نجح الابن حيث فشل الاب. جورج بوش (58 عاما) الذي وصل بشق الانفس الى البيت الابيص قبل اربع سنوات والذي طاردته منذ وصوله اعتداءات الحادي عشر من ايلول سبتمبر 2001، عاد امس الاربعاء منتصرا الى البيت الابيض محققا ولاية ثانية فشل فيها الاب. وقد جاهد بوش بقوة لكي يمسح ما علق بصورته من ادمان على الكحول خلال السنوات الاربع المنصرمة التي تركت آثارها على شعره الذي ازداد بياضا. وسعى بوش الابن من البداية الى الافادة من صورة ابيه الذي احتل البيت الابيض بين عامي 1988 و 1993 لكن الاب سرعان ما قهره مرشح ديموقراطي سحر الاميركيين باناقته وهدوئه: بيل كلينتون. ولد جورج ووكر بوش في السادس من تموز يوليو 1946. وتبع بوش الابن المسار التقليدي لابناء العائلات الميسورة. فالتحق عام 1964 بجامعة يال المرموقة بولاية كونتيكت حيث ترك ذكرى طالب يحب العبث والمزاح وقلما ينكب على الدراسة. بعد ان تخرج من يال، بذل كل ما في وسعه لتجنب المشاركة في حرب فيتنام، فالتحق عام 1970 بالحرس الوطني في تكساس حيث اصبح طيارا. والتحق فيما بعد بجامعة هارفرد على الساحل الشرقي حيث درس ادارة الاعمال. غير ان محاولاته الاولى لخوض مجال الاعمال، وتحديدا في القطاع النفطي مثل والده، كانت شاقة وباءت بالفشل. وفي 1977، التقى لورا ويلش، وكانت الفتاة امينة مكتبة في تكساس وتصغره باربعة اشهر، فاحبها حبا كبيرا منذ الوهلة الاولى وتزوجها بعد ثلاثة اشهر. وبعد ان باءت كل محاولاته في مجال الاعمال بالفشل، قرر جورج ووكر بوش خوض الحقل السياسي، سائرا في ذلك ايضا على خطى والده الذي اصبح من كبار الشخصيات الجمهورية. فقدم ترشيحه عام 1978 عن هذا الحزب في احدى دوائر تكساس، غير انه مني بهزيمة ايضا في وجه الديموقراطي كنت هانس. وفي 1981، انجبت لورا بوش التوأمتين جينا وباربرا. وبموازاة الاخفاق المهني والسياسي، كان جورج بوش يتناول الكحول باسراف ويكثر من السهر مع اصدقائه. وفي 1992، هزم والده في الانتخابات الرئاسية ودخل بيل كلينتون الى البيت الابيض، غير ان جورج بوش وشقيقه جيب اللذين شاركا في هذه الحملة الانتخابية كانا على استعداد لاكمال طريق والدهما. فترشح الاول لمنصب حاكم تكساس (جنوب) عام 1994، فيما ترشح الثاني لمنصب حاكم فلوريدا (جنوب شرق). وجاءت النتائج بمثابة مفاجأة لجميع المراقبين السياسيين ولعائلة بوش نفسها، اذ فاز جورج ووكر بوش على الحاكمة الديموقراطية المنتهية ولايتها آن ريتشاردز التي كان الجميع واثقا من فوزها، فيما فشل جيب الذي كان يعتبر الوريث الطبيعي لوالده. وفي نهاية الامر، انتخب جيب عام 1998، في حين فاز جورج بوش بولاية ثانية. وبالرغم من ان جورج بوش كان مجهولا من الاميركيين بصورة عامة، الا ان برنامجه السياسي جعله يظهر في موقع المرشح المثالي عن الجمهوريين لاستعادة البيت الابيض من الديموقراطيين في انتخابات العام 2000. وقام بحملة انتخابية ناجحة ضد نائب الرئيس المنتهية ولايته آل غور. وكانت نتائج الانتخابات موضع جدل كبير ومحتدم في الولاياتالمتحدة، حيث حصل بوش على عدد من الاصوات اقل من غور، غير انه تمكن من الفوز بعد معركة قضائية طويلة رجحت الكفة فيها اصوات كبار الناخبين في ولاية فلوريدا التي لا يزال شقيقه حاكما عليها. واعتبر الصحافي فرانك بروني في سيرة حياة الرئيس الشاب ان جورج بوش دخل التاريخ بلا مبالاة. غير ان اعتداءات 11 ايلول سبتمبر 2001 بدلت الوضع بشكل كلي. فبعد بضع ساعات من الذهول والتردد، تحول جورج بوش الى رئيس في زمن حرب، فوعد الشعب الامريكي بالثأر من موقع انقاض برجي المركز التجاري العالمي في نيويورك. وازدادت شعبيته حتى بلغت الذروة وحصل على دعم الاسرة الدولية برمتها للتدخل في افغانستان. غير ان هدفه الحقيقي كان صدام حسين الذي بقي في السلطة في حين سقط والده منها. فبعد ان ترك جورج بوش الاب الرئيس العراقي في السلطة بعد حرب الخليج عام 1991، اضحى صدام حسين العدو اللدود لجورج بوش الابن، حتى ان المعركة اتخذت منحى شخصيا حين اعلن جورج بوش في ايلول سبتمبر 2002 (هذا الرجل اراد ان يقتل والدي)، في اشارة الى محاولة اغتيال عام 1993 نسبت الى العراقيين. غير ان الرئيس الامريكي يعتمد في تحركه اسلوبا مخالفا لاسلوب والده. ففي حين حرص هذا الاخير على جمع عدد كبير من الدول الحليفة قبل خوض الحرب عام 1991، وحذر من مخاطر الدخول الى الاراضي العراقية، سرع الرئيس التدابير العسكرية تمهيدا للاجتياح واثار استياء معظم حلفاء الولاياتالمتحدة واطلق القوات الامريكية في اذار مارس 2003 في هجوم خاطف على بغداد. واختار بوش الظهور في بزة طيار حربي على متن حاملة طائرات امريكية في ايار مايو لاعلان نهاية المعارك الرئيسية، علما انه لم يشارك يوما في معركة. وبالرغم من تفاقم الفوضى في العراق حيث قتل اكثر من الف جندي امريكي وعدم العثور على اثر لاسلحة الدمار الشامل في هذا البلد، تمسك جورج بوش بتعنته وجعل منه سلاحه الرئيسي لخوض انتخابات تشرين الثاني نوفمبر سعيا الى ولاية ثانية. وهو يجد في ذلك لنفسه مثالا تاريخيا في رئيس الحكومة البريطاني ونستون تشرشل. وسئل جورج بوش مرارا ان كان يرى انه ارتكب اخطاء في ولايته الاولى، فرد بالنفي، تاركا للتاريخ ان يحكم ويردد لازمته (انها مهمة ينبغي الالتزام بها).