أذكر قبل أكثر من سنة ، في زيارة لإحدى المناطق أن رجلاً "بديناً" كان يقلنا من مكان إلى مكان حيث موعد شبه رسمي ، وتحدث عن تجربة مر بها مع حزام الأمان . كان وقتها القرار و "الحملة" في أوجها ، قبل أن ننسى ! يقول البدين : صار لي حادث و لم أستطع الخروج من السيارة ، والسيارة تشتعل ، " فكّني الله " حين تذكرت سكيناً في جيبي ، وهو بالمناسبة من إحدى المناطق التي تُفاخِر باقتناء الأسلحة البيضاء ، لأني لم أستطع فكّ " حزام الأمان " ....وسلِمت! قد يأتي من يقول : لو لم يربط حزام الأمان لربما حدث ما هو أشنع . وفي هذه الحالة ، يمكن القول بأنه لو لم ينقذ نفسه بحد السكين لربما لم يحكِ لنا الحكاية كلها ، وربما اختلفت الرواية عن رجل سمين يقتني سكيناً في طريق يربط بين مدينتين . قرار الإلزام بربط حزام الأمان الذي صاحبه الكثير من الأسئلة المبتكرة والساخرة، حول جواز عدم ربط الحزام للمرأة الحامل، وللمرافقين في " مراتب ورى " من الأطفال ، ولكبار السن ، لم يكن هو القرار الأول ولا الأخير الذي ينظم " سير " المرور بعشوائية مطلقة! نحن نعرف أن المتضرر من عدم ربط حزام الأمان في حالات الحوادث هو السائق غير الملتزم . وربما يتحول إلى حالة " عناد " مثل صاحبنا البدين الذي " حَلَف " ألا يربط حزام الأمان بعد حادثة الكرش والسكين . بينما يبقى النظام المروري من غير تطبيق في الكثير من الجرائم التي يتضرر منها الغير مباشرةً ! ترى كم مخالفة مرورية ترتكب يومياً وتحتاج إلى قرارات إلزامية وعقاب ؟ كم مخالفة ترتكب " ضد " سائق ملتزم وتكاد تودي بحياته وحياة من معه ؟ وهل استطاع المرور أن يصدر فيها قرارات إلزامية ، وعقابا يتجاوز مرحلة المخالفة ونسخها المتعددة ، التي تشبه سندات قبض ؟ ربما لم نعد ننتظر أن تتحول المسألة إلى حالة وعي مروري بعد أن فشل الحزام وفشلت إشارات المرور والأرصفة وممرات الحالات الإسعافية ، وتلك لها حكايتها الغريبة ، التي " تنسد " في الطرق السريعة عند حدوث اصطدام صغير لأن هناك من يريد الوصول قبل الجميع دائماً ؟ الحالة المرورية في شوارع المدن وأرصفتها وممرات مشاتها يمكن اعتبارها أسوأ حالاتنا المدنية ، ويجب ألا نقارن بيننا وبين مدينة لا يوجد بها سوى إشارة مرور واحدة وعشرات السيارات . أقرب دولة من حدودنا تحترم وضع نظام مروري متكامل ومُلزِم ويطبق على الجميع دون استثناء . لنذهب معاً إلى أقرب " دوار " في أي مدينة من مدننا ونقرأ الشعار الذي يلوّح به قائدي السيارات القادمين من كل اتجاه إذا لم تحترم قوّتهم وحواجبهم المنفوخة ! نذهب إلى أقرب طريق سريع لنكتشف أن " أكتاف " الطريق والذي نعرف بأنها مخصصة للحالات الإسعافية والطارئة لتتمكن أي سيارة رسمية من بلوغ المكان دون وجود عوائق ، ولهذه الأكتاف حديث آخر مطوّل بعد أن رضخ النظام المروري للمتهورين بذريعة فكّ الاختناقات في بعض الطرق السريعة. نذهب إلى أقرب منطقة مشاة عند إشارة مرور . أقرب إشارة مرور عند تجمع مدارس . النظام المروري نظام عالمي واضح المعالم ، لكنه لدينا مجرد " ديك يؤذّن ولا يصلي " مثلما يقول المثل العامي . نسمع أن هناك مرورا ونشاهد دوريات بأنواع مختلفة، مثلما نسمع بأن هناك محاكم مرورية سينتهي العمل بها قريباً ! وكل ما نحتاجه من ديكنا العزيز أن يبيض ولو مرّة واحدة لنرى عقاباً واضحاً وصارماً لكل من يستسهل حياتنا ويرفع المعدلات التي تشير إلى أننا بلا نظام وبلا وعي . الوعي لن يأتي اعتباطاً مالم يكن هناك عقاب لمرتكب الجريمة مع الاعتذار للحرية المتعلّقة بالأذى والموت المجّاني . نعرف جميعاً أن أحمال المرور ثقيلة أمام كثافة أخطاء لا تحدّ لكن أحمالنا لسلوك التهوّر اليومي أرهقت أكتافنا بالخوف.. الخوف من الجهل.