ربما تكون رواية "عودة الايام الاولى" للدكتور ابراهيم الخضير هي الرواية المحلية الاكثر التصاقاً بأزمة حرب الخليج.. حيث كانت احداث الرواية تعبر عن تلك اللحظة الصعبة في تاريخ المنطقة.. وبالرغم من ان الخضير حشد الكثير من الشخصيات واستحضر الكثير من التيارات الفكرية في الرواية التي تعبر عن اطياف المجتمع الا انه نجح في الامساك بدفة السرد بمهارة. حيث جعل منصور الغافري بطل الرواية يتعايش مع جميع الاطياف والشخصيات لتشكل تداعيات الاحداث عنواناً لملامح رواية ناضجة برغم انها التجربة الروائية الأولى لمؤلفها.. وفي هذا الحوار ل(اليوم) يتحدث الخضير عن روايته التي تأخر كثيرا في إصدارها وكانت - بحسب قوله - كمن يُفشي سراً احتفظ به طويلاً ثم لم يعد يستطيع الكتمان. قصة الرواية @ رواية عودة الأيام الأولى كُتبت في أوائل التسعينات.. ولم تصدر إلا في عام 2004.. هذا التردد وهذا الإحجام عن نشر الرواية ما تفسيره لديك؟ عندما شرعت في الكتابة، كنت أرغب في كتابة قصة قصيرة ، وكنت قد نشرت عدداً من القصص القصيرة في مجلة اليمامة وجريدة الرياض، ولقيت تشجيعاً في كتاباتي في القصة القصيرة ، منذ نشرت أول قصة في عام 1980 حسب ما أتذكر..! كنت في مدينة أدنبرة عندما تم استدعائي للعودة للرياض ، وقطع تدريبي ودراستى العليا في جامعة أدنبرة، وذلك بسبب الغزو العراقي للكويت و احتلاله. مكثت فترة الاحتلال والاستعداد للحرب ثم حرب تحرير الكويت المعروفة بعاصفة الصحراء، في الرياض. بعد انتهاء الحرب و تحرير الكويت عدت إلى مدينة أدنبرة مرةً أخرى عام 1991 ، لإكمال دراستي العليا وتدريبي في الطب النفسي بنفس الجامعة. كنت وحيداً في شتاء اسكتلندا القارس، وبدأت في كتابة القصة القصيرة عن امرأة أمريكية، ضابط برتبة رائد خلال حرب الخليج الثانية والتواجد الأمريكي في منطقة الخليج. كان ماحدث في تلك الفترة مُثيراً جداً بالنسبة لي، فقد كنت بعيداً فترة من الوقت عن الرياض، وعدت بعد أن بدأ التوافد الأمريكي إلى منطقة الخليج، وتبع ذلك بقية قوات التحالف . كنت أتأمل مايحدث. شرعت في الكتابة ووجدت أن قصة قصيرة لن تكون كافية وتُتيح لي أن أكتب ما يتفاعل داخلي عن هذه الفترة من الحياة والأحداث في منطقة الخليج. تساءلت لماذا لا أكتب رواية أحتفظ بها لنفسي، وربما أطلعت بعض أصدقائي عليها. وفعلاً شرعت في الكتابة و أخذت أكتب هذا العمل الذي أخذ مني بعض الوقت. وعندما انتهيت منه، أخذت أتأمل ما كتبت و خُيل إليّ أنني لست من كتب هذا العمل..!! فقد كتبت أشياء كثيرة ومُتنوعة وفي بعضها جرأة لم يتعود عليها المجتمع عندنا. أعطيته أحد الأصدقاء الأدباء ليقرأه، فأبدى إعجابه بالعمل، وبما أن هذا الصديق أديب ومُتخصص في اللغة العربية، فقد شجعني على نشرها فرفضت، وتركتها عنده كمخطوطة كُتبت بخط صغير بقلم رصاص مما جعله يعاني صعوبة في قراءتها..!! لكنه صححها من ناحيةٍ لغوية وألح ّ عليّ بأن أقوم بنشرها وأنه سوف يتولى كل شئ، خاصةً انه أطلع أدباء عرب عليها فكما وصف لي إنهم فوجئوا بالعمل و شجعوا على نشرها. وكاد هذا الصديق يُقنعني في سنة 1996 بنشرها غير أني تراجعت. وبقيت عندي كمخطوطة وأعطيتها بعض الأصدقاء ممن ليسوا كتابا ولا أدباء وإنما قرّاء جيدون للروايات فأثارتهم و شجعوني بشدة على نشرها، غير أني كنت مُتردداً لما تحويه من أمور قد تكون غير مقبولة اجتماعيا. وقبل أكثر من عام، كانت الرواية عندي.. أطلعتها على شخص قريب مني و اُعجب بها جداً و طلب مني نشرها أيضاً، و شجعني بشكلٍ كبير، عندئذ بدأت الفكرة في ذهني، لم لا؟ وبدأت أقرأها أنا من جديد، وحقيقةً لقد قمت بحذف أشياء منها تجنباً لما قد تثيره تلك الأمور. وقام صديق لي بترتيب مُقابلة مع أحد الناشرين في بيروت أثناء حضوري مؤتمراً لليونسكو هناك، وفعلاً جاء هذا الناشر إليّ في الفندق وأخذ المخطوطة، وتركتها وعدت للرياض بعد انتهاء المؤتمر. بعدها ابلغ الناشر الصديق المشترك الذي رتب للموضوع باستعداده لطباعتها ونشرها. وصدقاً كنت حتى ذلك الوقت غير مقتنع بنشرها..! الرواية والسيرة @ الكثير يظن أن هذه الرواية تمثل سيرتك الذاتية.. إلى أي حد كانت السيرة الذاتية حاضرة في الرواية؟ مشكلة من يكتب مثل هذا النوع من الروايات دائماً يُتهم بأن العمل الروائي هو سيرته الذاتية بحكم إن بطل الرواية طبيب نفسي، وهو نفس عملي فقد ظن البعض بأن الرواية سيرةً ذاتية، ولكنه غير ذلك. لقد كان حضور السيرة الذاتية موجوداً، ولكن بصورة بسيطة.. ومن يعرفني شخصياً ربما يؤكد ذلك. منصور الغافري @ منصور الغافري بطل الرواية كان نموذجاً مثالياً إلى حد كبير.. ألا تتفق معي أن بناء الشخصية لهذا النموذج تم بمبالغة سردية جعلت هذا البطل أسيراً لهذه المثالية؟ بطل الرواية الدكتور منصور ليس مثالياً، لكن شخصية غير واثقة من نفسها، ويتصرف كثيراً بعكس ما يعتقد، بل ربما بما لا يتفق مع مبادئه. وعلاقته بالرائد كوك فيشر جزء من هذه الشخصية المُعقدة ولكن تظهر بشكل ظاهري كشخصية مثالية، ولكن هناك مُشكلة في شخصيته، ويظهر ذلك جلياً في علاقته بفاضل بن جعفر. لذلك كان يجب بناء هذه الشخصية بشكل مثالي سلبي وليس بشكل مثالي إيجابي ..وظل يراوح في عقدته هذه التي لم يستطع التخلص منها في جميع مناحي حياته العملية، الزوجية، الاجتماعية وكذلك علاقاته الشخصية. إنها شخصية مُعّقدة، ويتضح ذلك في عمله بالقسم، وعلاقته بزوجته وزملائه في الدراسة وأصدقائه القدماء وبعد ذلك علاقته المُعقدة بفاضل بن جعفر، وكيف أنه انضوى تحت عباءة فاضل بن جعفر دون معرفة حقيقية بهذا الرجل..!! حشد الشخصيات @ كانت الرواية تضج بحشد هائل من الشخصيات وهذا الحشد يمثل كل الأطياف الفكرية.. هل كان في نيتك أن تكتب كل شيء كان يعبر عن تلك المرحلة؟ حقيقةً لم يكن في نيتي عندما بدأت الكتابة أن تكون بهذه الصورة. وكما هو معروف في التحليل النفسي أن الإبداع (وبالذات الرواية) هي أحد أدلة وجود اللاوعي، حيث تُفرز الكتابة أشياء تكون مُترسبة في اللاوعي. فكما ذكرت في الإجابة عن السؤال الأول أنني بعد كتابة الرواية، تخيلت أن شخصاً آخر هو الذي كتبها..! كان ما كتبت إرهاصات لسنواتٍ طويلة مما كنت أريد أن أقوله ولم استطع.. لذلك خرجت بهذا الحشد الكثير من الشخصيات، ولكن لم يكن ذلك مرسوماً منذ البداية. دلالة الشخصية @ لشخصية فاضل بن جعفر دلالتها الاجتماعية.. وبالرغم من المساحة الممنوحة لتلك الشخصية في الرواية إلا أنني أشعر بأن حضورها مفتعل.. فلم أجد مبرراً للعلاقة الشخصية بين الدكتور منصور وفاضل بن جعفر؟ هذه هي المشكلة..عندما تحدث أشياء لا عقلانية..؟؟ فهل كل شئ في الحياة له مُبّرر؟؟ أحياناً تعبث بنا الحياة بشكل مُثير للدهشة ومُحّير.. ولعل من المُفارقات في هذا العمل هي العلاقة بين فاضل بن جعفر والدكتور منصور. فرغم أن فاضل بن جعفر غير معروف للدكتور منصور ( وربما شعور فاضل بن جعفر بهذا الشيء جعله يتمسك بالدكتور، ويُقربه و يحاول أن يُظهر أمامه مدى سطوته و تأثيره على الآخرين) ، فإن الدكتور منصور يتغير بين لحظةٍ وأخرى، و ينضم إلى الجوقة المُحيطة بفاضل بن جعفر، رغم أن هذه العلاقة غير مُريحة بالنسبة له، ولا تتفق مع طبيعة شخصيته التي يرسمها في حياته العامة، إلا أنه يواصل علاقته بفاضل بن جعفر الذي لديه الفضول لمعرفة مدى تأثيره على شخصٍ لايعرفه، وهذه يمنح فاضل بن جعفر إحساس بالتفوق والاستعلاء على الآخرين وهو ما كان يُردده دائماً، ويحاول دوماً إثباته لنفسه قبل الآخرين. إن العلاقات الإنسانية مُعقدة بطريقة لايمكن أن ننظر لها بصورةٍ سطحية، فدائماً عوامل نفسية خفية تلعب دوراً في العلاقات الإنسانية.. أشياء ظاهرة ومفهومة، وثمة أشياء غامضة..خفية.. تربطنا ببعض الأشخاص بلا وعيٍ منا..! وأعتقد أن العلاقة بين فاضل بن جعفر والدكتور منصور، هي أكثر العلاقات تعقيداً في الرواية فلم يستطع أحدهما فهم الآخر بشكلٍ جيد..وبقيت العلاقة سطحية رغم الأوقات الطويلة التي قضياها مع بعضهما البعض، بدليل أن الدكتور منصور سأل فاضل بن جعفر ماذا يعمل؟ في نهاية الرواية. وهذا كما أظن أكبر دليل على أن أحداً منهما لم يصل للآخر..! خصوصية اللهجة @ الرواية استندت في الكثير من المقاطع على اللهجة المحكية.. ولكن هناك خللاً في عدم القدرة على رصد التباين بين اللهجات فنجد فاضل بن جعفر يتحدث كما يتحدث الدكتور منصور. هل تتفق معي بأنه كان يجب منح كل صوت في الرواية خصوصيته؟ نعم الحوار كان مكتوباً باللهجة المحلية، ماعدا الحوار الذي يكون مُترجماً عن بعض الأبطال غير العرب. تباين اللهجات يبدو في بعض الأماكن التي تحتاج ذلك، وتلاحظها مع صبحي حلومي، أبي عقلا. أما الدكتور منصور فإنه يتحدث بنفس اللهجة التي يتحدث بها فاضل بن جعفر، فهذا السؤال، يتفرع منه سؤال آخر، من أين فاضل بن جعفر؟ لقد ورد في الرواية أن هذا الاسم غريب على هذه المنطقة..! فربما فاضل بن جعفر يتصّنع طريقة الكلام، أما الدكتور منصور فإنه شخصية مثالية سلبية كما اتفقنا، وانبهر بفاضل بن جعفر وأصبح يتكلم بنفس اللهجة رغم أنه في بعض المواقف لايستطع استيعاب الحوار الذي يدور، ومع ذلك يستمر في الحديث بلهجة القوي (فاضل بن جعفر). فكما هو معروف بأن القوي يفرض عاداته ولهجته على من هو اضعف منه، ولو نظرت حولك لتحققت من هذه النظرية، خاصة في اللغة المحكية..!! المرأة الخارقة @ "كوك فيشر" كانت في الرواية المرأة الخارقة هي تعرف كل شيء وعلى اطلاع بكل شيء.. هذه القوة لماذا كانت لهذه المرأة.. ولماذا اخترت نموذج المرأة كي يلعب هذا الدور في الرواية؟ "كوك فيشر"، كانت بهذه القوة وهذه القدرة على المعرفة بكل مايدور من أحداث، حتى أدق الأمور الاجتماعية الخاصة، نظراً لأنها جاءت وفق خطة خاصة، ووفق دعم ممن تنتمي إليهم فهي تُمثل الجهة التي تعمل معها، وهي رمز لتأثير من هم خلفها، ومفهومنا نحن لقوة هذه الجهات، والمبالغة التي نقوم بها لتبرير عجزنا عن عمل أي شئ..!!