المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أرصدة مشبوهة !    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    «المرأة السعودية».. كفاءة في العمل ومناصب قيادية عليا    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    فعل لا رد فعل    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    رسالة إنسانية    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إفشاء ملامح المكان هو دور الموضوع وليس دور الكاتب
بعد صدور روايته (قنص) عواض شاهر ل«ثقافة اليوم»:
نشر في الرياض يوم 01 - 12 - 2005

في روايته التي صدرت مؤخراً بعنوان «قنص» لم يكن الروائي والقاص عواض شاهر مترافعاً عن الصحراء انحاز للفن، وقدَّم عملاً روائياً تميز بالحياد تجاه فضاء صحراوي يغري بالتحيز. عواض شاهر وفي حواره ل«الرياض» يقدم لنا رؤيته في الكتابة عن الصحراء التي شكلت في روايته الأخيرة «قنص». ويعبِّر عن قناعات أخرى تجاه الفن الروائي.
٭ في رواية «قنص»، الصحراء تعتبر مسرحاً حقيقياً لأحداث الرواية. ودعني أسألك كروائي كيف تكتب هذا الفضاء الصحراوي. ألا ينتابك شيء من الارتباك بين أن تكون رغبتك كتابة عوالم الصحراء من الداخل وبين أن تتخذ مكاناً قصياً لتكون الرؤية آتية من الخارج.
- أن أكتب عن الحصراء من الداخل، ليس معناه إني في هذا الداخل بشروطه. وفي الأساس، لم أفكر في تمثلها على النحو الذي يستهوي الرومانسيين أو المولعين بالحديث عن المكان كرمز للتعبير المفرط عن الأصالة والانتماء وغير ذلك من الموضوعات التي تجعل العلاقة بمكان ما علاقة مغلقة في مثاليتها. الشيء الآخر هو أن الصحراء عندي ليست الأفق الرملي فحسب، وإنما هي الزمن والأحداث التي تقع فيه، وهي أيضاً الناس والثقافة والذاكرة، ولكن كل ذلك بمعزل عن الدخول في شروط الترافع عنها من منطلقات ضيقة. على هذا الأساس، كنت أتحرك داخل الصحراء، وأنا منفصل عنها. كنت أمشي فيها ليس كما يفعل الغريب، وإنما كأحد أبنائها الذين عاشوا فيها ردحاً من الزمن وعرفوها، ومع ذلك لم أكن أتيح لها فرصة مشاغلتي بصوتها الذي يحيل اللغة عندي إلى صدى له، بمعنى أن يكون سابقاً على الكتابة ومتحكماً فيها لهدف دعائي أو بطولي لا يخص الكتابة الإبداعية التي أريد.
٭ عندما نتفحص الصحراء في الرواية نجدها فضاء غير مؤطر باسم محدد.. ونحن نعرف أن الصحراء كأمكنة لا تتشابه. عدم التسمية هل تعتقد بأنه يدخل المكان في حالة من التعميم ولا يمنحه الخصوصية التي يحتاجها القارئ فمن فضاء الرواية؟
- لم تكن تهمني أين تقع هذه الصحراء التي أتحدث عنها، بل لم أسع أصلاً إلى رسمها في النص وفقاً لتضاريس وأبعاد معروفة، ولكن الذي كان يهمني هو الإنسان فيها. أعتقد بأن هذا هو المهم. الخصوصية لا تعني أن نعرف المكان الذي دارت فيه أحداث الرواية، بل تعني كما أتصور أن نتأمل الشخوص، والأحداث، ومفردات الحياة المعاشة سواءً من ناحية ثقافية أو من ناحية التخاطب اليومي، وبقية الممارسات التي تحمل داخلها الخصوصية الحقيقية للإنسان نفسه. لم يعد للمكان تلك الأبهة والأهمية في الرواية الحديثة كما أظن. وهذا ما أكدته في روايتيَّ السابقتين حيث أوليت للمكان اهتماماً أقل واكتفيت بالإشارة إليه من بعيد وهو إجراء اتخذته بديلاً عن الكتابة التفصيلية المبالغ فيها للمكان على شاكلة ما نجده في بعض الروايات.
