تعول احزاب اليمين المتطرف على الانتخابات الاوروبية المقررة في 25 مايو لتوحد صفوفها وتسمع أصوات الذين يعتبرون الاتحاد الأوروبي «مسخًا سياسيًا». ويدلي نحو أربعمائة مليون أوروبي بعد أسبوعين بأصواتهم في انتخابات مهددة بتدفق للمشككين بالبناء الأوروبي، وستكون نقطة الانطلاق لتجديد كامل لمؤسسات الاتحاد الأوروبي. وتتوقع استطلاعات الرأي تدهورًا جديدًا لنسبة المشاركة التي سجلت قبل خمس سنوات تراجعًا قياسيًا بلغ 43 % فالامتناع عن التصويت لا يشجع المتطرفين فحسب بل إنه يسهم في تقويض شرعية المؤسسات الاوروبية. ويمكن ان تحل احزاب اليمين المتطرف والاحزاب المناهضة للاتحاد الاوروبي في فرنساوبريطانيا والدنمارك وفنلندا وهولندا والنمسا والمجر في الطليعة أو على الاقل في المرتبة الثانية. وفي ألمانيا يتوقع ان يحصل حزب «ألترنتيف فور دويتشلاند» (ايه ال دي) الذي يطالب بالتخلي عن اليورو، على بعض المقاعد وكذلك الحزب النازي الجديد ان بي دي. ولم يكف انتعاش النمو قليلًا في اوروبا لحجب ارتفاع البطالة خلال السنوات الخمس الاخيرة، وامام المواطنين الذين يعتبرون ان اوروبا اصبحت لا تحميهم، يقترح مناهضو اوروبا حلولًا تقوم أساسًا على البحث عن السيادة المفقودة محملين الهجرة واليورو والعولمة وحرية التنقل المسؤولية. لكن حتى ولو شكلت كتلة سياسية فليس مرجحًا أان تهيمن احزاب اليمين المتطرف على البرلمان، ويرى مسؤول برلماني أوروبي أنه حتى وإن فازت بثلث مقاعد البرلمان فإن من المتوقع أن تقتصر الاحزاب الشعبوية على «دور المشاغب الذي يطعن في المؤسسات». كتلة اليمين وأوضحت مؤخرًا زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبن أن تشكيل كتلة سياسية سيسمح بعدم اعتبار مناهضي أوروبا «نوابًا من الدرجة الثانية» زاعمة أن بكونها «غير مسجلة» (أي لا تنتمي إلى كتلة) لا يمكنها أن تأخذ مسؤولية إعداد قرار أو تعديلات، لكن في الواقع لا يمنعها قانون البرلمان من ذلك. وسيتيح تشكيل كتلة لليمين المتطرف الاستفادة من مزيد من الموارد لاسيما المالية، وحاليًا يتلقى التحالف الأوروبي من اجل الحرية (اي ايه اف) وهي حركة أوروبية مقرها في مالطا وتضم خصوصًا الجبهة الوطنية الفرنسية و«فلامس» البلجيكية وحزب الحرية النمساوي (اف بي او) نحو 400 ألف يورو من المساعدات سنويًا من البرلمان الاوروبي، وإذا تشكلت كتلة فإن تلك المساعدة قد ترتفع، حسب بعض النواب، الى ما بين مليون إلى ثلاثة ملايين يورو. وقال مسؤول برلماني اوروبي طالبًا عدم ذكر اسمه: إن «تحالف أحزاب اليمين المتطرف زواج مصالح أكثر منه زواج حب». خلافات لكن رغم أنها تتقاسم بعض «القيم المشتركة» مثل رفض التعددية الثقافية والتنديد بالاحزاب التقليدية و«النخب» فإن العديد من الخلافات الايديولوجية تفرق بين أحزاب اليمين المتطرف الأوروبية. فمثلًا يُكِن القوميون المتطرفون من حزب رومانيا الكبرى (بي ار ام) وحزب جوبيك المجري، والحزب القومي السلوفاكي (اس ان اس) -وهي أحزاب ممثلة في البرلمان- حقدًا شديدًا لبعضهم البعض. وترفض احزاب البلدان الاسكندينافية (الفنلنديون الحقيقيون، والحزب الشعبي الدنمركي) على غرار حزب يوكيب البريطاني المناهض أوروبا الذي يتزعمه نايغل فاراج الذي يناضل من اجل انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، العمل سويًا مع الجبهة الوطنية؛ لأنهم يعتبرون