اشهر الناخبون الاوروبيون وبخاصة الفرنسيين البطاقة الحمراء في وجه الاتحاد الاوروبي، الذي اعتبرته ماري لوبان رئيسة الجبهة الوطنية الفرنسية التي تتطلع لقصر الإليزيه انه سبب جميع المتاعب، وارتسمت على وجه رئيس الوزراء الفرنسي مانيول فالس أشد تعبيرات الجدية ومعالم العبوس عندما واصل عبر التلفاز الأحد التعبير عن صدمته إزاء "الزلزال" السياسي الذي أحدثه فوز الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة في انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت في نهاية الأسبوع، وتعهد الرئيس الفرنسي فرانسوا بالمضي في الاصلاحات في الداخل في الوقت الذي يضغط فيه على الاتحاد الاوروبي لتغيير المسار قائلا ان الفوز الذي حققته أحزاب أقصى اليمين في الانتخابات الاوروبية أظهر ان الناخب يشعر ان أوروبا لا تحميه. غير أن قصة فوز الجبهة الوطنية هي التسلسل الزمني لزلزال تم التنبؤ بحدوثه من قبل. فقد أشارت نتائج استطلاعات الرأي مرارا وبشكل ثابت، إلى أن الحزب بزعامة مارين لوبان والذي سار من قوة إلى قوة في الانتخابات الثلاثة السابقة يطرح نفسه منافسا لحزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» الذي ينتمي إلى تيار يمين الوسط وذلك بهدف إرسال أكبر عدد من النواب بالجبهة إلى مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورج. وكانت معظم نتائج استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم الجبهة الوطنية بفارق طفيف. والمفاجأة الوحيدة التي جاءت عندما أذيعت نتائج الانتخابات عبر شاشات التلفاز في ختام الانتخابات، كانت بسبب الحجم الكبير للأصوات التي حصل عليها حزب الجبهة الوطنية مقارنة بحزب الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي. وبدلا من المنافسة اللصيقة التي كانت متوقعة تفوقت الجبهة الوطنية على حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية بأكثر من خمس نقاط، وفازت بلقب أكبر حزب فرنسي في البرلمان الأوروبي، حيث حصلت على 26 في المائة من مجموع الأصوات مقارنة بحزب الاتحاد الذي حصل على 7ر20 في المائة. وبالنسبة للحزب الاشتراكي الحاكم الذي جاء في المرتبة الثالثة محققا نسبة منخفضة قياسية تبلغ 9ر13 في المائة من مجموع الأصوات، انطبق عليه المثل القائل "بقدر ما تتغير الأشياء، تبقى الأمور على حالها". تحذير الناخبين وكان الناخبون قد وجهوا بالفعل تحذيرا للرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند بسبب فشله في تغيير دفة الاقتصاد الذي يعاني من المتاعب، حيث حقق حزبه نتائج متواضعة في الانتخابات البلدية التي أجريت في مارس الماضي. وحاول هولاند أن يمنع حدوث نكسة مزدوجة عن طريق تصعيد أكثر الوزراء شعبية في الحكومة وهو وزير الداخلية السابق مانويل فالس ليصبح رئيسا للوزراء، إلى جانب الإسراع بمجموعة من التخفيضات الضريبية لصالح محدودي الدخل قبل إجراء انتخابات البرلمان الأوروبي. غير أن نتائج الانتخابات التي أعلنت الأحد أشارت إلى أن الناخبين لا يزالون في حالة غليان بسبب معدلات البطالة القياسية وتباطؤ النمو، والخطط الرامية لتخفيضات حادة في الإنفاق. وفوق كل شيء أشهر الناخبون البطاقة الحمراء في وجه الاتحاد الأوروبي الذي اعتبرته لوبان هو سبب جميع المتاعب بدءا من إغلاق المصانع إلى مكآفات البنوك إلى "الهجرة واسعة النطاق". ويرى جيل إيفالدي وهو باحث في العلوم السياسية بجامعة نيس أن نجاح الجبهة الوطنية يكمن في قدرتها على أن تصبح نموذجا يطالب بحل مجموعة واسعة من المشكلات تبدأ بالاقتصاد. وشهدت الأعوام القليلة الماضية ابتعاد الناخبين الذين ينتمون إلى الطبقة العاملة بشكل جماعي عن الأحزاب الشيوعية والاشتراكية، وانتقالهم إلى حزب الجبهة الوطنية الذي يروج لنفسه على أنه نصير الفئات التي