فهذه المرأة التي تقبع النساء مثلها في مجتمعنا في المنزل ولا تستطيع الخروج ولا تقوم بأي عمل جاد كالمشاركة في الحروب أو حتى الهرب لو داهم البلد حرب. كوك فيشر رمز للمرأة التي تستطيع أن تفعل المستحيل حسب مفهومنا للقدرة الخارقة لمن تُمثلهم، ويقع العبء علينا نحن في أن نستسلم لهذه المُبالغات التي تنطلق لتضعنا في موقف المجتمع الجامد غير المُتحرك، الذي لا يستطيع مواكبة العصر الذي يعيش فيه. كان من الضروري أن تكون امرأة حتى تكتمل المبالغة وتركب الصورة في الإطار الذي نضع نحن فيه جماعة كوك فيشر. الحياد السردي @ من خلال السرد نجد أن هناك حيادا متقنا اتجاه تناول مواقف التيارات التي كانت تمثل أطياف المجتمع.. الاتكاء على هذا الحياد هل هو بمثابة التخلي عن إدانة محددة لموقف تلك التيارات؟ هذا الأمر يرجع إلى الراوي، فهو يحاول أن يكون شخصاً، مثالياً، وإن كنت قلت إن مثاليته سلبية.. فهو يحاول أن يكون في الرأي ديبلوماسيا وكذا جميع سلوكياته في العمل أو مع زملائه في العمل وخارج العمل، إنه شخص لاينتمي لشيء مُعين وليس لديه موقف أصيل يضعه في مواجهة مع أحد. هو دائماً يسير على خط الحياد، يتجنب الاصطدام مع أي شخص أو أي جهة رسمية أو غير رسمية.. في البدء رفض البحث لكنه برر لنفسه الانخراط في البحث رغم قناعته التامة بأن البحث ليس الهدف منه أي مردود علمي ومع ذلك انخرط واصبح يسير خلف كوك فيشر منبهراً بمعلوماتها وقدراتها الخارقة على عمل كل شئ. انضم إلى جوقة العاملين مع كوك فيشر وانخرط في جو لا يُناسبه مع فاضل بن جعفر لذلك كانت الآراء التي وردت في حواراته مع الجميع يحاول أن يمسك العصا من المنتصف. إنها صورة للشخص اللامنتم لمبدأ أو موقف. كنت قاصداً عندما جعلت حوارات الدكتور منصور هي التي تتحدث وتتحاور مع الأطياف جميعها محاولاً أن يكون هناك حياد.. و للحقيقة لم يكن هذا رأي في بداية الرواية لكن وجدت انه من الصعب أن اصطدم بتيارات لاأستطيع الصمود أمامها.. قد يكون هذا موقفاً سلبياً لكن كان من الضرورة التغاضي عن أمور أقل في سبيل تمرير أشياء أخرى بالنسبة لي كانت أهم. عروبة!! @ عروبة ابنة الرديني... ألم تكن هناك مبالغة غير منطقية في تصويرها بذلك الضياع؟ الضياع لا يخضع لمنطق أبداً..!! ضياع عروبة بما تُمثله وما ترمز إليه كان متوافقاً مع الهدف من هذه الشخصية. نعم هناك قسوة، وهناك شئ من اللامعقول في سيرة حياتها، لكن الصدق أقول بأن ضياع عروبة يتماشى ويُعبر بشكل مدروس عما كنت اقصد من ورائها لترمز له. العروبة ضاعت واقرب الناس يشهد سقوطها إلى الحضيض لأنه كان سبباً رئيساً في وصولها إلى هذه المرحلة.. إنها الحياة التي لا تخضع لمنطق خاصة عندما تقلب ظهر المجن. مبرر الرواية @ هل حدث بحجم أزمة الخليج هو المبرر الوحيد لكتابة الرواية.. وهل هذا يعني أنك لن تكتب الرواية مرة أخرى؟ لا، قطعاً حرب الخليج ليست الباعث الوحيد لكتابة الرواية بالنسبة لي، وقد قلت أني كنت أنوي كتابتها قصة قصيرة ولكن الحدث والشخصيات ساعدتني في كتابة رواية بهذا الحجم. كانت لدّي فكرة لكتابة رواية عن موضوع مختلف تماماً منذ سنوات ومازالت هذه الفكرة موجودة لدي وآمل أن أستطيع كتابتها يوماً ما. هناك فكرة لإكمال الجزء الثاني من هذه الرواية وفعلاً بدأت بها قبل عدة سنوات لكن تمهلت وتوقفت عن كتابة تكملة الجزء الثاني من الرواية. ربما اُكمل الجزء الثاني ولكن مشكلتي أنني شخص متردد جداً في