لم تكن أجمل فتيات القرية، لكنها أكثرهن تأنقا، كانت كفراشة تسير على الأرض ونظرها معلق بالسماء، متصل بأحلام وردية، ومصباح سحري يلبي مارده كل ما تأمره به، وذات ليلة افتقدته فاستيقظت مذعورة تفتش عنه، فلما أعياها البحث نامت فقيل لها: إنه في مكان كذا من المدينة المسحورة فالتمسيه هناك، طموحها اللامحدود جعلها تعمل كل شيء لتغدو الأجمل، ولتحافظ على رشاقتها وأناقتها طفقت تتجمل بكل ألوان الزينة، والعطور، والمجوهرات، والساعات، والحقائب، والأحذية الباهظة الثمن، ورغم إنها لم تكن الأغنى إلا أن بذخها كان يوحي بثراء عريض . كانت تريد لفت الأنظار إليها، فأخضعت جسدها لعدد لا يحصى من عمليات التجميل، حتى استحالت إلى أخرى غير التي نعرفها، ولقوة تأثيرها في بنات القرية باتت عنوان أناقتهن، وأنموذج الموضة الذي يُقارنَّ به أنفسهن وأزياءهن، أما نحن الذين وجدنا صعوبة في التعامل معها فقد علمنا أنها أخذت دورات في الإيتيكيت، وتعلمت أكثر من لغة، ولتتميز باتت تلوي لسانها برطانة إنجليزية، كما لو كانت وليدة حي لندني، وليس على يد قابلة القرية، كل شيء فيها تغير، حتى علاقاتها الاجتماعية تغيرت، لم تعد محصورة ببنات القرية، بل تعدتهن إلى علاقات جديدة أكثر انفتاحا بأوربيين وأمريكان، يابانيين وهنود، ولفيف من جنسيات مختلفة . تغيرها المذهل كان في العشر السنوات الماضية، بيتها الصغير أصبح قصرا أسطوريا، ونخلته اليتيمة داخل فنائه اختفت بين غابات القصر وأشجاره، وقليبه الذي كانت تستحم منه استبدلته ببرك وبحيرات رائعة، لم يعد الناس في القرى المجاورة يضربون المثل بجمال غير جمالها، ولا بشيء من مواضع الفتنة إلا وأكدوا أنها الأجمل في كل ما شُبه بها ! ما أقلقني بحق أن شباب القرية باتوا يغازلونها ويفضلونها على نسائهم، وهنا آثرت مكاشفتهم بحقيقتها، قلت لهم: شعرها الذي تعجبكم نعومته مستعار، شقرته صبغة مستعارة، رموشها الظليلة أيضا مستعارة، أما شفتاها المكتنزتان فما هي إلا سيلكون، ومواضع فتنتها الأخرى سيلكون، وكذلك عيناها الزرقاوان عدسات لاصقة، أي إن كل ما فيها جمال مصطنع وليس طبيعيا كما تزعمون، وقبل أن أوضح لهم حقيقة ثرائها الفاحش اتهموني بالغيرة والحسد، ولم يمض طويل وقت حتى بلغتهم فضيحتها الأخيرة، حول مظاهر أبهتها وبذخها الذي لم يكن إلا ديونا لبنوك القرى المجاورة ! [email protected]