فجأة ومن دون مقدمات، وقبيل بدء فصل الشتاء حيث يرتفع الطلب على النفط مع برودة الطقس في النصف الكرة الشمالي، ومن دون اي مؤشرات مهمة على انكماش الاقتصاد العالمي، بدأ مسلسل انخفاض أسعار النفط ليتدهور سعر النفط الأمريكي نحو 10 دولارات للبرميل الواحد خلال اسبوعين تقريباً. طبعا، ودون اي شك يقول الدكتور وليد خدوري رئيس تحرير نشرة ميس النفطية في إحدى مقالاته، فإن سعر النفط الأمريكي على مستوى 55 دولاراً أو 50 دولاراً او حتى 40 دولاراً، هذا السعر غير طبيعي وغير مفيد للمستهلكين ولا للمنتجين. ويؤكد د. خدوري في هذا الإطار على أسعار النفط الأمريكي، لأن أسعار نفوط الخليج تسليم خليج المكسيك، مثلا، تقل نحو 10 الى 12 دولاراً عن سعر النفط الأمريكي نتيجة للظاهرة الغريبة التي عايشناها مؤخرا وهو هذا الفرق الهائل وغير المسبوق ما بين النفوط الخفيفة (الأمريكية) والثقيلة ذات الحموضة (الخليجية). ويتساءل خدوري عن مبررات هذا الانخفاض السريع والكبير في الأسعار مبينا بروز عاملين أساسيين أديا لحدوث الارتفاع الهائل في الأشهر الماضية. العامل الأول هو توافر كميات كافية ووافية من النفط الخام والمنتجات البترولية في المخزون الأمريكي وفي بقية الدول الصناعية الغربية الذي يريح المستهلكين والمضاربين ومن ثم لا حاجة للأسعار العالية. والعامل الثاني، الذي نود ان نوليه اهتمامنا هنا، هو صدور التصريحات والمقالات العديدة مؤخرا التي تؤكد ان الطاقة الإنتاجية الإضافية المتاحة لاقطار الاوبك في ازدياد، وسترتفع أكثر وأكثر في الاشهر المقبلة. لذا فإن أي حدث صناعي أو سياسي في المستقبل المنظور من الممكن معالجته والتعامل معه بسرعة من خلال تدخل اقطار الاوبك وتعويضهم لأي نقص طارىء في الأسواق العالمية. وبالفعل، فقد صدر تقريران مهمان في بريطانيا مؤخرا حول هذا الموضوع، وكما هي العادة في هذا المجال من الدراسات التنبؤية، احدهما متفائل وينظر الى المدى القصير وهو عبارة عن دراسة صادرة عن دار الخبرة وودمكينزي وآخر متشائم ينظر الى المديين المتوسط والبعيد وهو صادر عن بنك دريسدنر كلاينورت واسريستين. تتوقع دراسة وودمكينزي التي صدرت في اوائل هذا الشهر ان ترتفع الطاقة الانتاجية الفائضة لدى اقطار الاوبك مع نهاية هذا العام، وبالذات في عام 2005. وتشير الدراسة الى انه بدلا من فائض طاقة انتاجية لا يتعدى مليون برميل يوميا في الاشهر الاخيرة، ومعظمها من النفط الثقيل العالي الحموضة، فإنها تتوقع ان ترتفع هذه الطاقة، وبناء على دراسات حقول الاوبك المنتجة وتلك التي ستدخل مجال الانتاج في الاسابيع المقبلة، لتصل الى 1.82 مليون برميل يوميا مع نهاية العام ولترتفع الى 2.92 مليون برميل يوميا خلال عام 2005. كما تذكر الدراسة ان كمية لا بأس منها من النفوط الجديدة ستكون خفيفة وقليلة الحموضة وأن هذه النفوط ستصل الى الأسواق في أوائل العام المقبل. هذا التقرير، والعديد غيره الذي صدر مؤخرا، اثر في ذهنية المتعاملين في الأسواق وأدى مع عوامل عديدة أخرى الى هبوط الأسعار. طبعا يذكر هذا التقرير، وغيره، ان اي طارئ، كانقطاع الامدادات من العراق في أي لحظة والتي تقدر هذه الايام بنحو مليوني برميل يوميا، ان حدثا من هذا النوع سيؤثر في الأسعار ويرفع معدلها مرة اخرى لأنه لا توجد طاقة انتاجية اضافية تعوض نقصا بهذا الحجم. أما تقرير بنك دريسدنر، الذي ينظر إلى المدى البعيد، فهو يستبعد بناء طاقة إنتاجية كبيرة عند اقطار الاوبك خلال هذا العقد. اذ يشير التقرير الى ان طاقة الاوبك الانتاجية سترتفع فقط من نحو 30.5 مليون برميل يوميا في عام 2004 الى نحو 36 مليون برميل يوميا في عام 2010 أما الأسباب لهذا النمو البطيء فهي: استنزاف الحقول والتأخر في تطوير حقول جديدة وتضارب الآراء والمصالح ما بين شركات النفط الوطنية والأجنبية حول دور ونفوذ كل منهما. فعلى سبيل المثال، وليس الحصر، يذكر التقرير ان على دول الاوبك انتاج ما يزيد على مليون برميل يوميا في كل سنة فقط من أجل التعويض عن النفط المستغل حاليا. كما يشير التقرير الى ان عدة أقطار منتجة مثل اندونيسيا وليبيا وقطر وايران ستواجه مشاكل جمة في الحصول على أي زيادة تذكر في الانتاج، وبالذات في التعويض عن النفط المنتج والمحافظة على الطاقة الانتاجية الحالية. أما بالنسبة للعراق، فلا يتوقع التقرير ان تزداد الطاقة الانتاجية على 3.5 مليون برميل يوميا مقارنة بنحو 2.4 مليون برميل يوميا في الوقت الحاضر. بمعنى آخر، ان كاتب المقال متشائم جدا من إمكانية العراق في الوصول الى حالة من الاستقرار السياسي طوال هذا العقد تمكنه من تطوير حقوله النفطية الضخمة. ان فحوى وجهات النظر هذه هي انه رغم الزيادة المتوقعة في الطاقة الانتاجية لأقطار الاوبك، الا انه يجب ان نتوقع حوادث واضطرابات تؤدي مرة اخرى الى ارتفاع الأسعار، كما انه اذا استمر النمو الاقتصادي العالمي على وتائره الحالية، وبالذات في الدول الصناعية الحديثة في العالم الثالث مثل الصين والهند والبرازيل ذات الكثافة السكانية وامكانات ارتفاع مستوى المعيشة ومن ثم الطلب على النفط، فإنه في ظل هذه المعطيات يجب ان نتوقع ارتفاع الأسعار. ان المشكلة لا تكمن في الاستنتاجات المنطقية لهذه الدراسات، لكن في التصرف الفريد للأسواق العالمية في ظل التطورات الاقتصادية الجديدة