.. تقول القصة: إن أستاذاً طلب من تلامذته كتابة مادة تعبيرية لما سيفعلونه لو حصلوا على مليون ريال. انكبّ الجميعُ يكتب تصوراته، ولما جمع الأستاذُ الأوراقَ، ووجد أن الجميعَ كتب عما سيفعلونه بحال حصولهم على المال، إلا تلميذا لم يكتب شيئا، فسأله الأستاذ: لماذا لم تكتب شيئا؟ ردّ التلميذ: «عندما أمتلك مليونا فما الذي يجعلني أعمل أي شيء؟!» وترى أن هناك مفهوماً بأن وجود المال يعني ألا تعمل، وفي الحقيقة أن من عنده المال لا يحافظ عليه إلا بمزيد من العمل في الظروف العملية العادية. إن الدعة والتواكل تراها أحيانا عند من لم يعمل لحصول المال، من وجده سائغا مجهَّزا، ليس بسبب المال أيضا ولكن لضعف في ضبط الرقابة المنطقية في فهم الحياة بداخل ذاك الإنسان. لذا تجد شعوباً غنية ولا تقف عن العمل، وتجد شعوبا فقيرة ولا تقف عن العمل، إنما الرفاهُ الحقيقي أو الوهمي من واقع خلل بالرقابة الداخلية هي التي تصنع واقعا مُفترَضاً ثم تصدِّق الافتراض. نحن لا نستطيع أن نتحكم بظروف الخارج فعلينا أن نتعلم ونمكّن ذواتنا من التحكم بأي شيءٍ تمدنا به الحياة لنصنع منه شيئا! إن الدعة والتواكل تراها أحيانا عند من لم يعمل لحصول المال، من وجده سائغا مجهَّزا، ليس بسبب المال أيضا ولكن لضعف في ضبط الرقابة المنطقية في فهم الحياة بداخل ذاك الإنسان كنت في جدة أشتري بمحل، والبائعُ شابٌ يمنيٌ موفورُ النشاط، ديناميكي الفهم، وصار بيننا حديثٌ كما يدور بين أناس توادّوا بلا فاصل رسمي وبلا عمقٍ شخصي. في المساء هاتفني الشاب اليمني يعرض علي مشروعاً قال لي: إنه سيدرّ عليّ الربحَ الوفير، وقلت له: «طيّب ماذا تريد بالمقابل؟»، قال: فقط اسمك – يعني بطاقة أحوالي- ثم تساءلت: «وماذا عن التمويل؟» أجاب متوثبا للرد: «منّي، ما يخصّك!».. سألته: «ما الذي يجعلك تعتقد أني سأوافق؟»، قال: «نعرف السعوديين يحبون أن يأتيهم الشيء إلى عندهم بدون أن يفعلوا شيئا».. أخبرت الشابَّ أن هذا غير نظامي. وهنا أسأل: «هل رأيُ الشاب بنا صحيح، أم لا؟» أضمنُ أن كثيرا من السعوديين ليسوا كذلك، ولا أضمن أن كل السعوديين ليسوا كذلك.. على أنه يعطينا مؤشّرين مهمين: الأول- أن هناك انطباعا سائداً بأننا نريد أن نحصل على مكافآت الحياة بدون أن نسعى لها، وهنا يجب أن نتصارح مع أنفسنا: كيف حصلت كل تلك الجموعُ على هذا الانطباع؟ وهل هو السرّ وراء وجود آلاف الأعمال المتسترة؟ والثاني- أن البلادَ مليئة بالفرص الكبيرة بحيث إن مجرّد شاب يمني يعرف أنه سيبني عملا ويحصد مالا بل ويعطي المالَ لآخر لم يعمل! علينا أن نتأمل بذلك أكثر من «النطاقات» كوَهم آخر. فرصُ العمل العصامي ببلادنا كثيرة نتركها بطوعِنا لغيرنا. [email protected]