يسأل أحد الأصدقاء: "هل ستختلف نظرة المثقفين للأندية الأدبية بعد انتخاب مجالس الإدارة"؟ قلت: "لو قلت لك "نعم" فسوف أبدو متفائلا أكثر من اللازم، لأن المتابع لما قِيلَ حول أداء الأندية في السنوات الماضية يسمع جعجعةً غير منتجة، ويجد تناقضا في المواقف. لاحظ، على سبيل المثال، أن من المعترضين على التعيين والمطالبين بالانتخاب قد رضي بالتعيين عندما تم اختياره. ومن التجربة السابقة أيضا، يمكن الاستنتاج أن موقف بعضهم من أداء النوادي الأدبية سيظل سلبيا سواء كان المجلس منتخبا أم معينا؛ إنه شكل من أشكال المشاغبة. وكانت نصيحتي للواثقين من صدق توجههم أن يتذكروا قول الشاعر طاغور: "الزمن أبلغ النقاد". هذا لا يعني أن الأمور في مجملها وردية، وأن أداء النوادي الأدبية والمؤسسات الثقافية الأخرى فوق النقد. لكنها ليست رمادية على ذلك النحو الذي يتصوره العيَّابون. تذكرني بعض تلك المواقف بحكاية جحا وابنه وحماره، وهي قصة معروفة للجميع ولا داعي لإعادة سردها. لكن المغزى من تلك الحكاية واحد، وهو أن رضا الناس و"العيابين" منهم بصفة خاصة، غايةٌ لا تدرك. و.. "إذا أردت أن ترى العيوب جمة فتأمل عيّابا"! كما يعبر الجاحظ. لا شيء يعيق تطلعات المثقف (أو لأقل بعض تلك التطلعات) إذا كان الهدف خدمة الثقافة، وليس طلب الرئاسةِ والوجاهة، أو المشاغبة من أجل المشاغبة، أو العمل بالمبدأ القائل: "إذا لم أكن منكم فأنا ضدكم".. ومن حق أي مثقف يمتلك رؤية أو تصورا لما ينبغي أن يكون عليه الأداء في النوادي الأدبية أن يرشّح نفسه لعضوية مجلس الإدارة. لكن إذا رأيتَ شخصا يستميت للحصول على صوتٍ انتخابي أيا كانت الوسيلة، فتأكد أنه لا يسعى إلا لخدمة نفسه. إذا كانت الغاية جميلة فمن المفترض أن تكون وسائل تحقيقها جميلة. سواء تعلق الأمر بانتخابات نوادٍ أدبية أم مجالس بلدية. نادرا ما يقبل الناخبون والمرشحون في مجتمعنا العربي بقواعد اللعبة الانتخابية، فإذا فازوا بنسبة 99.99% صارت نتائج الانتخابات، في نظرهم، صحيحة ونزيهة ولا غبار عليها. وإذا جاءت النتائج مخيبة للتوقعات، فإن الانتخابات مزورة، وينبغي إعادتها من جديد. هذا لا يعني أن كل الانتخابات نزيهة وخالية من المخالفات والأخطاء. لكني أردت أن أقول: إن الخاسرَ غالبا ما يبحث عن مشجبٍ يعلق عليه خسارته. أخيرا، إذا كنتَ، صديقي المنتَخِب، واقعيا فلا تنتظر من الفائزين في هذه الانتخابات أو تلك أن يحققوا كل ما وعدوا به قبل فوزهم. وإذا صدَّقتَ كل تلك الوعود فإن نواياك حسنة أكثر من اللازم، وطيبتك "سكَّر زيادة". وهنالك نكتة أمريكية المنشأ تسخر من عدم جدية كثير من الوعود الانتخابية على هذا النحو: سألتْ طفلة أباها قائلة: دادي.. هل كل القصص الخيالية تبدأ بعبارة: "كان يا ما كان في قديم الزمان"؟ فيجيب الأب عن سؤال طفلته قائلا: "لا.. يا عزيزتي، هنالك بعض القصص الخيالية تبدأ بعبارة: "إذا ما فزتُ في الانتخابات".. إنها وعود أشبه بقصص الخيال.. لكن علينا نحن المتفائلين/ المتشائمين أن.. "نتشاءل"! [email protected]