٭ في لحظة استسلام تواطأ الجميع في اخفاء هذلا. أليس هذا الخضوع لجبروت الدربيل يتنافى مع أعراف الصحراء. والتي لا تقبل التسليم بهذا الجور الذي كان يمارسه الدربيل؟
- أحد أهم أعراف الصحراء هو ألا تستمر الحياة فيها بدون أخطار، وبدون شعور بالخوف والتوجس من حدوث متاعب وأخطاء وصراعات سواءً بين أهلها أنفسهم أو بينهم وبين طامعين فيها من الخارج. هذا العرف بالطبع لا يدخل في منظومة الأعراف الاجتماعية التي يمارسها الصحراويون في حياتهم العامة، بل هو في الأصل نتاج ثقافة التعايش الحذر مع الآخر، وصنيعة إرث طويل من الخصومات والحساسيات المتبادلة، وغالباً ما تغذي هذه الثقافة حكايات ومقولات وأشعار أضحت تاريخياً تنبي عليه تصورات ومفاهيم قد لا تكون صائبة. لا أقول بأن الصحراء تخلو من الحب والسلام على الدوام، ولكن الغالب في وعيها هو الحديث عن الصراعات والحروب الماضية ولا تزال حساسية أن يقع مكروه أو خطر تحمل المرء على التعامل مع الأشياء بتوجس. إضافة إلى ذلك، فإن الجهل، والانغلاق، وكراهية التغيير، هذه العوامل تساعد في رأيي على نشوء قوة ذات هيمنة وسطوة إما في الوعي ويكون منشؤها خرافياً في أغلب الأحوال، أو على أرض الواقع وفي هذه الحالة يتم التعاطي مع هذه القوة من منظور المدافعة والمهادنة بحسب ما تقتضيه الظروف والأوضاع. في حالة هذلا، نجد أنها تنكرت في ثوب رجل لتختفي عن الدربيل، وهذه حيلة من يبتغي السلامة لأن الخيار الآخر هو الوقوع في قبضة الدربيل، وهو ما لا يمكنها فعله. يمكن القول بأن أعراف الصحراء ليست كلها حميدة، بل فيها ما هو سيء ومتخلف.
٭ إلباس المرأة ثياب الرجل حكاية تكررت في أكثر من رواية. كرواية ليلة القدر لطاهر بن جلون ورواية خاتم لرجاء عالم. نموذج هذلا كيف تشكل بعيداً عن تلك النماذج السابقة؟
- ليست في هاتين الروايتين فقط تكررت هذه الحيلة بل في قصص أخرى وكمثال هناك قصة جوزفين موناغان التي حدثت بشكل حقيقي في منتصف القرن التاسع عشر في الغرب الأمريكي وكانت حملت سفاحاً فطردها أهلها من البيت فاضطرت إلى التنكر بزي رجل والانتقال إلى مكان آخر. وقد مثلت هذه القصة في هوليود عام 1993م تحت عنوان (the ballad of little J.O) من إخراج ماغي قرينوولد. إذاً، هي ممارسة تكاد تكون معروفة في أكثر من بيئة وأكثر من مجتمع. ومن جهة هذلا، لم تكن العملية صعبة خصوصاً عندما نستحضر كيف كانت تلبس ثوب طفل اسمه «ناشي» في سني عمرها الأولى وكان أبوها يفرح برؤيتها في ذلك الثوب.
٭ هذا الحياد في الصحراء في لحظة الكتابة هل تشعر بأنك تنجح فيه.. أعني عندما تُقرأ روايتك بعد انجازها هل تشعر حقيقة بأنك أنجزت حيادك ودون التورط في مرافعة عن الصحراء؟
- أهم من هذا الشعور، في نظري، هو التنبّه مسبقاً إلى أهمية أن أكون محايداً. باصطحاب هذا الشرط طوال الكتابة ابتعد عن محاذير التحدث بصوت غير صوتي. أما كوني نجحت أم لا، فهذا متروك للقارئ. مع ذلك، أظن بأني كتبت العمل بحرية معقولة.
٭ لم يعد للمكان تلك الأبهة والأهمية والرواية الحديثة، أتصور أن الأمكنة في الرواية يجب التعامل معها بحسب الحالة السردية. ولا يجب أن يكون هناك موقف صارم. فالرائحة قد تكفي لمكان ما ولكن قد لا تتحقق في مكان آخر وذلك على مستوى المكان في الرواية؟
- وجهة نظر أحترمها، وأنا أتحدث عن رأيي فيما يتعلّق بالأمكنة في رواياتي ولكل شخص رأيه بالطبع. فيما يخصني، أعتقد بأن المكان ليست له أهمية الموضوع، وأتصور بأن الموضوع الذي لا يحمل ملامح المكان الذي يدور فيه، أظنه بحاجة إلى إعادة نظر. إفشاء ملامح المكان هو دور الموضوع وليس دور الكاتب.
