يتناول شكيب خوري في مجموعته الشعرية "أنادي التراتيل يرد البرق" موضوعات خمّرها عنده الزمن والتجارب، فانصبت في غالبها على موضوع الإنسان ومعتقداته وإيمانه وثقافته، ودخلت في عالم الطبيعة تقرأ من خلالها قصة الحياة وتخرج منها بحكم أو تعزية أو مرارات. ولعل القصيدة الأولى في المجموعة المكتوبة محتوياتها على نمط قصيدة النثر، وعنوانها هو «ربان بلا شراع» مثل واضح عن المحتوى الفكري للمجموعة إجمالا، وعن المناخ الإيماني العميق من جهة والتساؤلي القلق من ناحية اخرى. إنها من نواحي حساب للعمر والأحلام والخيبات يستحضر الشاعر معظمها في نظرات "ارتدادية" تستعيد الآفل البهيج إجمالا لتضعه أمام ناظري الحاضر المقطب حكمة أو خيبة. قصيدة «ربان بلا شراع» يقول: عنوانها كثيرا من محتوياتها قبل الدخول في قراءتها. الحيرة والمجهول وربان لا تعرف طبيعته الا الإبحار مع انه "مقعد" لكون سفينته بلا شراع. كل ذلك وسط اجواء صوفية. إنها كما يبدو عملية غوص وبحث وتفتيش بجدية أي سعي من الانسان لبلوغ قدر من السعادة والطمأنينة. يقول الشاعر "لا سائق لا منارة، لا بحار، لا كاهن لا فيلسوف، يعرف الطريق اليك. بحثت عنك في البراري، البساتين، الأنهار البحار، اصطبغ جسمي برحيق أثيرك، حملت أنفاسك الى كوة تستسقي شرارة ولادتك. "انحنى بجانبي الكنار، غرد:- انعشني يا انا بما شربت لأطوف مثلك مع العشق، - غسلتني مزاميره يا طير الخلاص، -الحب قشعريرة الروح، يا ربان بلا شراع، هات يدك، رافقني الى زهرة القدس، هناك يشتعل الوله." ورد في المجموعة نحو 45 قصيدة انتشرت على امتداد 127 صفحة متوسطة القطع. وقد صدرت المجموعة عن دار (بيسان للنشر والتوزيع) في بيروت. شكيب خوري أستاذ جامعي لبناني ودكتور في الأدب المسرحي. إنه كاتب ومخرج وممثل، وله العديد من الكتب في مجالات الرواية والمسرحية والشعر. في قصيدة "عودة الوروار" يتناول الشاعر ذلك الطائر الأخضر والأصفر الجميل وزيارات أسرابه خلال الربيع والصيف والخريف.. قدومه ورحيله يصورهما الشاعر في أجواء من الفراق والحزن فتتحول حياة الوروار الى ما يشبه حياة الإنسان أو العكس. انها محاولة "تحليق" لمناجاة الله. يقول الشاعر "من بعيد يعلن الأوطان بالمجيء، أجنحته مرهقة، خريف ربيع، لا ينكفئ عن أغاني الحنين، "متى ستحبني كما طيورك، يا ملك الاقدار، ينعدم الرحيل، أستريح بين فراخ الوروار." في قصيدة "المعلم" يقول الشاعر "جعبة ملأى بالمعجزات، أشعاره قناديل الأحراج، شباكه محملة بأسرار المحار، في صومعته يكتب المقدس، دموعه حروف تنسكب روحا، غابة، جنينة، جزيرة، مدن الحلم، شخصيات حائرة، "في صومعته ينبعث السؤال، ترتجف الحروف، ينخطف، على وسادة الأرق." في قصيدة "رجاء" نهاية الطريق التي تبدو أشبه باليأس تلتقي بالأمل أو فلنقل بالرجاء على حد تعبير الشاعر. يقول "مفاتيح رعناء، نوافذ صدئة، صقيع يستوطن ساقي باذر الحنطة، "رجاء عجوز، يذوب شمعة، على العتبة ..، الكفن يجلجل الباب." قصيدة "اوليفيلز" عنوانها هو اسم مأخوذ من اسم مطعم في لندن، يتذكره الشاعر من أيام كان يدرس في جامعة لندن. إنها أيام الشباب والأحلام تعود اليه مع تقدم العمر. يقول متمثلا نفسه عندما كان شابا "رأيته يركض في العشرين، وجهي الساكن خلف السنين، يستعيد لندن والحنين، مطعم أوليفيلز المجنون، طهر الجدران، رمى الرسوم "لا مكان للماضي، لا مكان للنبوغ..، هرتاي العجوزان، تنعسان، في فترينة الزمان." في قصيدة "أنادي التراتيل يرد البرق" يقول الشاعر تحت وقع شلال من الذكريات "يوم انطلقنا معا على ملعب الفوتبول، ارتديت قميصك المزين بألوان النصر، جناحاك علما قدمي التسديد، "عانقني يا زمن الاحلام، اجتاحت الطحالب الملعب، اشتاقت الكرة الى أقدامنا، نسدد الهدف في ذروة الضيق، ننصت معا الى التصفيق..، يا زمن الأحلام، با مرج الصبا، خادع الوهم، أرجعني الى مخدتك، ولتعانق كهولتي ضفائر السحر، أحلم بأناشيدك..، أنادي التراتيل، يرد البرق.