تصدر شركة غينيس، أو جينيس، كتابا سنويا للأرقام القياسية. وقد حققت غينيس نفسها رقما قياسيا في مبيعاتها، فالناس مولعون بمعرفة ما يحتويه الكتاب من معلومات عجيبة. وهكذا أصبحت الموسوعة التي صدرت النسخة الأولى منها عام 1955م مرجعا يمكن العودة إليه لمعرفة الأطول والأقصر والأقوى والأضعف والأضخم والأنحف والأقل والأكثر والأغنى والأفقر.. وإلى آخر القائمة. لكن أطول وأقصر شخصين في العالم لم يسعيا ليصبحا كذلك. لقد ولدا هكذا بهرمون نموٍّ جعل الأول عملاقا والثاني قزما. كذلك لم يسعَ أفقر شخص في العالم إلى تسجيل اسمه في موسوعة غينيس للأرقام القياسية. وهل يتمنى عاقل الفقر ليصبح مشهورا بفقره! لقد أصبح أفقر شخص في العالم بسبب ظروف معيشية واجتماعية خاصة. ولم يجهد أحمق ولا أغبى شخص في العالم نفسه للحصول على ذلك اللقب، ربما كانت ضربة حظ موفقة! (قد لا يوجد في موسوعة غينيس إشارة إلى أغبى أو أحمق شخص في العالم، ولعل مردَّ ذلك إلى شدة التنافس على ذلك اللقب، فلم يستطع القائمون على الموسوعة حسم المسألة بعد!). كذلك، لم يبنِ نبوخذ نصر حدائق بابل المعلقة، أو يشيد قدماء المصريين الأهرام، ليدخلوا موسوعة غينيس، فقد عاشوا قبل أن توجد تلك الموسوعة بآلاف السنين. ولم ينجز الصينيون بناء سور الصين العظيم لذلك الغرض. لقد بُنيَ لحماية الحدود وصدِّ هجمات الغزاة. ومعنى ذلك أن دخول موسوعة غينيس جاء عفويا، ودون اللجوء إلى أساليب غريبة عجيبة هدفها تسجيل رقم قياسي. غير أن هنالك من لا يؤمن بالعبارة القائلة: «لا تطلب الشهرة. دع الشهرة تطلبك»، لذلك تجد من يهدر أموالا طائلة لتحقيق ذلك الصيت الذي تعبر عنه أسماء التفضيل (أكبر وأطول وأضخم) ووفقا للمثل القائل: «الصيت ولا الغنى»! ولا عجب أن يصر بعضهم على تحقيق ذلك الصيت أو الشهرة في عالم لا يميز بين الشهرة والعظمة. فالأضواء لا تسلط على العظماء، بل على المشاهير حتى لو كانوا إرهابيين وقتلة. غير أن من أطرف وأعجب وأخطر تلك المحاولات في السعي المستميت إلى تحقيق الشهرة ما أقدم عليه عامل البناء الهندي الشاب مونو كومار الذي ربط عقدة حول رقبته ثم شنق نفسه لمدة دقيقة و38 ثانية في محاولة منه لدخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية، ورغم عدم قانونية تلك المغامرة، ومعارضة الشرطة الهندية لذلك التصرف باعتباره محاولة انتحار لا يقرها القانون، فقد وعد كومار أن يزيد في المستقبل زمن الشنق، ويدعو مسؤولي الموسوعة لحضور المحاولة. وللناس في ما يعشقون مذاهب! وباستثناء محاولة كومار وما هو في حكمها، فإنه لا معنى للاعتراض على سعي بعضهم إلى الشهرة عبر تسجيل رقم قياسي يقود إلى عالم المشاهير، حتى لو كان ذلك من خلال أكبر كبسة ربيان، أو أعظم صحن فول، أو أضخم كيس جراد، فللناس مطلق الحرية في فعل ما يحقق لهم الرضا الذاتي، إذا كان ما يفعلونه لا يزعج الآخرين، ولا يؤدي إلى ضرر اجتماعي أو اقتصادي. [email protected]