يقول الكاتب أحمد بهجت وهو يستند على قول بودلير: (إن أمكر حيل الشيطان أنه يقنعنا بعدم وجوده)، (مما يعني أن أول ألاعيبه ضدنا هو الاستخفاء ولهذا نبحث عن الشيطان في الخطايا والرذائل والجرائم ولا يخطر على بالنا قط أن نبحث عنه في فضائلنا) وقد استوقفتني هذه الجزئية التي تحثنا على البحث عن الشيطان في الفضائل قبل الرذائل ثم ما لبثت أن وجدت تفسيرا لذلك في القرآن الكريم في الآيات 43 من الإسراء و200 من الأعراف، 36 من فصلت، 100 من يوسف حيث ذكر النزغ الشيطاني والحث على الاستعاذة منه لما قد يسببه من رذائل تولد من رحم الفضيلة قال تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) إن الأمر بالاستعاذة في تلك الآيات يشير إلى حقيقتين ثابتتين. أولاها: حاجتنا الدائمة للجوء إلى الله وطلب حمايته. وثانيهما: قرب الشيطان منا واستخفاؤه في أدق التفاصيل من سلوكياتنا مما لا يخطر على أذهاننا التباس الحق بالباطل فيها. لقد جاء الأمر بالاستعاذة في تفاصيل حكاية يوسف وإخوته وجاءت مرة أخرى في حالة مختلفة وهي بعد العفو والأمر بالمعروف والإعراض عن الجاهلين في سورة الأعراف. وفي هذه وتلك نجد سلوكيات تدخل في تفاصيل علاقتنا بالآخرين وهي تفاصيل تثير أو تعالج الكثير من الاضطرابات في العلاقات الإنسانية المتشابكة. في الوقت الذي نحسب فيه أننا أقوياء أمام غيرنا نكتشف أننا نسيء بسبب التباس الفضيلة بالرذيلة والقوة بالضعف في مجاهدة النفس أو مناصرتها.وذكر نزغ الشيطان في سورة الإسراء مع الحث على اختيار ألطف الكلام وأحسنه في التعامل. وكذلك جاءت الاستعاذة بعد قوله تعالى في سورة فصلت: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم، وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم).وهنا يظهر ضعفنا وعجزنا ففي الوقت الذي نحسب فيه أننا أقوياء أمام غيرنا نكتشف أننا نسيء بسبب التباس الفضيلة بالرذيلة والقوة بالضعف في مجاهدة النفس أو مناصرتها. إن تدبر تلك الآيات التي أشرت إلى أرقامها في البداية تكشف تفاصيل الضعف البشري وحاجته إلى حماية ذاته بالاستعاذة في كل وقت. عد إليها قارئي الكريم وتابع السلوكيات التي من الممكن أن ينزغ لنا فيها الشيطان لتقع على أسباب السقوط الإنساني الذي نمارسه كل يوم بلا وعي لأنها تظهر لنا أن الشيطان يبدأ ونحن نكمل ولكننا نصر على وجود الشيطان في كل حين لنلقي عليه بأخطائنا وليس أدل على ذلك من أننا نبدأ بالخير ونختمه بالشر استكمالا لعمل الشيطان وكان بإمكاننا أن نتوقف.