٭ أعرف الصحراء ليست كلها حميدة، بل فيها ما هو سيء ومتخلف على مستوى القيم والأعراف وهي تتخذ الشكل الأسطوري على مستوى الذاكرة الشعبية. هل تجد الحرج في تعرية هذه المسألة. أعني إلى أي حد ترصد هذا الجانب روائياً؟
- شرط الحرية في هذا الشأن هو أن تتحدث بصدق وموضوعية. الرواية هي على نحو ما تصور لما يفترض أن يؤدي إلى كشف حقيقة الشيء في وجه الزيف الذي يحاصره. هذا بالمعنى النظري. وهي بهذا المعنى تعري الأشياء وتخلصها مما ألصق بها من مفاهيم وتصورات سابقة قد تكون تلبستها في ظروف معينة تحت مسميات مثل امتلاك الحقيقة، أو القوة، أو انتصار الأيديولوجيا من أي نوع. هناك أعراف اجتماعية سواءً أكانت في الصحراء أم في المدن، لا تستحق الاحترام لأنها غير إنسانية في المقام الأول ومن هذه الأعراف على سبيل المثال، إكراه الفتاة على الزواج، وأيضاً ما يسمى بزواج «الشغار»، وهناك عرف تحجير ابنة العم، وهي كلها أمور تحدث في أماكن عدة من الصحراء. هذا على المستوى الواقعي المعاش، أما على المستوى الأسطوري بحسب ما ورد في سؤالك فلم أفهم ما تقصد.
٭ عندما ذهب فرحان القناص إلى عمق الصحراء ليختبر رؤيته في هواجس القنص أعاد لنا سيرة غرنوي في رواية العطر وذلك عندما ذهب إلى الجبل ليعيش مرحلة التزهد والتوحد مع الروائح واستخلاص العطر الذي يحلم به. بين هاتين الحالتين كيف ترصد حضورها في «قنص» وأيضاً في رواية «العطر»؟
- ربما تشابها في الهدف، وأقصد أن كلاً منهما يقنص على طريقته، لكن فرحان يختلف عن غرنوي في أنه أساساً بعيد عن مجتمعه، وإن زاره فلا يزوره إلا نادراً، بينما الخلاء هو مكانه الأصلي. في حين أن بطل زوسكيند في العطر كائن مدني أولاً، ومخالط للناس ثانياً، وانتباذه الجبل حدث لمرة واحدة وأخيراً لم يفعل أثناءها أي شيء يُذكر باستثناء الجلوس مع نفسه وتأمل أحواله وما حدث له. ثم إن فرحان القناص في «قنص» لا يستخدم موهبته في قتل البشر، بل يمارس رياضة الصيد العادية، والمرة الوحيدة التي قرر أن يغير فيها عادته كانت عندما ظن بأن قتل الذئب الذي كان في الواقع «الدربيل» عملاً مشروعاً، حسب تصوره، لأنه شكل ظاهرة غير حميدة في السلوك والأخلاق.
٭ الدربيل الذي أحال الصحراء إلى حالة من الفزع.. تولت مسألته فضحه امرأة وهي «تينة» بكشف فحولته المزيفة. أن يأتي الفضح على لسان امرأة هل ذلك يحمل دلالة ما؟
- لا أستطيع أن أحدد ما إذا كان ما قاله «تينة» يشكل فضحاً أم لا؟ في الرواية قيل الكثير عنه، وعموماً كلما تعددت مصادر الحديث عن شيء ما بدون إثباتات علمية، صار أكثر عرضة لإزاحته عن حقيقته وحجمه الطبيعي، وتضخم التصور عنه مع مرور الوقت، وأظن بأن الأساطير تدخل في هذا الباب. «تينة» كانت تحكي ما تظن بأنه حقيقة، وهذا يعني أن المشاركة في الحكي لم تقتصر على الرجال فحسب، بل شاركت النساء في صنعه، وترويجه وكل هذا يشير إلى دور المخيلة واشتباكها مع الواقع تجاه الأحداث، والشخوص، القابلة للتماهي في الحالين، حال الواقع المجرد وحال الأسطورة. أيضاً يدل ذلك على انفتاح مساحة الحكي بين النساء والرجال حتى بين المجتمعات البسيطة كمجتمع الصحراء.
