاب مقتل نحو مئتي شخص في أعمال عنف عرقية اندلعت في يوليو 2009. وكانت الحكومة قطعت كل خدمات الهواتف الخلوية والإنترنت عن نحو عشرين مليون مواطن من سكان مقاطعة شينجيانغ على مدار خمسة أشهر في أعقاب مقتل نحو مئتي شخص في أعمال عنف عرقية اندلعت في يوليو 2009. وفي وقت لاحق، قال نور بيكري رئيس الحكومة الإقليمية، إن الخدمات حجبت «لأنه يعتقد أنها أدوات مهمة يستخدمها زعماء العصابات في التحريض على أعمال العنف». ولجأت الحكومة الصينية لإجراءات مماثلة على نطاق أضيق ولمدد أقصر في العديد من مناطق إقليم التبت المضطربة في الصين منذ اندلاع المظاهرات الاحتجاجية في 2008. وظهرت حملات الرقابة عندما تزايدت أعداد مستخدمي الهواتف الخلوية والإنترنت في الصين بشكل هائل. وجاء في تعليق ل «شينخوا»: «إن الرقابة على المحتوى الإلكتروني مشروعة وضرورية من أجل الصالح العام». وفي تعليق آخر، قالت صحيفة «جلوبال تايمز» إنه ينبغي على الصينيين الذين ينادون بالحرية المطلقة في التواصل عبر الإنترنت أن «يفكروا مرتين» في تصريحاتهم ومواقفهم. ووصفت الصحيفة إثارة كاميرون لفكرة فرض قيود على شبكات ووسائل التواصل الاجتماعي بأنه «تصرّف جريء». وقالت: «إن هذا الأسلوب الذي هوجم باعتباره حيلة تلجأ إليها الحكومات السلطوية المستبدة، كان له أثر كبير على وسائل الإعلام العالمية». «إن مقترح كاميرون بحجب شبكات التواصل الاجتماعي الإلكترونية يحطم المفاهيم الأساسية لحرية التعبير عن الرأي في الغرب والتي دائماً ما تدّعي ارتداء ثوب الفضيلة وتنتقد أي تطوّر يعارض حرية الإنترنت في الدول النامية».