أثار عمل الفنان زمان محمد جاسم الذي شارك به في معرض جماعة الفنون التشكيلية بمركز الخدمة الاجتماعية بالقطيف الجمهور والفنانين، ومتابعي المعارض التشكيلية، ذلك ان هذا العمل من الاشكال الجديدة التي لم يسبق عرضها على مستوى المنطقة الشرقية - على الاقل - وبالتالي فان التساؤل يكون مشر وعا، فطالب البعض بالايضاح والبعض الآخر بالتصنيف، ثم ماذا وراء عمل كهذا والجمهور او الفنانون اعتادوا في المعارض المحلية مشاهدة اعمال نحتيه او تصويرية (معلقة) بجانب الانماط الاخرى المعروفة. احتلت فنون ما بعد 1945 اهتماما، ازدادت معه التسميات والمصطلحات والتصنيفات والواقع ان الساحة التشكيلية العربية لم تواكب هذا المستحدث الا من خلال بعض الفنانيين العرب المقيم معظمهم خارج البلدان العربية ، خلاف ما قدم في البيناليين العربيين الشهيرين (بينالي القاهرة الدولي للفنون، وبينالي الشارقة الدولي للفنون) اللذين اتجها في دوراتهما الاخيرة الى الحداثة الفنية او ما يمكن تسميته (الفنون الجديدة) ، وعندما نقول الحداثة فقد التبس لدى كثيرين تسميات (المعاصرة والحداثة، والجديدة) وعندما ألف الآن باونيس كتاب الفن الاوروبي الحديث وهو من ترجمة فخري خليل ومراجعة: (جبرا ابراهيم جبرا) انتهى الى التعبيرية التجريدية.. وما بعدها ثم الى النحت مشيرا الى انه (ليس بالامكان ان تناقش تطور المنحت الذي حققه الجيل الذي اعقب جياكومتي ومور وهيبورت وسمث في عبارات قليلة، وكذلك الامر للرسم.. في بعض البقاع النشطة التحمت الفنون بعضها ببعض كما شاهدنا في حالة التجميعات التي تفترض الابعاد البيئية شاغلة الفضاء، او فكرة الفن المدرك الذي انكر الشيء الفني كليا، كان اكثر ما نفع النحاتين مثل برانكوزي في التركيز المفرط يوازيه تحلل الشيء المنحوت الذي ضمنه في منتزه (يترغو/ جيو) هناك اذا منحوتات تفترش الارض ومنحوتات مصنعة من اجزاء متعددة منفصلة في الفضاء احيانا، تستغل اشياء بسيطة جدا مكررة عدة مرات، احيانا صار استخدام القياسات الكبيرة شائعا حتى ولو اقتصر على اجهاض الميل الى قراءة الحضور الانساني في العمل التجريدي، وكذا كانت الافادة اعم من المواد التشكيلية الجديدة التي سهلت صنع اشكال جديدة، لقد تنامى التعبير النحتي متواصلا في اعقاب الفورة التي احدثها رود ان، كانت بداية جديدة لنشاط مبدع رفع النحت فنا من فنون القرن العشرين العظيمة. عقد بنيالي القاهرة الدولي في دورته عام 1992 ندوة موازية عنوانها (حول قضايا مصطلحات الفن) استضاف فيها العديد من الباحثين والنقاد والفنانين من داخل الوطن العربي وخارجه، وعبرت الندوة عن الاشكاليات العديدة التي تواجه الفنان او الباحث او الناقد العربي، حتى ان الفنان احمد فؤاد سليم وهو رئيس الورشة الفنية والثقافية الدولية الموازية للبينالي الرابع أقر انه (ما بعد 1945، وقبله بقليل، فان عالما غاصا من مصطلحات الفن واشتقاقاته وترجماته فاضت به الموسوعات والقواميس ولكن جانبا كبيرا منه ظل غامضا وملحوظا وبعضه ظل ضنينا بفحواه من فرط التفريع وبعضها ضاع في رحلة الترجمة والتصفية الادبية للغة السرد وبعضها الاخير غاب في ذلك التباديل المتوافقة المتساوقة في صياغة الجملة الدلالية من موطن المصطلح الى الموطن الذي تم نقل المصطلح اليه. هنا العديد من المصطلحات الجديدة التي لم يصل كثير منها الى المتابعين او حتى كثير من الفنانين