أن فيها عناصر معادين للسامية. ويتردد الحزب الديمقراطي السويدي (دي اس) رغم أنه ينتمي إلى «التحالف الأوروبي من أجل الحرية» أيضًا في الجلوس إلى جانب الجبهة الوطنية، وقالت لوبن مؤخرًا: «إنهم ما زالوا لا يعرفونني جيدًا» في حين ترفض هذه الجبهة التي تجهد في تحسين سمعتها، العمل مع جوبيك ولا الحزب اليوناني النازي الجديد «الفجر الذهبي» أو «بريتيش ناشيونال بارتي» (بي ان بي) اللذين تعتبرهما «عنصريين». لكن المظاهر لا تدوم في النهاية، فقد اضطر مهندس التقارب بين احزاب اليمين المتطرف الاوروبية النمساوي اندرياس مولزر، زعيم «اف بي او» في الانتخابات الاوروبية الى الانسحاب مطلع الشهر بعد الادلاء بتصريحات عنصرية فاضحة، ويعتبر «اف بي او» أكبر حليف في أوروبا للجبهة الوطنية. وخلال الولاية السابقة طرد نائب ايطاليا من رابطة الشمال ماريو بورغيزيو من كتلة «أوروبا حريات وديمقراطية» (اي اف دي) التي يتزعمها فاراغ بعد إدلائه بتصريحات معادية للأجانب، ومن المتوقع ان يجلس نواب هذه الحركة القومية الى جانب الجبهة الوطنية وغيرها من الحلفاء الاوروبيين. العمل سويًا وفي مقابل اليمين المتطرف لفت مكتب ستراتفور الى ان المؤيدين لاوروبا أكانوا من اليمين او الاشتراكيين، سيضطرون ل«العمل سويًا» على غرار الائتلافات الكبرى التي تشكلت بكثرة في السنوات الاخيرة في الاتحاد الاوروبي، بدءًا بألمانيا وصولًا إلى اليونان ومرورًا بإيطاليا وبلجيكا. ويشير التحقيق الأخير لبولوواتش الذي يجمع عشرات استطلاعات الرأي إلى خسارة الحزب الشعبي الاوروبي الحاكم في غالبية الدول الأوروبية نحو ستين من المقاعد مع احتفاظه بتقدم بسيط على الاتشراكيين مع 216 نائبًا مقابل 205. أما الليبراليون الذين يسجلون تراجعًا، فسيحتفظون بالمرتبة الثالثة مع نحو ستين نائبًا متقدمين على اليسار الراديكالي، ثم يأتي الخضر الذين يسجلون تراجعًا كبيرًا. وسيتعين على النواب الاوروبيين الجدد أن يسرعوا في اختيار اسم الرئيس المقبل للمفوضية الاوروبية الذي يعتبر الوجه البارز لمؤسسات الاتحاد الاوروبي. وفي رغبة مزدوجة لإضفاء الديموقراطية على العملية والتأثير على اختيار رؤساء الدول والحكومات تتقدم الاحزاب الاوروبية الرئيسية بمرشح. لكن الاحتمال بعيد في أن تتوصل إلى تحقيق غاياتها. وقال رئيس المجلس الاوروبي هرمان فان رومبوي مؤخرًا: «إن الفارق بين البرلمان وأولئك الذين يقررون واضح جدًا بالنسبة للمواطنين»، عاكسًا بذلك رأي عدد من القادة الأوروبيين الذين يريدون الاحتفاظ بسلطتهم. وسيلتقون في بروكسل اعتبارًا من 27 مايو بعد يومين من الانتخابات. وحذر فان رومبوي أيضا من خطر «المواجهة» بين المجلس والبرلمان الذي سيقوم بتنصيب الرئيس الجديد للمفوضية في منتصف يوليو المقبل. نهاية العشر سنوات وفي انتظار ذلك يجوب المرشحون أرجاء اوروبا. وينطلق المحافظ جان كلود يونكر والاشتراكي مارتن شولتز من موقع قوي، فيما يطرح الليبرالي غي فرهوفشات نفسه رجل تسوية وصانع الملك. وجميعهم متفقون على ضرورة طي صفحة عشر سنوات لولاية جوزيه مانويل باروزو على رأس المفوضية الاوروبية رغم المآخذ عليه بأنه غير طموح وضعيف في وجه الدول، واتهامه أيضًا بكل ما تعاني منه أوروبا بدءًا بسياسة التقشف. ويدعون جميعهم إلى تشكيل سلطة تنفيذية أوروبية أكثر مراعاة للمسائل الاجتماعية وأكثر نشاطًا وأيضًا سياسية أكثر.