قبل أن أقدم على الإعداد لهذا الحوار كنت متخوفاً من أني مهما حرصت على أن تكون أسئلتي متنوعة وشاملة فستبقى قاصرة على أن أصل من خلالها الى حوار يشبع طموحي في كشف كل جوانب شخصية رجل بقامة محمد بن دخيل العصيمي , وبعد أن جلست أمامه وبدأت بطرح أسئلتي وجدت أن ما تبقى منها لن يفي بالغرض للخروج على أقل تقدير بحوار مقنع لي وللقراء , لكن حسبي أني استطعت السيطرة على رغبتي الجامحة وفضولي الصحفي لمعرفة كل شيء والسؤال عن كل شاردة وواردة في حياة بن دخيل , فقررت حصر الأسئلة والحوار في جوانب محددة تهمنا هنا في هذا الملحق المتخصص بالشعر الشعبي فجاء هذا الحوار الذي أزعم أنه لامس أموراً مهمة لكل من له صلة بالساحة الشعبية , والحوار مع محمد بن دخيل الشاعر والأديب والمؤرخ والصحفي ورجل الدولة والبدوي الذي تمسك بأصالته دون أن يتخلف عن ركب الحضارة .. حوار لا نهاية له , وكم تمنيت لو أني معد برنامج تلفزيوني يحكي سير الأعلام فأخصص لابن دخيل عشر حلقات متواصلة أو أكثر يتحدث فيها بإسهاب عن تجاربه ومشاهداته في شتى المجالات - أترككم مع ما قاله ضيفنا في هذا الحوار: @ لك العديد من المؤلفات في مختلف المجالات , ما نصيب الأدب الشعبي منها ؟ * ليس لي في الأدب الشعبي الا مؤلف واحد وهو ( ديوان شعراء عتيبة ) عبارة عن كتابين والثالث في طريقه للنشر , وهذا الديوان يضم مجموعة كبيرة من القصائد التي تجمعت لدي في بحوث تاريخية سابقة واضطررت أن أجمعها في ديوان ليسهل على الباحث الاستدلال بأيسر الطرق , كما أن لي عدة محاضرات قدمتها منذ سنوات في المنتدى الشعبي للمنطقة الشرقية من أهمها محاضرة عن الشاعر عريعر بن دجين وأخرى عن العوني , وهذه المحاضرات قد تجمع كلها في كتاب واحد , وأحبذ أن يقوم بهذه المهمة أي جهة رسمية مثل المنتدى الشعبي أو غير ذلك من الجهات المعنية. @ وما عدا ذلك ما أهم المؤلفات التي صدرت لك؟ * لي مؤلفات عديدة منها (الهولة أو عرب فارس) و(الكويت) و(قبائل هوازن) وأخرى في الطريق لترى النور بحول الله وقوته منها (مع قبائل الجزيرة) و(قبائل شرق الجزيرة) و(الجوهرة - مجموعة قصصية ) و( شرق الجزيرة عبر التاريخ ) و(معجم التاريخ الاسلامي) و(أحاديث وشجون). * هل يجوز للمؤرخ أن يتعامل مع الموروث بانتقائية معينة بحيث يستبعد ما لا يصلح ذكره من الأحداث والقصائد؟ * التوثيق هو الإثبات وأي مؤرخ لا يعتمد على التوثيق فمعلوماته ناقصة ولا يعتد بها , ولابد من التأكد من المصادر , وهناك أشياء يجب ألا تذكر في الكتب التي يتم تاليفها بهذا الخصوص إذا كانت مضرة وتسيء للقبائل والأسر ويجب أن تستبعد . @ حتى ولو كانت لها صلة وثيقة بأحداث أخرى مهمة ومفصلية ؟ * المعلومة أحياناً تكون في بيت شعر يحقق الوقائع ولا يسيء لأحد , ودرء المفاسد مقدم على كل حال , كما أن المؤرخ والمؤلف ينبغي أن يكون ذكياً وحريصاً على تجنب مثالب الناس . * من من المؤرخين الشعبيين ترى أنه قدم أعمالا متميزة في هذا الجانب؟ * أكثر من خدم الموروث هو الشيخ عبدالله بن خميس أطال الله عمره وألبسه ثياب الصحة والعافية , والشيخ حمد الجاسر أيضاً الذي لم تنحصر خدماته في الشعبي بل كان شاملاً ولكنه إذا مر على معلومة من الموروث فإنه لا يغفلها ويأخذ بها كشاهد أو موصل لما بعدها من معلومات , أما ابن خميس فقد تخصص في الموروث الشعبي بشكل كامل وأول من أصدر مؤلفاً عن الأدب الشعبي في وقت كانت فيه المصادر في الشعبي شحيحة جداً . @ لماذا ما زلنا نرى اختلافات تدور حول نسبة بعض القصائد لأصحابها مع كثرة الكتب والدواوين الشعبية؟ * الاختلافات قائمة وستستمر في هذه المواضيع كما أنها قائمة في مواضيع أهم من ذلك , ومسألة نسبة القصائد لغير أصحابها دائماً ما تكون غير مقصودة ولذلك لا أرى أنها قضية شائكة فما يهمنا هو وجود القصيدة والرواية الصحيحة لها . @ ما أهم المصادر التي يعتد بها في هذا الجانب؟ * أهم هذه المصادر مخطوطة الصويغ التي كتبت قبل مائة عام , وموجود لدي نسخة منها , ويعرف على شكل واسع أنه فقد منها صفحات كثيرة تصل الى خمسين صفحة أو أكثر , وهذه المخطوطة توثق قصائد كثيرة ومهمة معروفة بشكل كبير. @ قدمت محاضرة قبل سنوات عن الشاعر عريعر بن دجين , حدثنا عن هذا الشاعر وأهمية الحديث عنه؟ * عريعر بن دجين ابن سعدون هو أمير بني خالد في زمنه وأمير الساحل الشرقي وامتد حكمه في الفترة من 1166 - 1188 ه وكان فارساً , والمحاضرة قامت على قصيدة واحدة له حوت مواضيع متعددة وقيلت في فترة اهتزاز أمارته , ولكونه شاعر وأمير وقصيدته تحوي ذات صور تاريخية مهمة أقيمت تلك المحاضرة التي نظمها المنتدى الشعبي وأقيمت بفرع جمعية الثقافة بالدمام . @ لماذا لم تتقدم بمشروع برنامج للاذاعة أو التلفزيون تقدم من خلاله ما لديك من مواضيع ذات صلة بالأدب والتاريخ الشعبي؟ * عرض علي أكثر من مرة ورفضت ذلك لأنهم أرادوه برنامجاً عادياً لا يختلف عما يطرح الآن , وأنا لست على قناعة بمستوى ما يقدم , وهذه مشكلة التلفزيون لدينا فالقائمون عليه لا يريدون أن يتزحزحوا عن الخط الذي وضعوه منذ عشرات السنين لبرامج الموروث . @ هل تعتبر ما يقدم من برامج في القنوات الفضائية من قبل بعض الرواة تخدم الموروث ؟ * لا شك أنه يخدم الموروث , وإن وجدت بعض السلبيات الا أن الإيجابيات تطغى في هذا الجانب. * حدثنا عن بداياتك مع الصحافة الشعبية ؟ * عندما أصدر الشيخ عبدالله بن خميس مجلة الجزيرة عام 1379 ه التي أصبح فيما بعد جريدة الجزيرة , طلب مني أن أشرف على صفحة سميناها (شئون البادية) بالاضافة الى صفحة بعنوان الأدب الشعبي كانت تنشر قصيدة واحدة فقط لقدامى الشعراء , وكان ذلك عام 1381 ه وعلاقتي بابن خميس قديمة حيث عملنا قبل ذلك في مجلة اليمامة التي أسسها الشيخ حمد الجاسر , وقد اختارني الشيخ عبدالله لأني كنت أحرر سلسلة موضوعات عن عشائر الجزيرة ..هذا شيء والشيء الثاني أنه يعرفني شخصياً عندما عملت معه برئاسة القضاء وكان هو وقتها مدير عام رئاسة القضاء , ومع أني كنت اشرف على هذه الصفحة التي سميناها شئون البادية الا ان الكلمة الأخيرة كانت لابن خميس في اجازة ما ينشر فيها , وكنا ننشر بها مطالب أهل البادية وقصصا وقصائد واستمرت هذه الصفحة الى أن أوقفت الجزيرة بقرار من الدولة شأنها شأن الصحف والمجلات الأخرى في ذلك الوقت التي أوقفت وكانت عائدة في مجملها لأفراد ولا تعتبر مؤسسات صحفية مستقلة . @ ألم تجد هذه الصفحة الشعبية في حينها معارضة من المناوئين للشعر الشعبي في ذلك الوقت؟ * لا أبداً لم يعارض الصفحة أحد بل كانت مقروءة ومتابعة وكانت تأتيني عليها أصداء من دول المغرب العربي الذين كانوا يهتمون بأخبار القبائل والبادية والبحوث والقصص التي لها صلة بالصحراء , والذين يعارضون في هذا الوقت فأنا معهم ضد العامية المبتذلة من خلال بعض القصائد , ولكني لا أرى كما يرون بوجوب محاربة الشعر الشعبي لكونه يعمق العامية في المجتمع , فالعامية هي لهجتنا التي نتحدث بها سواء قلنا الشعر أم لم نقله ولن يستطيع أحد إجبار الناس على التحدث فيما بينهم بالفصحى وهذا لن يحدث مهما حاولنا , أضف الى ذلك أن وسائل الإعلام كالإذاعة والتلفزيون تؤدي دوراً أخطر من الشعر الشعبي في تعميق العامية وهي أولى بالمحاربة لنصرة الفصحى . @ وبعد هذا التوقف هل انتهت علاقتك بالصحافة؟ * بعد ذلك انتقلت الى القصيم ومن القصيم جئت للشرقية وأشرفت على صفحة الشعر الشعبي بجريدة (اليوم) لمدة أربع سنوات من حوالي 1406- 1410 ه وكان اسم الصفحة (نواوير شعبية ) استمررت في الاشراف عليها حتى شعرت بأن هناك من يحاول فرض ما ينشر علي ممن لا معرفة لهم بالشعر فقررت الانسحاب. @ هل كانت هناك معاناة في التعامل مع الشعر والشعراء آنذاك؟ * الأمر لا يخلو فهذه متاعب الصحافة , وما كنت أعانيه بشكل كبير هو ندرة الجيد من المشاركات التي تصل عبر البريد , مع أنني لم أكن في وقتها أعتمد على القصائد فحسب فقد كنت أنشر مواضيع مختلفة وبحوثا في الموروث الشعبي . @ كيف كان تعاملك مع المبتدئين في كتابة الشعر؟ * لم أكن أقسو على أحد غير أني كنت أنتقد بشكل مباشر من يهاجموني لأني أرفض مشاركاتهم , وكنت أنتقدهم علنياً عبر كتاباتي , وهذا خطأ مني فالمفروض أن أتعامل معهم بسعة صدر وإن أساءوا لي من خلال رسائلهم واتصالاتهم. @ هل ساهمت في إبراز أحد من الشعراء سواء في الشرقية أو المملكة؟ * كان لدي مجموعة من الشعراء الجيدين من مختلف مناطق المملكة , ولن أذكر أسماءهم خشية أن يفهم ذلك وكأني أنا من أدخلتهم لساحة الشعر , فبعضهم الآن شاعر كبير ويكفيني وفاءهم بشكل شخصي واتصالهم بي من حين لآخر. @ كيف هي متابعتك الآن للمجلات والصفحات الشعبية؟ * في بداية ظهور المجلات التي تعنى بالشعر كنت أتابعها وأحرص على جانب البحوث والقصائد التي لم تنشر من قبل لقدامى الشعراء , أما مؤخراً فلا أجدني مهتماً بها , وهذه المجلات أظهرت لنا شعراء جيدين من فئة الشباب حتى أني أراهم أفضل من الذين سبقوهم ممن تعتبر لغة قصائدهم تقليدية , غير أن الفارق الذي بينهم ليس إبداعياً كما يقول البعض بل هو فارق لغوي جاء لصالح شعراء هذا الجيل بسبب توظيف المتمكن منهم للمفردة الحديثة , وهذه الميزة للعصر والمفردة , ولو أن الشعراء السابقين عاشوا في عصرنا هذا لكتبوا ما هو أفضل من الشعراء الحاليين. @ ألا ترى معي أن محمد بن دخيل المؤرخ والباحث قد ظلم محمد بن دخيل الشاعر؟ * لم أتخل في يوم من الأيام عن الشعر كما أني لم أتخذه وسيلة للظهور , فأنا أقول الشعر إذا رأيت الحاجة لذلك بعكس شعراء آخرين يكتبون ليثبتوا وجودهم فقط , أنا إذا لم أجد الدافع القوي للقصيدة فإني أفضل الصمت , وأحياناً أكتب قصائد وأراجعها بعد فترة قصيرة فأرى أنها لا تستحق النشر والظهور فيكون مصيرها الإعدام . @ إذا ما حجم مخزونك من القصائد؟ * لدي الكثير من القصائد في مختلف المجالات , وأحتفظ بها في أوراق متناثرة في مكتبتي الخاصة منها ما نشر ومنها ما لم ينشر , ولا نية لدي لجمعها في ديوان . @ من الذي أطلق عليك لقب (عميد المحررين الشعبيين) وماذا يعني لك هذا اللقب؟ * اللقب أطلقه خضير البراق في مقالة له تحدث فيها عن أسبقيتي في هذا المجال ويشكر على كل حال , واللقب بالنسبة لي لا يقدم ولا يؤخر والذي يهمني ويهم غيري في هذا اللقب هو المعلومة التاريخية. @ البعض أطلق نفس اللقب على الشاعر راشد بن جعيثن , ما تعليقك؟ * إذا كانت العمادة في هذا الشأن تعني أول من حرر صحيفة شعبية فأنا قد سبقت ابن جعيثن بكثير وراشد يحسب له أنه قضى أطول فترة في الإشراف على صفحة شعبية. @ هل مازلت تبحث عن الشعر الجيد وتحب الاستماع له وقراءته؟ * بالطبع ما زلت أتذوق كل قصيدة جيدة وأميل لكل شاعر جيد , وأنا من المعجبين بالشاعر الكويتي حامد زيد. @ حدثنا عن المنتدى الشعبي لشعراء المنطقة الشرقية الذي كنت شاهداً على تأسيسه , هل تحققت طموحاتكم التي بنيتم عليها هذا التجمع الأدبي؟ * أنا أحد أعضاء المنتدى الشعبي منذ تأسيسه من قبل خضير البراق وبعض الزملاء , وقد وقفت معهم منذ البداية بأن أقمت العديد من المحاضرات ثلاث أو أربع محاضرات تعنى بالشعر الشعبي وتاريخه , غير أني أرى أن طموحاتنا آنذاك لم تتحقق بشكل كامل فالجمعية السعودية للثقافة والفنون لم توله الاهتمام اللازم خاصة أنها جعلت منه أحد أقسام فرع الجمعية بالدمام , فهذا المنتدى هو وصيف النادي الأدبي ويجب أن تكون له استقلالية تامة ليتمكن من إدارة نشاطاته بحرية كاملة , والحق يقال انه بالرغم من ذلك فقائمة إنجازات المنتدى مشرفة ونشاطه ملموس , وأنا شخصياً وكل شعراء المنطقة يقدرون للأمير محمد بن فهد أمير المنطقة وقوفه ودعمه المادي والمعنوي للمنتدى , فقد استقبلنا سموه بمكتبه بعد عام من من افتتاح المنتدى بشكل رسمي وشجعنا تشجيعاً كاملاً , واستمر هذا الدعم حتى قبل عام من الآن عندما أصدر سموه قراراً باهمية الرجوع لجمعية الثقافة والمنتدى قبيل تنظيم أمسيات الشعر وهذا تنظيم لا يوجد في أي منطقة أخرى ويحسب لهذا المنطقة أميراً وشعراء , لأن الفوضى والشعر لا يجتمعان أبداً ومن صالح الجميع أن تكون الأمور مقننة , كما أني أعتبر صدور هذا القرار في عهد زميلنا رئيس المنتدى سابقاً فارس اليامي إنجازاً كبيراً يضاف لإنجازاته في مرحلة رئاسته المنتدى . @ ما المقترحات التي تسوقها للقائمين على البرامج الشعبية بالتليفزيون لتحسين أدائها؟ * لو أن لي صلاحية على برامج الشعر في التليفزيون لألغيتها كلها , ما الداعي لأن يكون في تليفزيوننا خمسة أو أربعة برامج أو أن يكون لكل محطة فرعية برنامج ! وكلها متشابهة في طرحها وسوء الأداء , يكفينا برنامج أو برنامجان أسبوعياً على قدر من التركيز والتنوع في الفقرات , وصدقني أنا لا أتابع برامجنا الشعبية منذ سنوات , وأجد أن برنامج التليفزيون الكويتي أحق بالمتابعة لحسن توقيت عرضه ولأن القائمين على إعلامهم يتعاملون مع الشعر بجدية أكثر. @ ما القيم التي ترى أن توافرها ضروري لدى الشاعر الشعبي؟ * الشعر أخلاق قبل كل شيء والقيم والمبادىء والأخلاق بصفة عامة من المفروض أن يتمثل بها الشاعر ولسنا هنا في مقام تفصيلها فهي معروفة لدى الجميع , ومن يشذ من الشعراء عن هذا المفهوم فهو بطبيعة الحال شاعر غير مقبول مهما أبدع ومهما قدم لنا الجميل من القصائد , وكم من شاعر أعجب الناس بشعره ولكن بمجرد اكتشافهم أن لديه سلوكاً منافياً للقيم أصبحوا ينفرون منه ولا يجدون ميلاً لمتابعة جديده. @ ما علاقة محمد بن دخيل بالشعر الفصيح؟ وهل لك تواصل مع النادي الأدبي بالمنطقة؟ * أحب الجيد من الشعر الفصيح وقد حاولت في فترات سابقة كتابة القصيدة الفصحى غير أني لم أوفق لعدم إجادتي علم العروض , أما النادي الأدبي فأنا عضو فيه وعملت سابقاً كمدير للعلاقات العامة عند تأسيسه , وما زلت أحضر أنشطة وفعاليات النادي. الضيف مع ابنائه واحفاده