"قدم رجل من النحويين رجلا الى السلطان في دين عليه فقال: اصلح الله الأمير لي عليه درهمان، فقال خصمه: لا والله ايها الامير ان هي الا ثلاثة دراهم، ولكن لظهور الاعراب ترك من حقه درهما". ما رأي جنابك في هذا النحوي؟ هل تراه متحذلقا يدعي الفطنة وهو بعيد عنها بعد النحو نفسه عن سلامة التعليل، أم تراه كريما الى حد التنازل عن حق من حقوقه لخصمه؟ أم ترى ان الاتهام الذي رجمه به خصمه اتهام صحيح؟ اظنك ترجح الاحتمال الثالث وبالتالي تكون الحذلقة ملتصقة به تلقائيا ولكن هل الحذلقة صفة خاصة بالنحويين كما يدعي الجاحظ حتى حدود السخرية؟ أم انها صفة نراها بأوجه مختلفة في معظم الناس من جميع الاختصاصات والأعمار والثقافات؟ إن الفيلسوف الذي يدعي الجمع والتطابق بين آراء افلاطون واراء ارسطو أليس فيلسوفا متحذلقا؟ والفقيه الذي يصدر فتواه بناء على رواية تخالف نص آية في القرآن الكريم أليس فقيها متحذلقا؟ والكاتب الذي يساقط عليك الاحجار اللغوية وكأنه جدار منقض أليس كاتبا متحذلقا؟ اعتقد ان كل فرد منا متحذلق بصورة من الصور.. فمن لم يتحذلق في كلامه يتحذلق في افكاره أو في مواقفه او حتى في لباسه وطريقة وضعه لعقاله، وما عليك الا ان تلتفت بالعين المجردة الى حركات الناس وسكناتهم، رأسيا وافقيا. هل تريد ضرب مثل على الحذلقة الفاقعة؟ خذ هذا: "حين عاد الأب من السفر وجد ابنه الصغير في استقباله، سأله: كيف الامور؟ اجابه الابن: كل شيء على ما يرام يا ابي وما حدث شيء بسيط، ماهو؟ انكسرت عصا المكنسة، ضحك الاب وسالة: كيف انكسرت؟ وقعت عليها البقرة. وماذا حدث للبقرة؟ لقد ماتت حين هربت مذعورة، ولكن مم هربت؟ هربت من الحريق يا ابي، لقد احترق بيتنا. وكيف احترق المنزل؟ اخي الكبير رحمه الله كان يدخن حزنا فوقعت السيجارة من يده واحترق البيت، وهل مات اخوك؟ نعم انه مات حزنا، حزنا على ماذا صرخ الاب؟ حزنا على امي انها ماتت" هل تريد ضرب مثل اخر؟ لا اظن.