البيومورفية، الفن الحي، اللاتشخيصية التجريدية الغنائية، المينمال، الموبيل، فن الارض، التجميعية، التقطيعية، الحدث المفاجئ، الفن المساحي، الفن التصويري، العمل الفني سابق التجهيز، العمل الجاهز، الفن الحركي، التجهيز في فراغ معد، حركة فلوكس، الفن الاعتدالي، الفن المفاهيمي، الادائية، ما بعد المفاهيمية.. والقائمة طويلة.. وفي بنيالي فينسيا الدولي في دورته عام 1995 فازت مصر بأفضل جناح، كان قد شارك فيه ثلاثة (معماري، نحات، مصور (رسام) وا لثلاثة عملوا جهزهم في مكان مخصص لفترة طويلة. يقول الناقد جيوفاني كاراندنتي وهو مدير قطاع الفنون البصرية في بنيالي فينيسيا الدولي ان (الحقب الثلاث الاخيرة صارت عمليات تواصل الفن متعجلة وسريعة، بينما كانت الستينات شاهدا في كل من اوروبا والولايات المتحدةالامريكية على الضرورات الملحة في تأكيد اتجاهات جديدة معتبرا انه في برلين (ألمانيا) فتحت مجموعة فنانين بينهم (بويز وبنك وباز مليتز ولوبيرتس) الطريق الى لغة جديدة في عالم الفن، وان بعضهم مثل (بويز) حطم الحدود التي كانت مهمة بين التصوير والنحت مثلما فعل مارسيل دوشامب قبل ذلك، ومعتبرا ان الفن في نهاية الثمانينات صار اكثر عمومية عما كان في الماضي القريب، فقد بات متنوعا بين التصوير والتصوير الضوئي ومن التجهيز على فراغ الى عالم الالكترونيات ومن الاجتماعية الى التزيينية ومن المينمال الى الكونسشوال (المورك) واخيرا وليس اخرا الكيتش. يرى الناقد والباحث الانجليزي (ادوارد لوسي سميث) ان الفنانين المعاصرين احرار في التعامل مع صنع الفن بطرق متباينة جذريا والحق ان كل الاساليب من التعبيرية التجريدية الى التشخيص التقليدي قد افرزت دعاة لها سواء في الجيل الاحدث ام الاقدم، ويستمر التجديد والابتكار، لكن منذ ظهور الفن الشعبي (البوب) لم يحصل اجماع في الرأي على الصورة التي ينبغي على العمل الفني الطليعي ان يبدو عليها او حتى ما ينبغي عليه محاولة فعله، وهكذا نجد انه في طرف قصي يتم التأكيد فيه على الذهنية الخالصة، يقبع الفن الذهنوي الذي ساد في الستينات والسبعينات في الطرف المقابل، نجد الضجة العاطفية التي تنادي بها التعبيرية التجريدية. يضيف (سميث) في كتابه ما بعد الحداثة: الحركات الفنية منذ 1945 (كان الفن الذهنوي اساسا فن انساق فكرية مضمنة في اي وسائل يراها الفنان ملائمة ، ولوحة جوزف كوست (كرسي واحد وثلاثة كراسي) لعام 1965 خير مثال على ذلك. هذا الفنان (كوست) اعلن ان جميع الاعمال الفنية بعد مارسيل دوشامب هي اعمال (مفاهيمية) بطبيعتها لان الفن خلق مفاهيميا، مضيفا ان الفن غير موجود في الاشياء، الاشياء ثانوية، اما الفن فهو موجود في مفهوم الفنان عن العمل الفني. اظهر بينالي الشارقة في دورته السادسة (الاخيرة) اهتماما غير مسبوق بالفنون الجديدة فكانت الصورة الضوئية والاعمال المجهزة في الفراغ واعمال الفيديو.. (الخ) وخلقت هذه الدورة اختلافا مع غياب واضح للفنانين العرب الا ضمن اختيارات محدودة ومقننة. سبق بعض فناني دولة الامارات العربية المتحدة بعضا من الفنانين العرب في الانحياز الى الفن الجديد، تمثل ذلك في انجازات الفنان حسن شريف، وهو اب الحداثة الجديدة في التجربة التشكيلية الاماراتية المبكرة، وحتى الخليجية ومنذ الثمانينات عندما تخلى عن لوحة الحامل لحقه جيل شاب حمل نفس الهاجس والطموح. محمد كاظم، حسين شريف، محمد احمد