شكلت مسألة التعديلات في قوانين الأسرة المحور الأولي لانشغالات الصحف الجزائرية الأسبوع الماضي . وقد أسالت هذه القضية الكثير من المداد في الساحة الإعلامية الجزائرية لأشهر متتابعة، وذلك بعد أن استقطبت الاهتمام في الجارة المغرب، وقبلها في جمهورية مصر العربية. فما يزيد على 20 صحيفة تناولت هذا الموضوع، ولكن بالطريقة الجزائرية، حيث يغلب الطابع السجالي، وأحيانا الكاريكاتوري على طبيعة التناول. وكان الاسم الذي حضر عبر كل الصفحات تقريبا هو اسم عمارة بن يونس، الأمين العام للاتحاد من أجل الجمهورية والديمقراطية، الذي طالب في ندوة صحفية بحل الأحزاب الإسلامية، لأنها تمثل في نظره خطرا على التوجهات الديمقراطية للبلد، بالإضافة إلى دعوتها للجهاد في مقابل المحاولات، التي تقودها قوى حية في البلد، من أجل تغيير قوانين الأسرة. وكان ابن يونس عضوا في حزب الزعيم القبائلي سعيد سعدي المعروف بخصوماته المتعددة مع الإسلاميين. ويطالب بن يونس بتكتل القوى الوطنية والديمقراطية للتصدي لمعارضي قانون الأسرة الجديد، قائلا مهمتي هي مكافحة المشروع الأصولي وكل الأصوليين، داعيا الشيخ عبد الله جاب الله، زعيم حركة الإصلاح الوطني، وبو جرة سلطاني زعيم حركة مجتمع السلم (حمس) إلى مناقشة قانون الأسرة باعتبارهم قادة سياسيين لا بوصفهم علماء وأئمة، حسب قوله. من جهة أخرى دعت نعيمة صالحي، رئيسة الاتحاد الوطني للإطارات من أجل الجزائر رئيس الوزراء احمد اويحيى إلى التزام النزاهة في الدفاع عن قانون الأسرة، وعدم استعمال مركزه كرئيس للحكومة للضغط بهدف تمرير مشروع القانون المعدل . وقالت في تصريح لصحيفة الوسط المستقلة، إن الصراع الدائر بين المدافعين عن المشروع والرافضين له يشبه الحرب المعلنة من طرف واحد . وكانت أغلب الصحف الجزائرية اتهمت الحكومة بالتذبذب والكذب فيما يتعلق بالقوانين المتعلقة بالأسرة، في حين يطفو على السطح الاختلاف بين الحكومة واللجنة المكلفة بالتحضير لهذا التجديد في المدونة، بما يوحي بأن الحكومة والجهات المؤيدة لها سياسيا تحاول أن تخطو هذه الخطوة لوحدها، وتجعل من اللجان المكونة للغرض مجرد معبر للغاية، سواء وافقت هذه اللجنة أو رفضت. وفي هذا الإطار نشرت اليومية الإخبارية البلاد نداء وجهته الهيئة الوطنية لحماية الأسرة إلى الجزائريين، تدعوهم إلى التحرك للدفاع عن أسرهم، والوقوف في وجه محاولات إلغاء قانون الأسرة الأصلي، واستبداله بأحكام مستوردة، أو تلفيقات من مذاهب إسلامية بترت من محيطها . ورفعت هذه الهيئة شعار نعم للتعديل والإثراء، لا للإلغاء .. نعم للاستفادة من التنوع والثراء الفقهي دون انتقائية أو تلفيق .. و لا للفرض بقرارات فوقية .. نعم لاستفتاء شعبي حول موضوع يمس كل الجزائريين . ووقع على هذه الوثيقة مجموعة من الوجوه الوطنية المرموقة مثل الشيخ عبد الرحمان شيبان، وزير سابق ورئيس جمعية العلماء المسلمين، وموسى تواتي رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، ومجموعة من البرلمانيين وممثلي هيئات أو جمعيات وطنية. وفي شأن ذي صلة حضر موضوع دعم الدولة للأمهات العزباوات بقوة في نقاشات الصحف. وغلب على هذا الأمر التناول الطريف للموضوع، إذ تعرضت صحيفة الصباح إلى القضية، التي أثارت الكثير من الردود والنقاشات، ويتعلق الأمر بدعم الدولة، من خلال وزارة التضامن الوطني، للأمهات العازبات ب10 آلاف دينار جزائري شهريا، (الدولار يعادل نحو 80 دينارا). وقد أجرت الصحيفة حوارا مع أربع شخصيات وطنية هم إبراهيم بولحية، عضو مجلس الأمة، وهو قاض ونائب برلماني سابق، والشيخ شمس الدين بوروبى، رئيس الجمعية الخيرية الإسلامية، وعيسى بلخضر، رئيس جمعية الإرشاد والإصلاح الوطنية، وعبد الرزاق مقري نائب رئيس حركة مجتمع السلم حمس لمناقشة ذات الموضوع. وفضل بولحية أن تمنح العشرة آلاف دينار إلى مؤسسة مختصة تعطي هذه الأموال للأطفال، وليس للأمهات العازبات ، لأن ذلك حسب رأيه يعد تشجيعا لهن على الفساد. أما أطفالهن فليس لهن أي ذنب في أفعال أمهاتهن. واعتبر أن هذا المشروع هو جزء من هجمة شرسة على أفكارنا ومقوماتنا، ويحمل في طياته دعوة للفتيات إلى الانحراف ، كما قال. أما الشيخ شمس الدين بوربي فأبدى أسفه لمنح الدولة للزوجة الحلال مبلغ ألف دينار شهريا، وإذا تعرضت للطلاق مثلا، فان أقصى ما تتقاضاه هو مبلغ 3000 دينار جزائري، وأضاف يقول كأننا نريد أن نقول للمرأة التي تعيش في الحلال، في حال ما أصابها الفقر، أو لم تقدر على متطلبات العيش: هناك طريق آخر لتقاضي 10 آلاف دينار . وساق الشيخ إحصاءات رسمية صادرة هذه السنة تتحدث عن وجود 75 ألف أم عازبة، وهو الرقم الذي رشحه للتضاعف عشرات المرات في حال تبني هذا القانون الجديد، معتبرا ذلك تشجيعا صريحا على الانحراف. أما بلخضر فعبر عن مفاجأته بهذا القانون، واعتبره استكمالا لتلك الشكوك التي تسيطر على الساحة الجزائرية، بدء بحملات التنصير، وانتهاء بما يروج من حديث عن التعديلات، التي وصفها بالاستفزازية في قانون الأسرة. وقال هذا أمر لا نستغربه من أناس مجهولين عن مجتمعاتهم وعن هويتهم .