اصدار الحكومة اليمنية اللائحة التنفيذية لقانون المنظمات والجمعيات الأهلية فتح الباب أمام مواجهة جديدة بين السلطات ومنظمات المجتمع المدني ، خاصة في ظل الترتيبات التي شرعت الحكومة في اتخاذها لضبط الاختلال الحاصل في جانب التمويلات المالية التي تلقاها المنظمات من جهات خارجية وتزايد الانتقادات جراء تلاشي رقابة الدولة على نشاطها. وأثار صدور اللائحة موجة احتجاجات واسعة من قبل نشطاء المجتمع المدني خاصة أنها تزامنت مع قيام وزارة الشئون الاجتماعية بتنفيذ حملات تفتيشية طالت العشرات من المنظمات المدنية وإعلان المسؤولين عن الحاجة لإعادة ترتيب أوضاع أكثر من 60 % من المنظمات الأهلية العاملة بدعوى أنها مشلولة وغير فاعلة وغير ملتزمة بالقوانين . ويقول المسؤولون في وزارة الشئون الاجتماعية والعمل إن السنوات الأخيرة شهدت تزايدا كبيرا في عدد المنظمات غير الحكومية ، في ظل غياب النشاط النوعي الذي تقدمه هذه المنظمات . وطبقا لتقرير صدر أخيرا عن الوزارة ،فقد بلغ عدد الجمعيات والمنظمات غير الحكومية المسجلة لدى الجهات الرسمية ، حتى منتصف العام الجاري 4 آلاف و576 منظمة أهلية وتعاونية ،تتبعها حوالي 386 فرعا، في حين كان عددها منتصف العام الماضي 2003م 4105 منظمات . وبحسب التقرير فان نشاط الكثير من المنظمات مجمد منذ فترة طويلة ، وتعاني بعضها مشكلات بين مؤسسيها ادى استمرارها إلى جمودها. وتؤكد وزارة الشئون الاجتماعية أن نسبة المنظمات والجمعيات الفاعلة لا تتعدى 25 % من إجمالي المنظمات ، في حين أن هناك أكثر من 1400 منظمة وجمعية أهلية ، انتهت شرعيتها القانونية بسبب عدم عقد دوراتها الانتخابية. ويجمع العديد من نشطاء المجتمع المدني على ان التجربة اليمنية في الانتقال إلى المجتمع المدني لا تزال تواجه بعراقيل كبيرة أهمها افتقاد الكثير من المنظمات آليات البناء المؤسسي ،وعدم وجود القدرات التي تقود عملية التأهيل الأمر الذي أعاق دورها ومساهماتها الفاعلة في عملية البناء والتنمية . ورغم ذلك فان المنظمات غير الحكومية تتهم الحكومة بعرقلة نشاطها من خلال تدخلاتها المستمرة في عملها تحت مظلة القانون والرقابة . ويقول المحامي احمد عبدالرقيب العامري ان قانون الجمعيات ولائحته التنفيذية عزز من سيطرة الوزارة على الجمعيات والمؤسسات الأهلية من خلال الواجبات التي نصت عليها وإعطائها الحكومة الحق في الرقابة المباشرة على أنشطة الجمعيات والمؤسسات الأهلية وفرض الكثير من القيود على الجمعيات . ويرى المحامي محمد ناجي علاو منسق الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات (هود) ان نصوص القانون ولائحته التنفيذية تضمنت احكاما تتعارض مع الدستور . ويقول علاو: ان النصوص القانونية المعمول بها منحت الجهات الحكومية حق منح التراخيص للمنظمات .. وهذا تدخل مسبق من السلطة الإدارية يتنافى مع المبدأ الدستوري الذي يكفل حق تأسيس منظمات المجتمع المدني. ويرى المحامي جمال الدين الاديمي رئيس ملتقى المجتمع المدني أن الدستور ضمن الحق في إنشاء وتأسيس الجمعيات والمنظمات الأهلية إلا أن القانون الخاص بها سلب نصف ذلك الحق فيما سلبت لائحته التنفيذية النصف من ذلك ولم يبق إلا الربع يتم سلبه من الموظفين الحكوميين أثناء التطبيق . التزامات وشروط وعلى عكس ما يراه الناشطون في منظمات المجتمع المدني ،يوضح وكيل وزارة الشئون الاجتماعية والعمل علي صالح عبدالله أن هناك مبالغات من جانب المنظمات غير الحكومية تجاه القانون . ويشير عبدالله إلى أن القانون ولائحته التنفيذية احتويا على ميزات كثيرة مثل المرونة في التعامل مع قضايا المجتمع المدني خاصة ما يتعلق بالتأسيس وإشكالية التمويل الخارجي الذي يظل محور الخلاف بين الجهات الحكومية والجهات الأهلية ،غير أن المشكلة على حد قولة تتعلق بالاختلالات التنظيمية التي تعيشها المنظمات. ويؤكد وكيل وزارة الشئون الاجتماعية والعمل عدم وجود تحفظ من قبل الحكومة على التواصل بين المنظمات وبعض الجهات الخارجية التي توفر لها بعض التمويلات غير أن ذلك ينبغي أن يتم بعلم الجهات المعنية بالحكومة . ويشير إلى أن هناك جوانب لابد للحكومة أن تكون على اطلاع وعلم بها حتى تستقيم عملية أداء ونشاط الجمعيات ومنها على سبيل المثال قيام الحكومة بأعمال التدقيق في التقارير السنوية لنشاط وأداء المنظمات والجمعيات لتقييم الأداء ومعرفة المؤسسات الفاشلة التي تؤدي أدوارا أخرى تضر ولا تخدم المصلحة الوطنية.