ابراهيم، آخرون من جيل شريف مثل محمد يوسف ، حرر حسن شريف مطبوعة اسماها آلات حادة لصنع الفن، واخرى بعنوان الفن الجديد، ذلك عام 1995 برعاية بينالي الشارقة في دورته الثانية. هذا الاهتمام تلته محاولات كانت اكثر وضوحا في التجربة البحرينية ثم العمانية ووجدت اصداء محدودة في بعض دول الخليج العربية. وتنوعت اهتمامات الفنانين الاماراتيين ممارسي هذا النوع المستجد في البداية لقلة الخبرات لكن الفنان حسن شريف كان له دور واضح في تقليل الفجوة مع الممارسين والمتلقين، يذكر خالد بدر وهو شاعر واعلامي (اماراتي) دعوة الفنان حسن شريف لزيارة معرض نظمه تحت عنوان (معرض اليوم الواحد) في الشارقة. (عندما وصلنا الى المكان لم نجد معرضا بل تلقينا الاعمال الفنية في الممر المؤدي الى مرسم (المريجة) على الارض الطينية). كنا نحاول يقول خالد بدر تلافي دروس اوراق ثبتها حسن شريف على الارض تحتوي رسومات بها مربعات وخطوط وارقام وبقربها منحوتات جبسية لعبدالرحيم سالم. لم أكن شاهدت بالعين سابقا اعمالا فنية كتلك الاعمال، كانت الدهشة كبيرة، وكبرت الحيرة عندما سألت حسن شريف عما يقصد بهذه الاعمال فأجاب انه لا يقصد بها شيئا سوى تقديمها الى المشاهد، قلت ولكن يمكن للزائر ان يدوس هذه الاعمال. اجاب وماذا في ذلك، فليدسها. ينقل ادوارد لوسي سميث رأيا لانتوني كارو يقول فيه لصحيفة عام 1968 افضل في الحقيقة ان اجعل نحتي نابعا من سقط المتاع من شيء تافه في الواقع، قد يكون مجرد صفائح تقتطع انت جزءا منها، ومعظم النحت الذي افعله هو حول الامتداد، وقد يكون احيانا حول السيولة، او شيء من هذا القبيل، واعتقد ان على المرء ان يحافظ على مخافة ان يصبح شيئا لا شكل له. يعتبر الفنان والباحث اللبناني د. محمود امهز في كتابة الفن التشكيلي المعاصر 1870 - 1970 (ان واقع الانسان الغربي المعاصر في مجتمع رأسمالي همه النفع والاستثمار يدفعه للبحث عن بعده الانساني الحقيقي)، ولعل الهاجس الرئيسي لدى بعض فناني المفاهيمية هو ان يعيد بناء داخل محرر من اية قيود انطلاقا من التحليل المنهجي للعالم الخارجي وبحيث ان العمل الفني يتحول الى مرآة يمكن للفنان المبعد عن الواقع ان يرى نفسه فيها، وينقل ان جوزف بويز اوجد كما قال : نحتا اجتماعيا واعطاه بعدا اجتماعيا فهو يدرك في كل شيء المبدأ التشكيلي المتجلي فيه عرفت الساحة التشكيلية المحلية الاعمال الجديدة كبدايات بعضها كان على استحياء وبمحدودية لعل المحاولة المبكرة للفنانين فهد الحجيلان ونايل ملا في دورة سابقة في بينالي القاهرة مؤشر على طموح لتناول اوسع واكثر معرفة بما هيته، وهو ما حدث فعلا عندما أنشأ (ملا) عمله في بينالي القاهرة الدولي - الدورة الأخيرة - ويحصل على جائزة تحكيم. الفنان بكر شيخون كانت محاولته اكثر تقنيا وحرصا على الاكتمال منذ البداية. أنشأ عمله السلم المقلوب وعرضه في القاهرة، وكذا بينالي الشارقة مع بدايات هذا العقد، كان قبل ذلك انجز اعمالا نحتيه عر ضها في معرض شخصي له في جدة، ثم في احدى دورات بينالي الشارقة. وقدم احمد منشي عملا مباشرا في احد العروض المحلية بمدينة جدة، لكن فنانا مثل صالح الزاير عرض اعمالا قد تصنف نحتية على الارض، قدمها منذ اعوام، وكما اشار الى انها من بقايا قطع حجرية او حديد، او خلافه عمله الملفت في المعرض الجماعي لجماعة الفنون التشكيلية بمركز الخدمة الاجتماعية بالقطيف كان