همشتها رياح التغيير. وتم مكافأة لوبان في الانتخابات الأخيرة بما نسبته 43 في المائة من أصوات عمال المصانع، مقارنة بالأصوات التي ذهبت للحزب الاشتراكي الحاكم والتي بلغت ثمانية في المئة. وأشار إيفالدي إلى أن "الجبهة الوطنية أصبحت الآن حزب الطبقة العاملة". كما عزفت الجبهة الوطنية ذات الأسلوب الخاص بها والتي تلقب «بحزب الوطنيين» على وتر المشاعر المتشككة في الاتحاد الأوروبي والتي كانت على الدوام ومنذ فترة طويلة تحتدم ببطء في فرنسا، حيث كانت تظهر كفقاعات من آن لآخر مثلما حدث عام 2005 عندما صوت الفرنسيون ضد معاهدة الدستور الأوروبي. وكان شعار الحملة الانتخابية للجبهة الوطنية "لا لبروكسل نعم لفرنسا". وقال إيفالدي "إنه توجد في فرنسا قطاعات كبيرة من السكان تتجه إلى الارتداد إلى الهوية الوطنية، واليوم نحن نرى زيادة في هذا الاتجاه لمقاومة العولمة والحدود المفتوحة والهجرة". ولا تزال قضية الهجرة عامل جذب للأصوات لدى الجبهة الوطنية، على الرغم من محاولة لوبان نقل الجدل إلى قضايا مرتبطة أكثر بمتطلبات المعيشة. وفي المؤتمرات الانتخابية التي عقدتها الجبهة كانت منطقة شينجن للحدود المفتوحة تلقى أعلى صيحات الاستهجان. غير أن حملة لوبان لتجميل صورة الحزب هي التي كان لها أكبر مردود. فقد ولت أيام رياح الخماسين التي ارتبطت بالجبهة الوطنية عندما كان يتزعمها والد السيدة مارين الضابط السابق بسلاح المظلات جان ماري لوبان. كما افتقدت الحملة الانتخابية للجبهة الوطنية الروح الباحثة عن الوطنية التي سادت بعد آخر "زلزال" أحدثته الجبهة الوطنية، عندما هزم لوبان الأب ليونيل جوسبان مرشح الحزب الاشتراكي في الجولة الأولى من المنافسة على انتخابات الرئاسة الفرنسية عام 2002 التي فاز فيها جاك شيراك. وقالت صحيفة لوموند التي تعبر عن تيار الوسط إن "المجتمع الفرنسي يختار نوعا من الحرية" عندما يتعلق الأمر بالجبهة الوطنية. وعلى العكس أوضحت السيدة لوبان انها لن يهدأ لها بال حتى تصل إلى أعلى منصب في فرنسا. وللتأكيد على هذه النقطة نظم الحزب احتفالا بفوزه مساء الأحد الماضي في ناد يقع على مسافة مئة متر من القصر الجمهوري، ويحمل النادي اسما له مغزى مستقبلي وهو "صالة الاليزيه". هولاند يتعهد بإصلاحات من جانبه، تعهد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بالمضي في الاصلاحات في الداخل في الوقت الذي يضغط فيه على الاتحاد الاوروبي لتغيير المسار قائلا ان الفوز الذي حققته أحزاب أقصى اليمين في الانتخابات الاوروبية أظهر ان الناخب يشعر ان أوروبا لا تحميه. ووجه هولاند خطابا للأمة بعد يوم من الفوز الذي حققه حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف بزعامة ماري لوبان المعارض للمهاجرين وللاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو في انتخابات البرلمان الاوروبي قائلا "هذا تصويت بعدم الثقة في أوروبا". وقال هولاند في رسالة قصيرة مسجلة بثت على التلفزيون بعد الهزيمة الانتخابية التي لحقت بحزبه الاشتراكي "أوروبا أصبحت مستغلقة متباعدة وغير مفهومة في الاساس حتى بالنسبة للحكومات. هذا لا يمكن ان يستمر". وقال هولاند ان حكومته لن تتردد في خططها رغم الهزيمة وستمضي قدما في الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والخاصة بالاراضي. واستطرد "أنا أوروبي وواجبي ان اصلح فرنسا وأغير توجه الاتحاد الاوروبي" وأضاف انه على أوروبا ان "تسحب نفسها من المناطق التي لا حاجة لها فيها". وقال مكتب الرئيس انه اجرى اتصالات هاتفية مع زعماء أوروبيين منهم المستشارة الالمانية انجيلا ميركل ورئيس الوزراء الاسباني ماريانو راخوي ورئيس الوزراء الايطالي ماتيو رينتسي في الوقت الذي يواجه فيه الاتحاد الاوروبي محنة سياسية بشأن التوجه الواجب ان يسلكه الاتحاد.