متفقون على أن الوعي المروري لا يمكن أن يتحقق إلاّ بتطبيق النظام بصرامة، وعدالة، وقبل ذلك تهيئة مجتمعية للتغيير، وتجاوز المخالفات، وحفز الذات على الانضباط، إلى جانب تهيئة فنية للطريق من لوحات كافية، وعلامات واضحة، وأرصفة، وإنارة. والواقع أن لدينا تجارب عدة لتنمية وعي المجتمع، بل أسابيع وحملات مرورية، ولكن النتيجة كانت أقل من الطموح المتوقع، حيث لا تزال السرعة الجنونية تحصد الأبرياء، والتهاون في قطع الإشارة دون أدنى حس أو مسؤولية، إلى جانب الخروج على نص النظام وروحه بتجاوزات خطيرة في القيادة، والتهور، والإساءة إلى الطريق وأفضليته للآخر، كذلك السياقة دون تركيز، حيث الانشغال بأجهزة الاتصال. وجاء نظام "ساهر" كبديل تقني وصارم لا يقبل التدخل، وحقق نتائج جيدة، ولكن تطبيق النظام من "جيب المواطن" ليس حلاً للتغيير، وتنمية الوعي، بل يراه البعض استفزازاً لهم، ومحاولة للكسب المادي على حسابهم، مستدلين أن النظام لم يأخذ وقته الكافي في التطبيق، وتنبيه السائقين، كما أن الشوارع غير مهيأة، وتحديد السرعات لم يكن منطقياً. ويبقى السؤال: هل زاد الوعي المروري مع مخالفات "ساهر"؟، وكيف يمكن تنمية ذلك الوعي في المجتمع بطريقة غير مستفزة للبعض؟. الوعي المروري تُعد مشكلة قصور الوعي المروري لدى غالبية السائقين من المشاكل التي تتسبب في كثير من الخسائر المادية والبشرية، مما ضاعف أعداد الحوادث المرورية مع تنامي العدد السكاني، وقلّل من نسبة المحافظة على الممتلكات العامة والخاصة، حيث يغيب عن بعض السائقين استشعار مسؤولية التزام النظام في الطرقات أو الشوارع داخل المدن، ويتضح ذلك جلياً بكثرة أعداد المخالفات المرورية، وتحديداً من نظام ساهر، وكثرة أنواعها دون أن يغيّر ذلك شيئاً في الوعي المروري. ثقافة غائبة وأكد "بدر العنزي" على أن افتقار عدد من قائدي المركبات إلى الوعي المروري التي تحفظ حقوق الآخرين، بحيث يوقف أحدهم سيارته في موقف خاطئ، أو يغلق السير على سيارة أخرى دون أن يحترم حقوق صاحب المركبة التي أوقفها صاحبها نظامياً ولا يعرف ما هي ظروفه، مبيناً أن البعض لا يزال يصر أن يرفض نظام ساهر، دون أن يغيّر من التزامه بأنظمة المرور. سيارة ساهر فوق الرصيف يراه البعض استفزازاً للسائقين..(من يطبق النظام يخالفه) حزام الأمان من جهته، بيّن "أحمد الدوسري" أن انعدام الوعي المروري ملحوظ بعدم ربط شريحة كبيرة لحزام الأمان، وعدم احترامهم إشارات المرور، إلى جانب وقوفهم الخاطئ، فضلاً عن التجاوز الخاطئ والسرعة الجنونية، والدخول في تقاطعات كبيرة دون خفض السرعة، مما قد يعود بالضرر على المركبة وصاحبها بالخطر، منوهاً أن من السلوكيات الخاطئة في الوعي المروري تتجسد إيقاف السيارات بشكل خاطئ في عرض الشارع أو فوق الأرصفة. تأمين سلبي وأكد "د.عبدالحميد المعجل" -عضو لجنة السلامة المرورية بالمنطقة الشرقية - على أن الوعي المروري لدى أغلب السائقين ضعيف جداً، حيث إنه يوجد معلومات عديدة لا يعرفها كثيرون وهي مهمة، متسائلاً:"هل التأمين التعاوني أعطى تأثيراً عكسياً؟