خصوص نشر رواية أو حتى قصة قصيرة.. عندي قصص منذ سنوات لم أنشرها رغم تشجيع بعض الزملاء على نشرها، وإن مستواها الفني كقصة قصيرة. لن تكون هذه روايتي الوحيدة، وردود الفعل شجعتني على أن أواصل السير في هذا الفن الجميل. وأعتقد أن الرواية في السعودية تشهد تقدماً جيداً وأتمنى أن أكون واحداً من الذين ينضمون إلى كتّاب الرواية في السعودية، كما أتمنى أن يكون هناك تنظيم أو جمعية للتعارف بين من يكتبون القصة والرواية، لا تقول لي الأندية الأدبية فهذه الأندية مُحبطة وليس لها دور في فن القصة والرواية. منطقية السرد @ منصور الغافري طبيب نفسي ويتعامل مع مختلف الشرائح الاجتماعية ويتواصل مع وسائل الإعلام ولا يعرف من تكون شخصية بحجم فاضل بن جعفر!! ألا تجد هنا ثغرة واضحة في منطقية السرد؟ هذا هو مركز ومحور الرواية، ففاضل بن جعفر الشخصية التي يعرفها الجميع لا يعرفها طبيب يعمل في مستشفى مرموق..! إنها مشكلة الدكتور منصور.. لا يعرف شخص بهذا الحجم، وعدم معرفته بهذه الشخصية هي ما يُثير الاستغراب في جميع من يعرف الدكتور منصور والسيد فاضل بن جعفر.. لو أن الدكتور منصور يعرف فاضل بن جعفر، فلن يكون للأحداث نفس الأهمية، وهذا ليس تناقضاً كما تعتقد، فثمة آخرون (رغم كونهم قلة) لا يعرفون من هو فاضل بن جعفر.. ولو كان فاضل بن جعفر معروفاً للجميع بمن فيهم الدكتور منصور ورديني فمعنى هذا أن فاضل لابد أن يكون شيئا معروفا واقعا وحقيقة وهذا ما حاولت تجنبه. نهاية غير مشوقة @ بقدر ما كانت العلاقة بين منصور الغافري والرائد كوك فيشر مشوقة للقارئ وبقدر ما كانت تقوم على عنصر المفاجأة في أحداث الرواية.. إلا أن النهاية لا ترقى إلى مستوى التشويق الذي كانت عليه في عمق الرواية .. والسؤال لماذا كانت النهاية باهتة إلى هذا الحد؟ العلاقة بين كوك فيشر والدكتور منصور، علاقة مُعقدة، وربما تمثل طبيعة العلاقة بين من يُمثلهم الدكتور منصور ومن يمثلهم الرائد كوك فيشر، فالعلاقة اتخذت طابعاً مختلفاً بالنسبة للدكتور منصور، فهو كرجل شرقي، بدأ متوجساً بحكم طبيعة المجتمع الذي ينتمي إليه، ترك العلاقة تسير وفق التعامل والعاطفة التي تجذبه وتُبعده عن كوك فيشر. بينما كوك فيشر كانت تعرف كل خطوة تخطوها. لذلك عندما استنفذت غرضها من منصور وانتهت الحرب، انتهى دور منصور ولم يعد لها به أي حاجة، فحتى لم تودعه الوداع المفروض أن يكون بحجم العلاقة التي كانت بينهما. لكن هذه طبيعة العلاقات النفعية، وفي هذا تُمثل كوك فيشر الثقافة التي جاءت منها، فهي عملت مع منصور وفق خطة مرسومة، وله دور في المرحلة التي هي بحاجة إليه. متى انتهي الدور، لم يعد هناك مُبرر للعلاقة. تماماً مثل علاقة أمريكا بالدول التي كانت حميمة، وبعد أن استنفذت الدور الذي تريده من هذه الدولة قلبت لهم ظهر المجن.. والتاريخ الحديث يؤكد هذه المقولة، لذلك ليس هناك غرابة في أن يبحث الدكتور منصور عن كوك فيشر بينما هي لم تعد حتى ترغب في رؤيته لتودعه. إنها علاقة الثقافات و كيف يتصرف كل شخص وفق ثقافته في علاقاته مع الآخرين. هذه قصة كوك فيشر والدكتور منصور، كلٌ منهما يُمثل ثقافته التي جاء منها و الهدف الذي رسمه كل واحد منهما للاستفادة من الآخر..لا غرابة في شئ ..يجب أن يكون منطق المصلحة هو ما يُحدد العلاقات في مثل هذه المواقف وليس العواطف.