٭ قنص هذه المفردة تحمل عناوين مهمة لملامح الصحراء ماذا أردت أن تقول عن اختيار هذا العنوان للرواية؟
- من يقرأ الرواية يجد أن هذه المفردة أساس مشترك بين شخوص العمل، فرحان القناص، الدربيل، هذلا نفسها، جلاَّل، والصحراء في الأساس تشتهر بأنها المكان الوحيد الذي تمارس فيه رياضة القنص المعروفة ومن هنا فضلت هذا العنوان على عناوين أخرى لم أجدها تخدم العمل كأيقونة نصية.
٭ هذه الرواية الثالثة وعواض بعيد عن الرواية الإشكالية الرواية التي تلامس اللحظة الراهنة. اختيارك للمناطق الروائية لا تحدث الجدل ولا تحرض على ردة فعل مضاد. هل هو إخلاص لرؤية فنية ما. أم هناك تدرج في المسألة حتى يتم الاشتباك مع الآني؟
- هذا حكم نقدي لا أوافقك فيه، مع تقديري له. ورغم إني لم أفهم بالضبط ماذا تعني بالرواية الإشكالية التي تلامس اللحظة الراهنة، إلا أني أسأل: على أي أساس نقدي انطلقت في تصورك هذا؟ هل لديك أمثلة على الروايات التي تقصدها في سؤالك؟ لا أريد أن أحرجك، ولكن يفترض أن تعرف أن النقد لدينا لا يرتقي مع الأسف إلى الدور المواكب لطفرة السرد في مشهدنا الإبداعي. كما أنه بعيد عن طرح إشكالات وقضايا نقدية تتعلق برؤى السرد ومدى اشتباكها مع المتحقق على مستوى الواقع الماثل بكافة أبعاده. نحن نسير الآن في خط الحكي، بينما توقف خط النقد الفاعل منذ زمن. وإزاء هذا الحال كيف يمكن أن نقيم الحكي، ونفرزه، ونشير إلى آنية رؤاه أو ماضويتها؟ هذه أسئلة مشروعة في نظري ويفترض أن تجد أجوبة من قبل المعنيين في النقد. أما الكاتب فيجب ألا تقلقه هذه المسائل إن أراد أن يخلص لمشروعه ويستمر فيه. الجدل حول أية رواية لا يدل بالضرورة على أن الرواية المثيرة له رواية ناجحة بالمقاييس الإبداعية، فقد يرتفع اللغط حول رواية ما فترة من الزمن لأسباب دعائية بحتة ولكنها سرعان ما تتوارى عن واجهة المشهد لأنها تفتقر إلى ديمومة الفن الحقيقي. وفيما يتعلّق بي فأنا أكتب لأن القارئ موجود، ولأني أشعر بأن المسافة بيني وبينه يحكمها ما أقدم من عمل وليس ما يكتب عنها. نعم، أقدر كثيراً من يتطرق إلى أعمالي منطلقاً من رؤية نقدية خالصة تعكس احترامه لمجاله ولسمعته، غير أني ألتمس الكلمة الأهم من القارئ نفسه سواءً ذلك القارئ الذي يعرفني أو الذي يقرأ اسمي في أعمالي للمرة الأولى. وعموماً قائمة الأسماء التي تشكل الآن مشهدنا السردي المحلي لا تزال قصيرة وأنا ضمن هذه القائمة بالطبع ومسألة انتظار متى أصل إلى أعلى القائمة لا أفكر فيها إطلاقاً لأن الهدف الذي يهمني لا يتعلّق بمعرفة من هو في أعلى القائمة ومن يحتل أسفلها بل بمعرفة كيف تبدع؟ وكيف تكتب اعتماداً على قدراتك وموهبتك واحترامك للفن وليس اعتماداً على الصدفة ولا على «تكفى يا دكتور فلان افزع لي».