، فبدلاً من تحقيق هدف حفظ الحقوق ومساعدة الكثير عند وقوع الحوادث المرورية نجد أن قائد المركبة لا يمنح اهتماماً بالأنظمة مثل السرعة، أو الدخول المفاجئ، أو عدم إعطاء الأولوية في الدوار، أو ما شابه ذلك"، منوهاً بأهمية التوعية المرورية مع ضرورية استمراريتها، لكي تتوافق مع الجهود الكبيرة التي تنفذها إدارات المرور والدوريات الأمنية، مطالباً بتظافر جهود كافة الإدارات الحكومية في طبيق الأنظمة والتعليمات، مشيراً إلى أن الغرامات تستطيع فرض الوعي المروري بشكل كبير جداً، إلى جانب دور وسائل الإعلام في زيادة حجم الوعي واستمراريته؛ للتقليل من الخسائر السنوية. خسائر طائلة وذكر "م. سلطان بن حمود الزهراني" -مدير برنامج السلامة المرورية بارامكو السعودية- أن حوادث المرور تشكل هاجساً كبيراً؛ لما تسببه من خسائر في الأرواح والممتلكات، حيث إن المملكة تعد من أعلى دول العالم أعداداً في وقوع الحوادث والوفيات، حيث يقع حوالي نصف مليون حادث سنويا، ويتوفى سنوياً أكثر من 7000 شخص، إضافة إلى إصابة اكثر من 35 ألف شخص باصابات بليغة، مبيناً أن نشر مستوى الثقافة المرورية هو أحد المحاور التي تركز عليها "لجنة السلامة المرورية بالمنطقة الشرقية" التي تم تأسيسها برئاسة صاحب السمو الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد نائب أمير المنطقة الشرقية، وعضوية عدد من الدوائر الحكومية المعنية بالسلامة المرورية إضافة إلى أرامكو السعودية، حيث يهدف هذا المحور إلى تعديل الأنماط السلوكية الخاطئة الخاصة بالقيادة واستخدام الطريق لدى جميع الفئات، إلى جانب دعم السلوكيات الإيجابية من خلال نشر وزيادة الوعي عبر قنوات مختلفة مثل تنظيم وإقامة حملات لجذب الفئات المستهدفة، وورش عمل، ومسابقات للسلامة المرورية، مبينا أن مستوى الثقافة المرورية في المجتمع يختلف من شخص إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى، داعياً وسائل الإعلام إلى تكثيف الاهتمام بالتوعية المرورية. رجل المرور السري خلال تسجيله لمخالفة سرعة قصور متفاوت وبيّن "م.الزهراني" أن الآراء تختلف حول ما يتعلق بأسباب قصور السلامة المرورية، لأن ذلك له علاقة بالتكوين الشخصي لكل فرد ومستواه التعليمي والمعرفي وأحساسه بالمسؤولية، إضافة إلى مدى إطلاعه ومعرفته بأصول وأسس السلامة المرورية، إلاّ أنه أكد على أن الضبط المروري يعد أهم وسيلة للحد من الحوادث المرورية، متزامناً مع حملات التوعية المؤثرة والمستديمة، موضحاً أن أهم الأسباب التي تؤثر على السلامة المرورية هي السرعة الجنونية، وقطع الإشارة، والانشغال بالجوال أثناء القيادة، مشيراً إلى أن عدم ربط حزام الأمان سبب رئيسي في زيادة عدد الوفيات والاصابات، موضحاً أن هناك اشخاصاً لديهم قصور تجاه التزامهم المروري في المملكة، إلاّ أنهم اكثر التزاماً في الخارج؛ لفعالية الضبط المروري، وخوفاً من العقاب. كاميرات ساهر المنتشرة لم تسبقها حملة توعوية كافية واقترح تقديم حلول شاملة ومنظمة، للتعرف على أهم الصعوبات التي تسببت في قصور الوعي المروري، ثم تقديم أفضل الحلول المتاحة، مضيفاً:"تم تبني أربعة محاور رئيسة تعمل بشكل متكامل، تتضمن محور التعليم والتوعية وتعديل الأنماط السلوكية الخاطئة الخاصة بالقيادة، ومحور تطبيق القوانين المرورية ودعم كفاءة الأجهزة المعنية وتزويدها بتقنيات الضبط المتقدمة، ومحور التصاميم الهندسية ومراجعة تصاميم الطرق وتحسين واقع الهندسة المرورية، إضافة إلى محور الاستجابة للطوارئ المرورية وتحسين واقع الخدمات الإسعافية لضحايا الحوادث المرورية"، موضحاً أن الغرامات المالية لن تعمل وحدها دون تكاملها مع منظومة ومحاور السلامة المرورية الأخرى، مثل حملات وبرامج التثقيف والتوعية والتعليم، ورفع كفاءة إدارة الحركة المرورية وتحديث الإشارات المرورية، ووضع أجهزة لمراقبة أنماط السير على الطرق، ومراجعة تصاميم الطرق والتقاطعات الخطرة كثيرة الحوادث، إضافة إلى دعم كفاءة الأجهزة المعنية في إدارة المرور ومنسوبيها وتأسيس مراكز للمراقبة والتحكم على الطرق السريعة وداخل المدن.