انتهى النقاش، وطرحت جميع الادعاءات ووجهت كل الإهانات. الجمهور الضخم الذي وصل مساء أمس إلى (كريات هممشلاة) (مباني الحكومة)، في القدس، لم يحضر كي يصغي للخطابات، وإنما جاء لإظهار عدده، ولعرض حجمه.. كان هناك 100 ألف متظاهر على الأقل، وربما أكثر. جاء الكثير من شبان وشابات القطاع الصهيوني المتدين، والكثير من العائلات المتدينة، التي تضع القلنسوات المطرزة، بنسائها وأطفالها، والقليل من المتدينين المتزمتين، وقلة من العلمانيين. كان المساء مملاً، بارداً وطويلاً، لكنهم التصقوا بالإسفلت، فقد كان يهمهم التواجد هناك ورؤيتهم. انتهى النقاش، لكن المعركة لم تنته. إنها تجري على مسارين، الأول علني، ويشمل بذل جهود من أجل تجنيد الشارع كي يفرض على شارون، في اللحظة الأخيرة، إجراء استفتاء عام أو انتخابات، وبذلك يتم، عملياً، تأجيل تنفيذ الإخلاء، وربما جعله يلفظ أنفاسه الأخيرة. أما المسار الثاني فهو خفي، ويشمل محاولة إيجاد أجواء صدمة عامة تقيد الحكومة والجهاز السياسي عشية الانسحابات القادمة. حاليا يجري تركيز النيران كلها على مطلب إجراء استفتاء عام، من خلال استخدام الكلمة السحرية (ديموقراطية). فكيف يتم حل التناقض بين الوعظ على الديموقراطية والإيمان بالأوامر السماوية؟ لقد قدّم الشعار الكبير الذي امتد مقابل منصة الخطباء، الحل لهذا التناقض، بالطريقة المعقدة التالية: (الشعب قرر: كل ما قاله الرب يتم عمله والانصياع له). في التظاهرات الكبرى السابقة للمستوطنين، تعاملوا مع (أريئيل) شارون بأدب. لم يشاءوا إغضاب ناخبي حزب الليكود. لم يرغبوا في تذكير مشاهدي التلفزيون بما كتب وقيل عن رابين. لكنهم نزعوا القفازات، فقد ارتفعت ووزعت مئات الشعارات التي حملت صور شارون الضاحك وشعار (دكتاتور). كما رفعت لافتات بيضاء حملت شعار (نبوخذ نصر، طيتوس، شارون). وتم، قبل التظاهرة، إعداد شريط دعائي تضمن مقاطع من خطابات لشارون قبل الانتخابات. وفيها يظهر شارون الذي يقدس غوش قطيف، شارون الذي يعارض الانسحاب من جانب واحد، وشارون الذي يسخر من وهن الحكومة. وفي النهاية يعرض الشريط شارون بعد الانتخابات وهو يدوس بقدميه الفيلات ذات سطوح القرميد الأحمر في المستوطنات، ويوجه نحوها كف الجرافة المخيف. شعار (طيتوس) لم يعجب الذين تواجدوا على المسرح، ولم يعجبهم كثيراً شعار (بيبي جبان)، فنتنياهو قد يفيدهم، إذا لم يكن كقائد لمعسكر رافضي الانفصال، فعلى الأقل، بدعمه التظاهري لإجراء استفتاء عام، ولذلك، ما زال مبكراً جعله جبانا. اللون البرتقالي الغامق الذي استعاره المتظاهرون من المعارضة الأوكرانية شكل لعبة أخرى، لعبة لطيفة. فالبرتقالي الغامق بات اللون المفضل الآن، فهو اللون الذي يرافق نشرات الأخبار في القناة الثانية، وفي القناة العاشرة، ناهيك عن كونه لون شبكة (أورانج). لقد ارتدى السياسيون معاطف برتقالية ووضعوا شالات برتقالية، ورفضوا التنازل لبعضهم عن حق الكلام.لقد جرت المظاهرة بشكل منظم، بانضباط وبانصياع مطلق. ربما تكون هذه هي آخر تظاهرة من هذا النوع. فكلما اقترب موعد الإخلاء، من الطبيعي أن تصبح التظاهرات أكثر عاصفة، وأكثر تهديداً. مع كل التفهم لألم المستوطنين، وللمعايير السياسية التي تحرك أنصارهم، من المهم أن يتذكروا الفارق بين لماذا ولماذا. وليحيا الفارق الكبير. *عن يديعوت أحرونوت