يعبر عن المنزع التحديثي (التجديدي) في عالم النحت وهو الذي مارس الخزف، وربما لم يزل يمنح الخزف اهتماما كبيرا. عبر عمله الاخير، وقد سبق عرضه في مدينة الرياض عن هيئة آدمية. كون خاماتها من قطع حجر اورخام وحديد قطع على حرف x اكس، وكرة وامتداد متوازية تشكل الهيئة الآدمية. فنان آخر (شاب) هو صديق واصل سجل في العقد الاخير حضورا ملفتا في المعارض المحلية من خلال توظيف الحديد، ملفتا في المعارض المحلية من خلال توظيف الحديد، ولحامه وتشكيلة على هيئات آدمية، بجانب مواضيع جمالية اخرى (مختلفة) ، ومع انحياز مثل هذه التركيبات (الزاير - واصل) الى عالم النحت فان فنانا آخر هو زمان محمد جاسم 1971م كان اكثر إثارة عندما قدم عمله الجديد في المعرض الجماعي لجماعة الفنون التشكيلية بمركز الخدمة الاجتماعية بالقطيف يمثل عمل زمان مشروعا فنيا فيه النحت والتصوير والإنشاء.. تكون العمل من ثلاث واجهات، وارضية. كرات صغيرة متكررة، ومترابطة ، يسقطها من اعلى (يعلقها) ويكرر صفوفها لتحتل سطحا واحدا من الجانب الآخر ملفوفات ذات اكثر من ايحاء وهيئة، يعالجها بذات التلوينات والتضاريس لكنها تختلف في الشكل الذي يذكرنا بالخبر الملفوف تتكرر الوحدة - كما هي الكرات - لكنا في الواجهة الثالثة امام عمل تصويري كبير المساحة تتجرد ترديداته الا من علاقة لونية، يلتقي في هذا العمل مع زميله الفنان فهد الحجيلان الذي شارك وزمان في رسم جداريات في ابها قبل اعوام، ورسم جداريته قريبا من هذا التوجه. على الارض أنشأ زمان تنصيبات، وقطع على هيئات مختلفة كأنها حطام صاروخ او طائرة حربية.. القطع الدائرية (الكرات) قد تذكرنا بالطفولة والبراءة، والملفوفات ربما بالخبز، وبالتالي فهو يمنحنا احساسا بفكرة ما نحن نضعها ، او نشاركه بتصورنا فيها. تناول بعض الفنانين الكرات الصغيرة على اكثر من خامة من تناولها من ألعاب الاطفال او من كونها بنفسه، وهي بالمثل القطع الاخرى (الملفوفات) لكن في هيئات التنصيبات فان الايحاء بجذوع الاشجار او هيئة صاروخ او قطع منه او حتى مقطع من جسد انساني تذكرنا بعمل للفنان الانجليزي (باري فلانجان) الذي نفذ عملا على هذا النحو الصيغة) عام 1967، وهو الذي يشتغل الآن على هيئات مختلفة لا يغيب عنها الحس الانساني. يعبر مثل هذا العمل للفنان زمان محمد جاسم عن انفتاح يتسع لكل ما هو جديد ومغاير لما هو في الساحة المحلية - على الاقل - وهو الذي حضر صيف هذا العام ملتقى تشكيليا عالميا في باريس برعاية المنصورية للثقافة والابداع، وقدم هناك عرضا فرديا (شخصيا) بالمقابل، ومع هذا التحديث فان الاثر الذي يمكن ان تتركه تناولاته في بعض زملائه، يبدو طبيعيا في انفتاح ومجال استيعاب وتواجد هذا الفنان في مناسبات محلية او عربية او دولية مختلفة اما طرحه تقديمه لهذا المنجز الجديد فانه تواصل مع مثابراته وجرأته في تقديم ما هو احدث على المستوى المحلي مواكبا، وطامحا لذلك على المستوى العالمي. لايمكننا فصل هذا العمل في حداثته او جديته عما تطرحه فنون أواخر القرن الماضي او بدايات القرن الجديد وان تنوعت، واتخذت صيغا متعددة، باختلاف التأثير وتطور او تنامي الرؤى الفنية، بما يحقق تقديم فكرة فنية انسانية (جديدة). هو ما يجعلنا ننتظر من فنان بحيوية واتقاد فكر زمان ان يثري الساحة بما هو مختلف. ضمن هذا السياق التجديدي والمثير. العمل الذي استنفر الساحة التشكيلية