ليست البكائية وحدها - رغم قسوتها - هي التي توحد بين المسلسلات الرمضانية, والتي أصبحت علامة مميزة لمعظم المسلسلات الخليجية تحديدا ولكن هناك ظاهرة عجيبة تسيطر على معظم المسلسلات الخليجية الرمضانية, وهي غياب الخير والحب والجمال, وحضور الشر والكراهية وتشويه النفس البشرية بالمشاعر التي تجنح الى الممارسات الغريبة والسلوكيات المرفوضة, وكذلك غياب قيم الفضيلة يقابله حضور ملامح الفساد حيث الخيانات الزوجية, وتعاطي المخدرات والعقوق الاسري, وخاصة عقوق الوالدين, والسطو على حقوق الاخرين, وهذه سلوكيات لم يعرفها المجتمع الخليجي, وان ظهرت في بعض الحالات النادرة, فانها لاتشكل ظاهرة تكتب من اجلها المسلسلات التلفزيونية المطولة. صحيح ان المجتمع الخليجي ليس مجتمع ملائكة, لكن التركيز على هذه السلبيات بهذا الشكل المباشر, وكأن مهمة الفن هي الدعوة الى ممارسة هذه السلوكيات الشاذة في المجتمع الخليجي. ان مهمة الفن هي الرقي بسلوكيات الفرد, وتهذيب اخلاقياته, والسمو به الى آفاق الخير والحب والجمال, وترويض نفسه لرفض كل معاني الفساد والشر. الاجيال الجديدة هي الاكثر تأثرا بما يطرح في هذه المسلسلات ومن الخطر ان تتربى هذه الاجيال الجديدة, ويتربى معها اليقين بان مجتمعاتها غارقة في هذه السلوكيات الفاسدة, كل ذلك يمهد امامها الطريق لارتكاب الاخطاء باعتبارها جزءا من نسيج المجتمع, وهذا غير صحيح, فقد بني المجتمع الخليجي على التعاون والتكاتف والحرص على القيم الاخلاقية, ونبذ كل مظاهر الفساد, ومحاربتها بقوة ودون هوادة, وهذا هو الذي يجب التركيز عليه لتأصيل هذه القيم الاخلاقية, وترسيخها في وجدان الاجيال الجديدة, من خلال الفن الذي يمكنه ان يؤدي رسالة تربوية وتثقيفية وتوعوية لايمكن لغيره ان يؤديها, لما يملكه من ادوات التأثير, ذات السيطرة على قلوب وعقول المشاهدين. ثم ان شهر رمضان بجلاله وروحانيته لابد ان يحظى باحترام الجميع, ومثل هذه المسلسلات تسيء الى حرمة الشهر الكريم, وتخدش صيام الصائمين, وقد آن الاوان لاعادة النظر في هذه المسلسلات, لتقديمها بشكل يساهم في بناء المجتمع وليس في هدمه باشاعة السلوكيات السيئة بين افراده, وتعويد الاجيال الجديدة عليها.