لم يكن أحد من مشجعي برشلونة الاسباني ولاعبيه وادارييه على حد سواء يتوقع في بداية الموسم أن يتحول تركيز النادي الكاتالوني من سعيه المتواصل للفوز بكل شيء ممكن الى محاولة تحجيم الاضرار المعنوية بعد الفضائح التي عصفت به وجعلته مهددًا بفقدان هيبته ومكانته في قلوب عشاقه. من اللعب الجميل الى روحية الشهامة و«الكاتالونية»، كلها صفات قد تتأثر سلبًا بالفضائح القضائية التي طالت النجم الارجنتيني ليونيل ميسي على صعيد فردي والنادي الكاتالوني بأكمله على خلفية صفقة تعاقده مع نجمه الآخر البرازيلي نيمار. هالة برشلونة قد تتأثر سلبًا بسبب هذه الفضائح، لكن ذلك لن يطال جمهوره المحلي بل العالمي فقط، وذلك بحسب بعض المراقبين الذين اعتبروا أن ال150 ألف مشجع عضو في النادي الكاتالوني وملايين عشاقه الذين يطلق عليهم «افيثيونادوث»، لن يتأثروا بما يدور خارج الملعب وكل ما يهمهم النتائج والالقاب. لكن مكانة هذه المؤسسة الرياضية التي تتغنى بشعارها «ميس كي ان كلوب» أي برشلونة أكثر من نادٍ، وترعى الكثير من الاعمال الخيرية حول العالم، قد تتأثر خارج الحدود الاسبانية حيث التساهل غير مقبول في ما يخص مسألة التهرب من الضرائب. «لقد تدنس برشلونة»، هذا ما قاله رامون ميرافيتلاس الصحافي، الاكاديمي ومؤلف كتاب «الوظيفة السياسية لبرشلونة»، مضيفًا «هذه الصورة عن برشلونة المثالي، المحب للخير والغير(...) تعرضت للتشويه منذ أن خضع ميسي وعائلته للتحقيق (بسبب اتهامه بالتهرب من الضرائب) واللغط الذي يحيط بقضية نيمار». وتعرض بطل «لا ليغا» لثلاث هزات قضائية خلال الموسم الحالي، ففي سبتمبر الماضي اضطر ميسي للدفاع عن نفسه امام القضاء الاسباني الذي اتهمه ووالده بالتهرب من الضرائب بقيمة 4 ملايين يورو عن اعوام 2007 و2008 و2009، ثم في يناير الماضي اضطر رئيس النادي الكاتالوني ساندرو روسيل الى الاستقالة من منصبه بسبب اعتباره المسؤول عن الشبهات في صفقة التعاقد مع نيمار من سانتوس، وهي القضية التي أخذت منحى أكثر خطورة الأسبوع الماضي عندما وجه قاضي المحكمة الوطنية في مدريد إلى برشلونة تهمة ارتكاب «جريمة ضد الخزينة العامة» في صفقة تعاقده مع النجم البرازيلي. وطالب القاضي سلطات الضرائب بتسليمه كشوفات عائدات الضرائب الخاصة ببرشلونة من 2011 الى 2013، وذلك بهدف معرفة إذا كان نيمار الذي انضم للنادي الكاتالوني في مايو 2013، يحتسب كدافع ضرائب في أسبانيا أو في موطنه البرازيل خلال ذلك العام. كما طالب القاضي سلطات الضرائب بتقديم معلومات حول الضرائب المفروضة على العقود المرتبطة بتوقيع نيمار وحول حجم الأموال التي يمكن اعتبارها «احتيالًا». وأمر القاضي والد نيمار بتسليم العقود والوثائق العائدة الى عدة شركات مرتطبة بالتوقيع مع نجله. ورأى القاضي أن هناك «إثباتات كافية للتحقيق بامكانية وجود جريمة ارتكبها نادي برشلونة لكرة القدم بحق الخزينة العامة». ويرى الادعاء العام ان برشلونة مدين لسلطة الضرائب بمبلغ 9.1 ملايين يورو في الاتفاقين اللذين عقدهما من أجل ضم نيمار من سانتوس، الاول في 2011 والثاني في 2013 حين تعاقد مع اللاعب وجاء به الى «كامب نو». ودفع برشلونة مبلغ 10 ملايين يورو الى شركة «ان اند ان» التي يملكها والد نيمار في اتفاق اولي يقضي بانتقال الاخير الى النادي الكاتالوني في 2014، لكن بطل اسبانيا قرر ان يستعجل عملية التعاقد مع اللاعب وتقديمها لكي يتمكن من ضمه في مايو الماضي بعد سلسلة من العقود المعقدة. ويرى الادعاء العام ان هناك «شبهات حول العقود التي تستحق على اقل التقدير ان يتم التحقيق فيها لاحتمال وجود جريمة ضرائبية ضد المال العام». ورفض برشلونة التعليق على المسألة قبل أن يحصل على الاستشارة القانونية، ثم أكد لاحقًا انه لم يخالف القانون في اي عمل قام به خلال اجراءات تعاقده مع نيمار، مؤكدًا نيته تبرئة اسم النادي الذي «نصب» نفسه رافعًا للراية الكاتالونية، المقاطعة التي وقفت في وجه الدكتاتور فرانكو (1939-1975)رمزًا، النادي الذي قدم مع مدربه السابق جوسيب غوارديولا (2008-2012) أسلوب «تيكي تاكا» أي تناقل الكرة بشكل متواصل وسلس. يحب برشلونة أن يقدم نفسه كيانًا «شاملًا وموحدًا»، من خلال مشاركته في مشاريع خيرية، تربوية او ثقافية. لكن هذه الصورة تغيرت بعض الشيء في نظر مشجعيه حول العالم بعدما قرر في 2010 استبدال شعار اليونيسف الموجود على قميصه باعلان مربح خاص بمؤسسة قطر «قطر فاوندايشن». هذه المسائل القضائية «تشوه هذه الصورة...»، هذا ما قاله الصحافي كيكي بينادو، مؤلف كتاب «اللاعبون اليساريون». فيما يخص من هو متهم بتشويه هذه الصورة، فالرد كان نفسه من ميسي أو نيمار وهو البراءة من التهم الذي تخلص منها برشلونة في ما يخص نجمه البرازيلي الجديد من خلال دفعه مبلغ 13.5 مليون لسلطات الضرائب في البلاد يوم الاثنين الماضي، فيما خرج زميله الارجنتيني بريئًا من التهم؛ لأنه كان في تلك الفترة في العشرين من العمره، ولم يكن على دراية بما يقوم به مستشاروه الماليون فيما يخص عائدات حقوق نشر الصور. لكن في بلاد طالت فيه فضائح التهرب من الضرائب العائلة المالكة بذاتها، فإن المبلغ الذي اضطر برشلونة لدفعه الى خزينة الدولة في ما يخص قضية نيمار، يعتبر نقطة في محيط مقارنة مع الملايين ال700 المستحقة لخزينة الدولة من أندية كرة القدم في البلاد التي تعاني بأكملها من أزمة اقتصادية.