يحث ديننا الحنيف على الحوار، لأنه المفتاح إلى التفاهم والوصول إلى الحلول الصحيحة، وهذا الحوار يقتضى الاتفاق على الثوابت، وإلا سندخل في جدل عقيم لا طائل من ورائه، وعلى كل طرف ألا يظن أنه يملك الحقيقة المطلقة، لأن هذا يقطع فرصة التواصل بين الطرفين أو الأطراف المتعددة.. والحوار يستلزم استخدام الأسلوب العلمي والتعامل بلغة العقل والمنطق، أما غياب هذه اللغة فإنه طريق لا يسلكه إلا اصحاب الآراء الخاطئة.. النقاط السابقة ركز عليها الكاتب في مقاله. لقد حظي الحوار كما ذكرنا سابقا باهتمام كبير في القرآن الكريم، ولقد ذكر القرآن الكريم في مواضع كثيرة حوار المرسلين مع أقوامهم كحوار سيدنا ابراهيم عليه السلام مع أبيه آزر، وحوار سيدنا موسى عليه السلام مع بني اسرائيل وحواره مع فرعون وكذلك حوار سيدنا عيسى عليه السلام مع قومه، وهذا ينطبق على كافة الرسل، كذلك حظي الحوار باهتمام كبير في السنة النبوية، لقد حوت كتب السنة مئات الأحاديث التي أجرى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم حوارا مع الآخرين. لكن اللافت للنظر أن كلمة حوار يرددها الجميع، وهي حديث كل مجلس، وموضوع كل نقاش، ولا يختلف أحد على أهمية الحوار. وهنا تكمن أزمتنا، ندعو للحوار ولا نتحاور، ونؤمن بأهميته ولا نسعى له. إن من أهم شروط نجاح الحوار أن تكون هناك جدية في أهمية الحوار، كذلك جدية في الحوار البعيد عن السجال العقيم القائم على قاعدة الأحكام المسبقة التي تقتل الحوار قبل أن يبدأ، فالحوار يتطلب وجود تباينات واختلافات في الفكر وفي الرؤى وفي الاجتهاد، الحوار يجب أن ينطلق من قاعدة جوهرية هي البحث عن الحقيقة، فليست مهمة الحوار إلغاء الطرف الآخر أو الغاء التباينات والقضاء عليها، إن المهمة الحقيقية للحوار هي أن يعرف المتحاورون أين يتفقون وأين يختلفون. فلا يجوز أن يخضع الحوار لأهداف تجعل منه وسيلة للقضاء على الطرف الآخر، فلا يوجد هناك طريقة أنجع لقتل الحوار من أن يفكر كل طرف في الانتصار على الطرف الآخر وإلغائه، لأن النتيجة ستنتهي بانهزام الطرفين. لذا فأولى حقائق الحوار الايمان بأن هناك اختلافات بين الأطراف المتحاورة، ومناقشة تلك الاختلافات على أسس علمية بعيدة عن كل تعصب، وكذلك معرفة نقاط الاتفاق ونقاط الخلاف هي الخطوة الأولى نحو نجاح الحوار، فالحوار يقوم بين أفراد يحمل كل منهم آراء متعارضة، لذا فيجب أن يعبر المحاور عن وجهة نظره بحرية، فالحوار إذا قام بين أطراف يؤمن كل طرف أنه امتلك الحقيقة المطلقة، انتهى قبل أن يبدأ، فإذا أراد المتحاورون أن يحقق الحوار أهدافه فيجب أن يبدأوا البحث عن الحقيقة في وجهة نظر الآخر. وهذا لا يمنع أن يؤمن الفرد بأنه على صواب، وأن لديه حجة دامغة، وبرهانا قويا، ولكن يجب الإيمان بأن الآخر ليس على خطأ، فليس هناك أسوأ من محاولة طرف إذابة آراء الآخر في إناء رأيه لأن هذا احتكار للحقيقة ونفي لوجهة النظر الأخرى، لذا فلكي ينجح الحوار يجب أن يفهم كل طرف الآخر. وفهم الآخر يجب أن ينطلق من قاعدة عدم الاستيلاء عليه، بل يجب اكتشافه، اكتشاف العوامل المشتركة التي يجب أن تعمل كل الأطراف على تقويتها لتكون جسورا تقرب ولا تبعد. يجب أن تكون هناك أيضا ثوابت يتفق عليها الجميع فغياب تلك الثوابت يجعل الحوار يدور في حلقة مفرغة لا تؤدي إلا إلى الجدل العقيم. هناك أيضا أسلوب يتخذه البعض وهو اثارة النوازع السلبية عند الآخر، هذا الأسلوب لا يفضي إلا إلى تعطيل الحوار. فنجاح الحوار مرتبط باستخدام الاسلوب العلمي، ولغة العقل والمنطق، لذا يجب أن يقود الحوار عقلاء القوم وعلماءهم، لأن غياب لغة العقل والمنطق لن يحل مكانها إلا لغة التهكم والاستهتزاء، والتجريح، وهذه لغة لا يلجأ إليها إلا أصحاب الرأي الخاطئ والمكابرون كما أن هناك نقطة هامة يجب أن يهتم بها المتحاورون وهي أن لكل حوار موضوعا، وكل موضوع يحمل معه مشاكل عديدة هي في الغالب سبب التنافر والتباعد، فالخطوة السليمة أن يبدأ الجميع حوارهم بتشخيص تلك المشاكل ومناقشة جذورها وأبعادها وتأثيراتها، ثم تقديم أفضل الحلول المشتركة التي تفتح أبوابا للتفاهم كانت مغلقة، وتقود للتغيير الايجابي الأمثل الذي يقرب بين الجميع ويدفع بهم للتعاضد والعمل المشترك. هناك أيضا نقطة أخرى وهي أن الحوار إذا كان يبدأ بحوار الكلام والنقاش فيجب أن ينتهي بحوار العمل لأن الحوار الذي لا يغادر حدوده النظرية سينتهي حتما إلى لا شيء، فالحوار الذي لا يقود إلى العمل الذي يحسه الجميع وتعيشه كل الشرائح حوار لاخير فيه، إن المنهجية المطلوبة في كل حوار هي منهجية (الذين يستمعون القلو فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب). وللحديث بقية