أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، مساء الأربعاء منعطفا في السياسة الخارجية الأميركية يتمثل ببدء انسحاب الجيش الأميركي من أفغانستان اعتبارا من يوليو / تموز وحتى عام 2014 وتحويل المجهود العسكري إلى البناء الداخلي في الولاياتالمتحدة . و أدرج أوباما المهمة في أفغانستان في إطار سياسته الخارجية و استراتيجيته الحربية، مذكرا بأنه أمر بحسب مائة ألف عسكري من العراق على أن يتم سحب كامل القوات الأميركية من العراق بحلول نهاية السنة. الجنود الأميركيون يبدؤون إلقاء النظرة الأخيرة على أفغانستان (أ ف ب) وقللت حركة طالبان من شأن الإعلان الأميركي معتبرة ، في بيان الخميس ، إنه "مجرد خطوة رمزية" رحب بها الرئيس الأفغاني حميد كرزاي باعتبارها "خطوة جيدة " أيدتها الرئاسة الفرنسية في بيان صباح الخميس معلنة أن فرنسا ستباشر "انسحابا تدريجيا" للتعزيزات التي أرسلتها إلى أفغانستان "بشكل متناسب ووفق جدول زمني شبيه بسحب التعزيزات الأميركية". وكشف أوباما أن وثائق بن لادن بباكستان أظهرت أن القاعدة تخضع «لضغوط هائلة» وأن أسامة أعرب عن مخاوفه حيال عجز القاعدة عن استبدال قادتها الذين قتلوا كما أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون تأييده لخطة أوباما، معتبرا أنه من الممكن الاستمرار في ممارسة الضغوط على طالبان رغم تخفيض عدد القوات. وقال أوباما في خطاب رسمي ألقاه من البيت الأبيض واستمر 13 دقيقة إن واشنطن لن تحاول بعد اليوم بناء أفغانستان "مثالية" لكنه وعد الأفغان ب "شراكة دائمة". و أضاف في كلمته التي ألقاها في ظل وضع اقتصادي متأزم يعاني منه الأميركيون وتزيد من حدته كلفة النزاعات الخارجية الهائلة "اليوم نلاحظ بارتياح أن الحرب في انحسار". و قال "رغم إن أياما قاتمة لا تزال تنتظر أفغانستان، فإن سلاما آمنا يلوح في الأفق. تلك الحروب الطويلة ستصل إلى نهاية مسؤولة". واعتبر أن القوات الأميركية حققت تقدما كبيرا نحو الأهداف التي حددت لاستراتيجية التعزيزات التي أقرها في كانون الأول/ديسمبر 2009، فنجحت في وقف تقدم مقاتلي حركة طالبان وضرب القاعدة وتدريب قوات أفغانية جديدة. غير أنه رفض دعوات البنتاغون إلى انسحاب أبطأ للقوات الأميركية حفاظا على المكاسب التي تحققت ضد طالبان و يبدو قراره بمثابة نكسة سياسية لقائد العمليات العسكرية في أفغانستان الجنرال ديفيد بترايوس. و بعد انسحاب 10 آلاف جندي خلال شهر سيتم سحب 23 ألف عنصر هم ما تبقى من التعزيزات البالغ عديدها 33 ألفا بحلول الصيف المقبل، على أن تتواصل عمليات سحب القوات الأميركية التي تناهز ال 100 ألف عنصر وصولا إلى تحمل القوات الأفغانية المسؤوليات الأمنية عام 2014. وقتل أكثر من 1600 جندي أميركي في أفغانستان منذ اجتياح هذا البلد الإسلامي في أعقاب هجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001 على الولاياتالمتحدة و بلغت حصيلة القتلى في صفوف القوات الأميركية لهذه السنة 187 قتيلا حتى الآن . و سارع وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس إلى إعلان تأييده للخطة . و قال في بيان إن خطة الانسحاب "تعطي قادتنا ما يكفي من الموارد و الوقت ، و خصوصا المرونة من أجل إنجاح استراتيجية التعزيزات". و أعلن أوباما خطته للانسحاب من أفغانستان في وقت تطرح تساؤلات ملحة داخل الولاياتالمتحدة حول هدف الحرب في أفغانستان بعد تصفية زعيم القاعدة أسامة بن لادن في عملية شنتها وحدة كومندوس أميركية في باكستان الشهر الماضي ، و في وقت تجري واشنطن إضافة إلى دول أخرى محادثات أولية مع حركة طالبان لتسهيل عملية المصالحة . وتطرق أوباما إلى مسألة القاعدة وقتل أسامة بن لادن، فكشف أن وثائق ضبطت في مقره في باكستان أظهرت أن المنظمة تخضع "لضغوط هائلة". و قال " إن بن لادن أعرب عن مخاوفه حيال عجز القاعدة عن استبدال القادة الإرهابيين الذين قتلوا، وفشل جهودها لتصوير أميركا على أنها دولة في حرب مع الإسلام - ما يمكنها بالتالي من الحصول على دعم أوسع". وكان مسؤول أميركي أعلن أن العملية الأميركية ضد القاعدة في أفغانستان والمناطق القبلية الباكستانية المحاذية "تخطت توقعاتنا"، كاشفا عن قتل عشرين من القادة الكبار الثلاثين للشبكة خلال العام الماضي . وفي وقت لا يزال التوتر يخيم على العلاقات بين الولاياتالمتحدة و باكستان حليفتها في الحرب على الإرهاب بعد عملية تصفية بن لادن على أراضيها، حذر أوباما من أنه سيطالب إسلام أباد بالالتزام بتعهداتها بالتصدي لما أسماه "سرطان" التطرف العنيف. ووردت ردود فعل متباينة من الأوساط السياسية الأميركية على خطة أوباما لسحب القوات. وقال السناتور الجمهوري النافذ جون ماكين خصم أوباما في الانتخابات الماضية أن الرئيس يقوم ب "مجازفة غير ضرورية" مذكرا بأن بترايوس و غيتس أوصيا بجدولة أبطأ للانسحاب . أما السناتور الديمقراطي كارل ليفين الذي كان في طليعة المطالبين بتسريع الانسحاب، فوصف الجدول الزمني الذي حدده أوباما بأنه "تطور إيجابي" . و ألمح ميت رومني المرشح لتمثيل الحزب الجمهوري في السباق إلى البيت الأبيض إلى أن قرار أوباما نابع ربما من دوافع سياسية . و قال "كلنا نريد أن تعود قواتنا إلى الديار في أسرع وقت ممكن، لكن ليس علينا أن نؤيد جدولا زمنيا اعتباطيا لسحب قواتنا من أفغانستان" مضيفا أن "هذا القرار يجب ألا يقوم على الاعتبارات السياسية أو الاقتصادية".