الصراع ظاهرة دائمة في الحياة البشرية منذ بدء التاريخ.. ذلك لأنه نتيجة حتمية للتفاعل الاجتماعي الذي يفضي بالضرورة إلى اختلاف الأهداف بين الأفراد والفئات المكونة لمجتمع ما من المجتمعات الإنسانية. واختلاف الأهداف ينشأ غالبا من ثلاثة أبعاد: البعد الاقتصادي والبعد الأدلوجي والبعد السياسي.. وما يتفرع منها من القيم ووجهات النظر والغايات.. وقد تتداخل هذه الأبعاد مكونة بعدا واحدا في أحيان كثيرة.. بل إنها تتبادل المواقع في أيها يكون العنصر المهيمن في فترة ما من فترات التاريخ للمجتمع الواحد. خذ مثلا العدالة الاجتماعية.. فهذه القيمة الكبرى يتداخل فيها السياسي والأدلوجي والاقتصادي خلافا للرأي الرث والسطحي الذي يحصرها في البعد الاقتصادي. والصراع غالبا ما يكون بين قوى غير متكافئة في القوة.. ولكنها غير ثابتة على هذه القوة مع استمرار الصراع فقد يتدخل التطور القيمي والمعرفي والاقتصادي في تغليب قوة كانت ضعيفة على قوة كانت في عنفوانها. والصراع يكون خافيا وواضحا.. هادئا وعنيفا وحين يصل العنف إلى حد التناحر (يتم فقدان التركيز على الهدف وفقدان الموضوعية) ويصبح صراعا عبثيا. مجتمعنا كسائر المجتمعات خاضع لحتمية الصراع ولكن المجتمعات تختلف صراعاتها بحسب المستويات المعرفية والقيمية والاقتصادية وبحسب نوعية قوى الصراع ومقدار استجابتها للمفاهيم التي وصل التاريخ البشري إلى بلورتهامجتمعنا كسائر المجتمعات خاضع لحتمية الصراع ولكن المجتمعات تختلف صراعاتها بحسب المستويات المعرفية والقيمية والاقتصادية وبحسب نوعية قوى الصراع ومقدار استجابتها للمفاهيم التي وصل التاريخ البشري إلى بلورتها. وحين نلقي نظرة مقارنة بين مجتمعنا والمجتمعات الأخرى نجد اختلافا يقرب من الأساطير.. فكثير من الصراعات التي تستنزف أيامنا وأقلامنا هي حول أهداف أجمعت عليها معظم المجتمعات منذ مئات السنين. ترى من يجادل اليوم في أيهما أفضل الحرية أم العبودية؟ الديمقراطية أم الاستبداد؟ الظلم أم العدل؟ الفساد أم الطهارة؟ لا أحد في المجتمعات الأخرى يتخيل ان يحدث صراع حول هذه الثنائيات وامثالها.. غير أن هذا هو ما يشغلنا نحن فكثير منا يعتقد أن الديمقراطية رجس من عمل الشيطان أما الظلم فهو من (شيم النفوس) (ومن لم يظلم الناس يظلم). أما ما يسمونه (حرية التعبير) فهي مثل أختها الكبرى (حرية التفكير) خروج على مسلمات الأمة وشق لعصا المجتمع الذي لا يعرف إلا العصي. أليست العصا لمن عصى؟