٭ الرواية الإشكالية من وجهة نظري هي التي تشتبك مع الواقع ويتم تداولها على مستوى القارئ والناقد. وهي أيضاً الرواية التي تحدث الضجيج كما فعلت رواية بنات الرياض؟
- تعريف الرواية الإشكالية بهذا المعنى قد يقع ولكن ربما كان ذلك على حساب الفن والعمق. الاشتباك مع الواقع بدون فن يتحول إلى أي شيء آخر سوى الأدبي. ما فائدة أن تتحدث عن الواقع بالصراخ مثلاً وكان يمكنك أن تحول الصراخ إلى صوت جميل يشد الأسماع ويوصل ما تريد أن تقوله بدون إزعاج؟ كما أن إعلاء نبرة الأنا الخاصة بالكاتب من أجل طرح قضيته على القارئ يفسد الفن ويقلب المسألة إلى خطاب أيديولوجي وشعاراتي. ونفس الشيء يحدث لمن يستغل ما يدور الآن من تعاطف دولي حول حقوق المرأة ويكتب رواية تتحدث عن هذا الموضوع ولكن من دون اعتبار للشروط الفنية المطلوبة لكتابة رواية تراهن على الزمن والرسوخ في الذاكرة.
٭ هل نقول إن فضاءات قنص مخلوقة للتأمل النفسي. وبهذا تصنف الرواية كرواية نفسية؟
- أظن بأن تقييدها في هذا البعد يلغي منها الكثير. نعم، هناك مساحة من التأمل ولكن الرواية بشكل عام - أية رواية - تشتمل على أبعاد أخرى يفترض ألا تغيب عن بال القارئ النابه.
٭ لك رأي بأن الرياض لم تنتج رواية حديثة. فكيف ترصد تجارب كفخاخ الرائحة وصوفيا وكائن مؤجل وما مدى اقترابها من الرواية الحديثة؟
- لا أذكر متى قلت هذا الرأي إن كنت قلته بالفعل وعلى أي حال فخاخ الرائحة وصوفيا لم أقرأهما إلى الآن ولا أستطيع بالتالي إبداء رأيي فيهما، أما كائن مؤجل فقد كتبت عنها قراءة انطباعية نشرت قبل شهور وخلاصة رأيي هي أنها لم تضف جديداً إلى المشهد السردي. هذا هو رأيي باختصار شديد، لكن هناك آراء تمتدح الرواية وتشيد بها، والكاتب فهد العتيق من الأسماء المعروفة منذ زمن طويل في القصة القصيرة وهو ليس مثل بعض الذين جاءوا بسرعة إلى السرد واختفوا، ولا مثل بعض الكتاب الذين يكتبون رواية كل ستة أشهر من دون فن ولا عمق. أتصور أن الرواية الحديثة يفترض أن تفارق من ناحية الشكل كافة الأشكال التقليدية المعروفة في الرواية. أي تستفيد من الحقول الفنية المعاصرة كالسينما، والفن التشكيلي، والمسرح، ولكن ليس على طريق البناء الأفقي الراكد الخالي من حساسية الفن. الرواية فن التجريب، والابتكار وخلق الأشكال، مع إعطاء نفس الأهمية للموضوع، والأسلوب، وانفتاح اللغة على الشعر والمجاز. وبناء على هذا الفهم، أظن بأن الرواية الحديثة عندنا لا تزال غريبة على المشهد، وإن وجدت فهي موجودة خارج الزخم الإعلامي الراهن.
٭ وأنت تراهن على القارئ المنتظر الذي ينجذب للفن في روايتك ألا تخشى ونحن نعيش تكاثراً روائياً في الإصدارات الروائية على مدار العام من تغييب رواياتك وبالتالي لن تكسب القارئ المنتظر وفي ذات الوقت لم تكسب القارئ الذي يقرأ الروايات الأخرى التي أنت تتحفظ على مستوياتها السردية؟
- القارئ موجود معنا وسيبقى بعدنا وهذا ما يعطي الكاتب فرصة اتصال أطول بالقارئ. ليس للكاتب أن يطالب بكل شيء وهو لا يقدم شيئاً. أما إذا قدم ما يستحق فإن فرصة منحه مكانته اللائقة به ستكون أفضل لكن احتمال حصوله عليها في حياته يبقى من الأمور غير المؤكدة. وإجمالاً، لا يوجد عمل أدبي ليس له قراء. كل الأعمال الأدبية التي صدرت والتي لم تصدر بعد لا يمكنها أن تتجنب القارئ سواءً أكانت جيدة أم رديئة، وبناء على ذلك يصعب قبول فكرة (تغييب الرواية) إلا إذا كانت من ناحية نقدية أو من ناحية اصطراعات آيديولوجية، أما من ناحية تغييبها من قبل القارئ العام فذلك غير ممكن لأن مجرد أن تصل الرواية إلى شخص أو عدة أشخاص يكفل لها مقروئية ما تجنبها القطيعة الكاملة مع القارئ. ومن هنا فأنا لا أخشى أبداً من هذه القطيعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.