تقول القاعدة الفقهية: «ما بني على باطل فهو باطل» وهي قاعدة تصلح لكثير من القياسات التنفيذية في أكثر من مشروع ربما أصاب كثيري الصداع من تعرضهم لرسائل إعلامية تبشر بها، وتؤكد أنها أفضل الحلول العصرية التي تواكب التنمية والعصر، وفي النهاية لا نقبض سوى الريح، وتصبح التكاليف الدعائية هدرا للمال العام، ولذلك أجد مقايسة منطقية بتلك القاعدة، فبناء أي مشروع على «باطل» إنما المقصود به عدم دراسته بصورة علمية وواقعية، وبالتالي يلحقه الباطل وهو الانهيار وعدم النجاح، أو بصورة أدق، الفشل وهو الأمر الذي لا يلحق بالمتسببين به للأسف. في الشأن العام لا مجال للعشوائية والارتجال، وكل مدير أو مسؤول يقدم على مشروع لمجرد طرح الفكرة، إنما هو بالضرورة فاشل، فالمشروعات العامة لا يتم تنفيذها بصورة شخصية مطلقا، ففي تلك المشروعات هناك كثير من المتغيرات التي ينبغي وضعها في الاعتبار من قبل حتى طرحها كمقترح، أي تكون ناضجة تماما، لأن فشلها يصيب التنمية الوطنية في مقتل، بعكس الخاصة التي يلحق فشلها بصاحبها فقط ويتحمل تبعات ذلك. نحن أمام مفارقات تنموية كبيرة تجعل الدهشة آخر ما يحدث لنا بسبب تغييب دراسة المشروعات والتماس جدواها الاقتصادية والاستثمارية، وإذا أنفقنا عشرات الملايين حتى نتيقن ونتحقق من عدم جدوى مشروع يكلف مئات الملايين فذلك مفيد جدا، أما أن نرتجل مشروعات تكلف تلك المئات من الملايين ولا تصيبنا فائدتها فذلك ما يحتاج الى دراسة وبحث تنموي عميق، ولعل الجامعات التي تنفق الملايين على الجسور تنفقها في بحوث علمية ودراسات لمشروعات أكثر نضجا وجدوى وتحدد لنا مسارات المستقبل بصورة سليمة ومنطقية قبل أن نهدر الأموال في مشروعات فاشلة. بعض المسؤولين يجدون في بعض الأفكار فرصة للبروز أو الظهور على حساب القيمة النهائية لتلك الأفكار، فعلى سبيل المثال استنفدنا ما يقارب من 800 مليون ريال في صناديق البريد لتطبيق مشروع «واصل»، وظاهر المشروع إيجابي ومتطور، وتجربة حداثية وعصرية التقطها أحدهم على ما يبدو من الدول الغربية ورأى أن نطبقها لدينا، وفي تقديري فشلت التجربة فشلا ذريعا وأهدر حوالي المليار فيها، بإضافة الإعلانات والترويج لمشروع التجربة، ولم نستفد منها شيئا، كما لا يمكن توقع أن يستعيد البريد تلك الأموال لأنها ذهبت مع الريح، ولم يخرج الينا مسؤول يوضح لنا منطقية الفكرة ولماذا فشلت وكيف يمكن استرداد تلك الأموال وكأنها بعثرت في الشوارع . أيضا فشلت حملة ترشيد المياه التي كلفت الدولة مئات الملايين، ولم نستفد شيئا، بل وكأن هدر المياه في تناسب طردي مع الهدر على الحملة وإنفاق الملايين على الفاضي، ولو أن وزارة المياه نسقت مع المدارس على سبيل المثال لكان أجدى وأكثر فائدة، وها نحن قضينا أعواما نسمع عن الترشيد فيما معدل الاستهلاك يتزايد، ولم تدرس الوزارة نتائج حملاتها التي تهدر الأموال وتوقفت بعد الفشل الذريع. هناك مشروعات كثيرة على هذا النسق مثل أكبر وأول وأعلى ليس لها من جدوى تنموية على الإطلاق وإنما تكلف عشرات ومئات الملايين دون أن يستفيد منها المواطن سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كما أنها لا تحمل أي ميزة تجعلنا ننافس العالمين في مشروعات الأكبر والأول، وهي في اعتقادي استهلاك تنموي لا ضرورة له أبدا، طالما لدينا ضرورات أكثر أهمية فمن المنطق ترك هذه المشاريع التي لا تقدم أو تؤخر. ومن المشروعات التي تدخل في سياق الهدر بناء جسر لجامعة كلف 200مليون ريال، ولا أتصور أن هذا الجسر بني على البحر حتى يكلف هذا المبلغ، وكان من الأولى إنفاق هذا المبلغ الكبير في معامل أو أي بنية علمية تحتية، وأضيف الى ذلك مشاريع دعم المنتجات الزراعية في الخارج التي كلفت الدولة مئات الملايين، وكان الهدف منها هو الحد من ارتفاع السلع الغذائية، ولكن رغم ذلك ارتفعت أسعار تلك السلع وكأنه ليس هناك مشروع اصلا. إذن نحن أمام مفارقات تنموية كبيرة تجعل الدهشة آخر ما يحدث لنا بسبب تغييب دراسة المشروعات والتماس جدواها الاقتصادية والاستثمارية، وإذا أنفقنا عشرات الملايين حتى نتيقن ونتحقق من عدم جدوى مشروع يكلف مئات الملايين فذلك مفيد جدا، أما أن نرتجل مشروعات تكلف تلك المئات من الملايين ولا تصيبنا فائدتها فذلك ما يحتاج الى دراسة وبحث تنموي عميق، ولعل الجامعات التي تنفق الملايين على الجسور تنفقها في بحوث علمية ودراسات لمشروعات أكثر نضجا وجدوى وتحدد لنا مسارات المستقبل بصورة سليمة ومنطقية قبل أن نهدر الأموال في مشروعات فاشلة.