في قضايا الفساد هناك أخطار منسية أو ساقطة قيد في الإصلاح الإداري اسمها "بطانة السوء" مع أنها أساس كل بلاء وظيفي من انحرافات مالية وخراب ذمم والفشل والعجز عن إنجاز المهام ، حيث تضيع المسؤوليات المهنية ولا يبقى إلا صور المسئول وما ينسب إليه من تصريحات جوفاء لا معنى لها سوى أنه في واد والواقع في واد آخر ، رغم مئات الملايين التي تهدر وسنوات تمضي دون النتائج المرجوة . هذه هي الحقيقة ومن يريد أن يعرف حجم وجودها ، عليه أن يجري اختبارا بسيطا لمصداقية شعارات تزين مداخل بعض الجهات الحكومية ومكاتب مسئوليها ، واختبار مستشاريهم وبطاناتهم .. بالقطع سيكتشفون أنهم ممن يقولون ما لا يفعلون . إن قضية كهذه تستحق الاهتمام .. فبطانة السوء إذا ما تمكنت من مبتغاها وأحاطت بالمسؤول إحاطة السوار بالمعصم .. وأصبحوا عينه التي يرى بها وأذنه التي يسمع بها .. فلا خير يرجى ولا إنجاز يتم ، وإنما مصالح خاصة تتستر بالنفاق وتزيين الباطل وطمس الحقائق والتعتيم ليهيئوا لأنفسهم بيئة الفساد وتصبح الوظيفة مرتعا للتعدي على المال العام ، والعادة أن آخر شيء تفكر فيه بطانة السوء والنفاق هو حق العمل والأمانة فيه ومصالح المواطنين. أكثرنا رأى نموذجا أو أكثر لمثل تلك البطانة وكيف تنهش "وتهبر" ولا يهمها المصالح العامة .. واسمحوا لي بسؤال : هل رأيتم أحدا من بطانة السوء يؤدي عملا ويخلص في مهامه .. أو يستقبل مراجعين أو يتابع عمله بشفافية ..أو يتحرك لتطوير الأداء ..أو يتفاعل بصدق مع نقد بناء ؟..أدعوكم لإجابة صريحة وبصوت مرتفع خاصة الذين يؤلمهم تردي أوضاع بعض الجهات ، ومن لدغته بطانة السوء حتى يزيحونه عن طريقهم ليكون فسيحا لمصالحهم الخاصة . إن هؤلاء لا يجيدون عملا ولا يصدقون قولا ولا يخلصون فعلا إلا لمصالحهم الشخصية وكل مهاراتهم تصب في تجميل صور رؤسائهم فيكونوا مرآته بالخداع ، وتزييف الواقع له بأن كل شيء على ما يرام وليس في الإمكان أبدع مما كان .. وتجدهم أكثر غيرة على منافعهم ، بينما يضعونها مع ضمائرهم في ثلاجة الموتى إذا ما تعلق الأمر بمصلحة عامة ونفع للتنمية .. ومن أجل ذلك يلبسون الباطل بالحق والحق بالباطل ولا يتوانون عن ظلم وإزاحة من يقف في طريقهم إذا ما استدعت مآربهم ذلك . فبطانة السوء كما هو معروف تكون إلى الشر أقرب .. وإلى العداء والكراهية أسرع .. وهؤلاء كما يقول المثل (الطيور على أشكالها تقع ) فلا يأمنون إلا لأمثالهم ممن يجيدون النفاق والوشاية ، وهما سبيلهم إلى رؤسائهم حتى يفصّلون قراراته على مقاس مصالحهم وأهوائهم. آفة أي إدارة تكمن أولا في تلك الأشكال إذا ما وجدت فيها ، والخطر كل الخطر عندما يسلّم المسئول عقله وأذنه لهم طائعا مختارا .. ويبصم بالعشرة على ما يقترحون ويدعون ، حتى وإن أجمع الآخرون على سوء الأداء وشهد الواقع بهذا السوء والتردي عندما تفتقد أي جهة روح الشفافية والأمانة وتبتعد عن احتياجات المواطنين .. ومصيبة أي جهة تبتلى ببطانة السوء عندما لا يرى المسئول عنها حقيقة العائد المتدني لأموال هائلة تُنفق دون جدوى وتهدر في شكليات وبنود لا طائل منها . أي جهة أمينة على مهامها لابد وأن تسعى لتلمس صدى أعمالها ومشاريعها .. هل فعلا حققت عائد ما أنفقت من أموال طائلة تم اعتمادها في الأساس من أجل المواطن والمقيم والزائر من خدمات ومرافق حضارية تليق بهذا الوطن الغالي ، ولدينا أمثلة عديدة على سخاء الدولة وبتوجيه كريم من ولاة الأمر حفظهم الله ، حيث لا تبخل على المواطن بالغالي والنفيس ولا تدخر مالا مهما بلغ من أجل راحته وتطلعاته ، وأحد الأمثلة الشهيرة على ذلك اعتماد مليار ريال لمكافحة حمى الضنك وعلاج مسبباتها بجدة . أنا لا أحكم هنا على النتائج وكم أنفق من المليار وماذا تبقى وما العائد الحقيقي، وإنما أترك ذلك للواقع ليتحدث عن نفسه إيجابا كان أم بالسلب .. فقط أشير إلى المثل الحي على كرم الدولة من أجل المواطن والخدمات الحضارية بغض النظر عما تقوله الأرقام على الورق ، وأتمنى من كل قلبي النجاح لهذا المشروع ، بالحقائق الأكيدة وليس بديباجات علاقات عامة كل همها ومقرتها تكذيب الواقع وهذه آفة أخرى تحتاج لوقفة . الخلاصة يا أهل الرأي والتفكير : لا سبيل للشفافية والتطور والإنجاز في أي جهة إلا بعلاج أمراض بطانة السوء ، لأنها تجفف شرايين العمل والمصالح العامة وتحول مسارها إلى عروق المنافع الشخصية .. كما تشل كل هدف فيه نفع عام للتنمية وللمواطن لتحولها إلى الخاص .. وللأسف أن من ينقب في عالمهم أو يكشف مآربهم وأخطائهم يصبح في قائمة أعدائهم ، وهذه قضية فساد أخرى. فهل من آليات لضمان سلامة الهياكل الإدارية وأدائها بأهل الخبرة لا بأهل الحظوة الذين يستغلون ثقة المسئول في الإضرار العام ويتحصنون بحظوتهم لممارسة الفساد ويتوحشون حتى يصبح شعارهم :"أنا ومن بعدي الطوفان".. اللهم ارزق كل مسئول البطانة الصالحة التي تتقي الله في عملها وأمانتها. نقطة نظام : قال تعالى :"ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون" . [email protected]