كلما ناقشت شخصا غربيا حول حقوق الإنسان في المسيحية والإسلام، أحرص على لفت انتباهه إلى أن إباحة الطلاق في الإسلام أبلغ أنواع الاحترام لحق الطرف المطالب بالطلاق، وأحيانا الطرفين، أي احترام حق الإنسان في تحديد مسار حياته العائلية، وأكثر ما يثير دهشتي هو أن الكثير من المسلمين هللوا خلال السنوات الأخيرة لإباحة الخلع، بمعنى منح المرأة حق المطالبة بفسخ عقد الزواج، حتى صارت الكلمة على كل لسان، وتم تأليف مئات النكات حولها: المطلق يبقى طليق ومن تخلعه زوجته يبقى خليع! مع أن هذا الحق كان موجودا ومكفولا عبر القرون: تلجأ الزوجة إلى القاضي مسلحة بأدلة قاطعة باستحالة استمرارها في العيش مع زوجها فتنال حكما بالطلاق.. صحيح أن قوانين صدرت هنا وهناك خاضت في تفاصيل الخلع وكيفية وشروط الحصول عليه، مما كان يخفى على العوام، ولكن الصحيح أيضا أن هناك نساء جعلن الخلع ومعه العلاقة الزوجية مسخرة، والله العظيم رفعت سيدة مصرية دعوى خلع وكانت حجتها: زوجي يتكلم بالعربية في البيت بينما أكلمه بالإنجليزية.. أف عيشة تقرف.. ده بلدي أوي .. أنا متنازلة عن كل شيء بس فكُّوني منه... ثم جاء دور زوجة الأستاذ الجامعي التي وقفت أمام القاضي ليفكها من زوجها المتخلف! متخلف إزاي يا ست هانم؟ تصدق يا حضرة القاضي إن سعادة الدكتور المحاضر أول من ينزل الشارع يوقف عند بتاع الفول ويشتري سندويتش ع المكشوف كده عيني عينك.. يا شماتة أبله ظاظا فيّا. صحيح أن قوانين صدرت هنا وهناك خاضت في تفاصيل الخلع وكيفية وشروط الحصول عليه، مما كان يخفى على العوام، ولكن الصحيح أيضا أن هناك نساء جعلن الخلع ومعه العلاقة الزوجية مسخرة ولكنني تعاطفت مع ثلاث زوجات طالبن بالطلاق في نفس الدقيقة والثانية.. هن شقيقات متزوجات بثلاثة أشقاء.. (هل خطرت ببالك كلمات مثل الشقاء والشقيقة والشقاق والشقشقة والشقوق؟) سر تعاطفي معهن هو «استنتاج» بأن الزواج تم بطريقة تجارة الجملة: تم تزويج الثلاثة/ الستة معا في حفل واحد والحالة واحدة وزيتنا في بيتنا .. وطالما أن ثلاث شقيقات أجمعن على استحالة التعايش مع الأشقاء الثلاثة، فالطلاق خير حتى لو كانت الأخوات «متبليات» على الأشقاء وهناك وبعد أكثر من 30 سنة زواج تطالب سيدة عمرها 65 سنة بالخلع لأن زوجها السبعيني كثير السفر بحكم نشاطه التجاري، وتخاف على نفسها من الفتنة.. لا بأس في أن تخاف على نفسها من الفتنة، ولكن المطلوب «في الأساس» هو تحصين النفس ضد الفتنة، في كل الظروف، ولو قررت النساء المطالبة بالخلع بسبب تغيب الأزواج عن البيوت بسبب «طبيعة العمل»، لما ظل تاجرا أو طبيبا أو محاضرا متزوجا! وحكاية تداولتها الكثير من الصحف: مهندسة طلبت الخلع لأن زوجها بلدي ويستخدم يداه في الأكل (الحمد لله فزوجتي غير مهندسة)،.. أخرى طلبت الخلع لأن زوجها ثرثار (قلت لها: بسيطة يا بنت الناس.. ممكن نقنعه بأن يمسك لسانه قليلا، ليمنحك حق التعبير).. وكان ردها: مش ممكن لأنه لا يثرثر في البيت، بل فقط وسط أصدقائه الذين يدعوهم إلى البيت كثيرا، أو يخرج معهم مرتادا المقاهي، أما في البيت فهو أبكم ولا يجيب حتى على أسئلة العيال المتعلقة بالواجبات المدرسية (عندك حق فهذا صنف من الرجال سخيف).. أما الزوجة التي سبق لي الكتابة عن طلبها للخلع معربا عن استعدادي لمساعدتها في نفقات المحامي، فقد نالت مرادها: خلال سنتين من الزواج لم يستحم صاحبنا سوى مرتين وكان ذلك بغرض الاغتسال لأداء الصلوات! قال إيه؟ قال عندي حساسية من الميه.. وعلى كل رجل لديه حساسية من الماء أن يرحم النساء بأن يقضي العمر عازبا عانسا عابسا فهذا خير من أن يقرف عيشة بنت مسكينة