لابد من تعميق الفهم حول طبيعة الصراع على ارض فلسطين.. وهل هو صراع ديني، صراع حضارات، صراع ضد اليهود، صراع ضد الاسلام كما يردد ايديولوجو البيت الابيض من المحافظين الجدد الذين يريدون شن الحرب على العالم والاستيلاء على المشرق العربي ، ..ام هو صراع مصالح.. منذ المؤتمر الصهيوني الذي انعقد في بال بسويسرا عام 1898، والذي اشرف عليه العلماني هرتزل، طرحت فكرة اقامة دولة لليهود لحل ما سمي بالمشكلة اليهودية في اوربا وخاصة في روسيا القيصرية حيث ارتكب القيصر وجلاوزته الكثير من الجرائم ضد اليهود في ردود فعل ضد الدور الذي يقوم به الرأسمال الربوي والعقاري والتجاري اليهودي.. وحيث ارادت الامبراطورية العجوز بريطانيا كسب قطاعات فاعلة في الاقتصاد الاوربي، فقد تبرع وزير خارجيتها باطلاق وعد بلفور.. الذي كان المدخل للسيطرة البريطانية على العراقوفلسطين بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى.. وبدأت حملات التهجير الكبرى لليهود من مختلف انحاء العالم لاقامة المستعمرات في فلسطين، وتداخلت الأمور مع بعضها البعض، من الافكار الاشتراكية لبناء مستوطنات تشرف عليها بعض الجماعات الاشتراكية اليهودية الى مشاريع يشرف عليها العمال الى بنوك عالمية تشرف على التهجير، الى مخططات مشتركة بين النازية والحركة الصهيونية، الى قادة شيوعيين يؤسسون لحركات يسارية في المشرق وآخرين موظفين لدى ادارة الاحتلال البريطاني.. لكن الوجه الاساسي لكل هذه الحركة المتعددة الأوجه هو الرأسمال الغربي وبالتحديد البريطاني الذي اراد الدخول الى المشرق عبر بوابة فلسطين والخليج ومنفذه العراق. وبالتالي فان الحركة الصهيونية وبعد ان حققت نصرها في فلسطين عام 1948، وضعت على عاتقها مهمة اقامة دولة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات. حققت الدولة الصهيونية اكبر توسع لها في حرب يونيو 1967، لكن حرب اكتوبر 1973 قد شكلت صدمة كبيرة لغلاة الصهاينة ومؤسسيها حيث تمكنت الجيوش العربية من تحرير بعض الارض واجبار اسرائيل على التراجع.. وبالتالي فقد بات المستقبل مشوبا بالخطر اذا توحد العرب واذا استخدموا النفط سلاحاً في معركة التحرير، واذا اصروا على تحرير كامل اراضيهم المحتلة!!. لقد تراجع مشروع التوسع لهذا الكيان منذ حرب اكتوبر، واضطر ان يتراجع عن سيناء (حيث جاءت القوات الامريكية لتشرف على بعض المناطق) ثم تراجع عن بيروت، فالجنوباللبناني.. خاصة بعد الانسحاب غير المشروط الذي قام به العدو الصهيوني عام 2000 إثر المعارك البطولية للمقاومة الوطنية والاسلامية في لبنان، وبالرغم من فداحة التنازلات في اوسلو، فقد اعترف القادة الصهاينة انهم يتفاوضون مع ممثلي الشعب الفلسطيني (بعد أن كانوا يرددون بأن فلسطين ارض دون شعب.. لشعب بلا أرض!!)، وان عليهم الاقرار باعادة بعض الاراضي التي احتلوها. ولم يعد مطروحاً تحقيق حلم ارض اسرائيل من النيل الى الفرات.. بل كيف تحافظ اسرائيل على ما لديها.. وكيف تعيد رسم دورها في خارطة جديدة للشرق الاوسط الذي لا يريد الغرب الا ادماج المشرق العربي ضمن خارطة تشمل ايران وتركيا حتى مسمى (الشرق الاوسط الجديد)!!. هنا برز شيمون بيريز بعد حرب الخليج الثانية التي كشفت أي دور تقوم به هذه القاعدة الاستيطانية.. حيث فرضت عليها امريكا خلال تلك الحرب ان تستسلم ولا ترد على أي صاروخ عراقي.. قد يخربط كل معادلة التحالفات الامريكية.. وبرز بوضوح الدور الاسرائيلي في المخطط الامريكي، قاعدة للتهديد المستمر ضد قوى التحرر والتقدم العربية وضد أي مشروع وحدوي عربي... برز بيريز بكتابه الشهير (الشرق الاوسط الجديد) حيث اعطى اسرائيل دور المهيمن اقتصادياً على المنطقة، وبالتالي باتت اسرائيل الكبرى كبرى اقتصادياً، ومهيمنة اقتصادياً وتتحكم في القرار العسكري والامني والسياسي في المنطقة.. وتفتح امريكا لها الابواب عبر المؤتمر المتعدد الاهداف الذي قبره الليكود منذ انتصار نتنياهو وتوقف محاولات التطبيع الامريكية للدول العربية مع اسرائيل! بل ان الأدهى من ذلك ان يقوم الصهاينة ببناء جدار عازل بينهم وبين فلسطينييالضفة الغربية مستقطعين اجزاء كبيرة من الضفة، معيدين الى الأذهان سياسة المعازل العنصرية التي شهدتها جنوب افريقيا وجدار برلين الذي شكل عنوان الازمة في البلدان الاشتراكية حيث انهارت المنظومة بعد ذلك عندما هدمت الجماهير ذلك الجدار الذي لا يمت الى الاشتراكية بصلة وانما الى نمط مستبد من رأسمالية الدولة الذي اقامتها الاحزاب الشيوعية في اوربا الشرقية. وفي السنوات الاخيرة وحيث تواصلت الانتفاضة الشعبية واتخذت مسارات متعددة لها، بدءاً من العمليات الاستشهادية مرورا بالعمليات العسكرية التقليدية، وانتهاء بالتحركات الشعبية الواسعة، فقد وجد شارون ضرورة خلط الاوراق والاشارة الى الانسحاب من غزة، مما اثار مرة اخرى غلاة الصهاينة الذين وجهوا اليه تهمة خيانة المشروع الصهيوني، ودعوا الى العصيان المدني ورفض اوامر الحكومة في الانسحاب.. بل ان البعض اشار الى ان شارون يسهم في تدمير اسرائيل بخطة الانسحاب من غزة وبعض المستوطنات من الضفة.. ذلك يعني بوضوح ان المقاومة الوطنية الفلسطينية والعربية لهذا المشروع الاستيطاني العنصري التوسعي قد حققت نجاحات كبيرة، اجبرت العدو على التراجع عن مشروعه الاساسي، وبدأ التفكير بالهيمنة الاقتصادية .. وهي مسألة تحتاج الى نقاش حول قدرة هذا الكيان على منافسة البضائع الصينية او الهندية او شرق آسيا في كافة المجالات حيث لا يمكن القول بأنه متقدم في تقنية المعلومات امام التطور المذهل لهذه التقنية في الصين او اليابان.. اذا تجاهلنا امكانية التطور العربي في هذه الصناعة.)