إن استخدام الوفاة المأساوية لشخص مشهور لتكون أساساً لمناقشة مشاكل المخدرات العامة هي في العادة بلا جدوى. أولاً، الممثل فيليب سيمور هوفمان، الذي توفي وفي ذراعه إبرة وأكياس من المخدرات حوله، كان يتمتع بالثروة والقدرة على عزل نفسه من بعض القوى الذي تؤثر على الناس العاديين، مثل السعر وتوفر المخدرات، وهي قوى لها تأثير كبير على الأشخاص الذين يعانون من الإدمان. لكن وفاته تلفت النظر إلى السبل التي يمكن من خلالها مساعدة كثير من الناس في عدم الوقوع في هذه الآفة. لم يعرف حتى الآن السبب الدقيق الذي أدى إلى وفاة هوفمان. فإذا كان قد انتقل من تعاطي الأدوية المسكنة إلى الهيروين فقد كان يتبع مساراً مألوفاً. كثير من الأشخاص الذين أصبحوا مدمنين على الأدوية المسكنة (مثل الأوكسيكونتين والفيكودين وما إلى ذلك) يدركون عند مرحلة معينة أن الاعتماد على الهيروين ذي التركيب الدوائي المماثل، أرخص وأسهل من حيث الحصول عليه. على سبيل المثال، يستطيع مستخدمو الهيروين في لوس أنجلوس الحصول على كيس مقابل مبالغ بسيطة، بحدود 8 أو 10 دولارات. وفي نيويورك السعر السائد هو 8 دولارات. قارن ذلك بسعر حبة الأوكسيكونتين، التي تكلف في العادة 50 سنتاً لكل مليجرام (أدنى قوة للدواء هي 10 مليجرامات، لكن المدمنين يستخدمون حبوباً أعلى، حيث تصل أعلى قوة للدواء إلى 160 مليجراماً، وهو ما يعني 80 دولاراً للحبة الواحدة). الأشخاص الذين يفقدون تأمينهم الطبي (الذي يغطي تكاليف الأدوية المسكنة) يمكن أيضاً إلى يلجأوا إلى الهيروين. هذه ليست ظاهرة جديدة. ذكرت وزارة العدل في 2000 أن «كثيراً من الذين يسيئون استخدام الأوكسيكونتين والذين لا يعود التأمين الصحي يغطي تكاليف وصفاتهم، والذين لا يقدرون على الأسعار العالية لهذا الدواء في الشارع، يلجأون إلى الهيروين». وقد رأيتُ عدداً من المرضي في عيادتي للميثادون الذين تحولوا من الأدوية المسكنة إلى الهيروين للاستمرار في عادتهم لكن بأسعار أرخص. حين تشدد الشرطة وأجهزة مكافحة المخدرات القبضة على الحبوب المسكنة غير الشرعية في منطقة معينة، تنشأ حالة من الندرة. هناك عامل آخر، وهو أن الشركة التي تصنع الأوكسيكونتين أخذت منذ عام 2010 تجعل الحبة غير صالحة عند سحقها، حيث تتحول إلى كتلة لزجة ولا يمكن شمها أو حقنها. الأدوية الأفيونية التي من قبيل الأوكسيكونتين ليست ممراً للهيروين، بمعنى أنه ليس كل من يستخدم دواء مسكناً للألم سيذهب بصورة آلية لاستخدام الهيروين. فقط قلة من الناس تفعل ذلك. لكن لا يوجد شك في أن هذه الأدوية تشكل طريقاً لاستخدام الهيروين للمرة الأولى. لكن هناك ملاحظة مهمة للغاية في هذا المقام: الأشخاص الذين ليس لديهم تاريخ في تعاطي الكحول أو المخدرات، لن يتحولوا من الأدوية المسكنة إلى الهيروين إلا في حالات نادرة جداً. وفقاً لاستبيان في عام 2012 حول استخدام المخدرات والصحة على مستوى الولاياتالمتحدة، تبين أن حوالي 80 بالمائة من مستخدمي الهيروين كانوا قبل ذلك مدمنين على الأدوية المسكنة. وفي الوقت الذي ارتفعت فيه أعداد مستخدمي الهيروين (الذي يعرفه علماء النفس والاجتماع بأنه استخدام الهيروين مرة واحدة على الأقل في الشهر السابق) من 239 ألف شخص في 2010 إلى 335 ألف شخص في 2012، فقد هبط استخدام الأدوية المسكنة المعطاة من خلال الوصفات للأغراض غير الطبية من 566 ألفا إلى 358 ألفا في عام 2012. إلى الحد الذي توجد فيه علاقة خبيثة بين الأدوية المسكنة عن طريق الوصفات والهيروين -في الوقت الذي ترتفع فيه التكلفة وقبل توفر عنصر معين في العلاقة، ما يجعل الطرف الآخر يبدو جذاباً لأنه أرخص وأسهل من حيث الحصول عليه- يمكن القيام بنوع من التدخل الذي يهدف إلى التصدي لطرفي العلاقة معاً. كما أن استهداف الإدمان على الحبوب المسكنة يمكن أن يخفف من مشكلة الهيروين، والعكس صحيح أيضاً. في الحالات الطارئة التي يأخذ فيها الشخص جرعة زائدة من الأوكسيكونتين مثلاً أو الهيروين، فإن العلاج هو نفسه وهو استخدام ترياق مضاد. حيث يتم حقن الدواء ناركان الذي يقوم بحصر مستقبلات المادة الأفيونية في الخلايا، وهو ما يؤدي إلى إنعاش الأشخاص الذين فقدوا وعيهم لكن قبل أن يفقدوا القدرة على التنفس. بعض المدن تزود رجال الشرطة فيها الآن بالدواء ناركان على شكل بخاخ أنفي من أجل إنقاذ الكثير من الأرواح كل سنة. بطبيعة الحال من المعروف أن العلاج الأفضل والمزيد من القدرة على الوصول إلى بدائل الأدوية الأفيونية، مثل الميثادون والبوبرينورفين، من شأنه أن يساعد الناس المدمنين إما على الهيروين أو مسكنات الألم، خصوصاً في المناطق الريفية. الاستراتيجية الرئيسية لتقليص الاعتماد على الأدوية المسكنة هي إبقاء الأدوية بعيداً عن الشارع. وهنا يلعب الأطباء دوراً كبيراً في ذلك. يشير كيث همفريز، وهو أستاذ الطب النفسي وخبير الإدمان في جامعة ستانفورد، إلى أن الاستراتيجيات الناجحة التي يجري تبنيها بالتدريج في مناطق مختلفة، ينبغي أن تكون شاملة: مثلاً برامج مراقبة الوصفات التي تمسك بالمدمنين على الأدوية الذين يتنقلون بين الأطباء حتى لا يتم كشفهم، وبرامج التثقيف التي تعلم الأطباء عدم المبالغة في صرف الوصفات. يقول همفريز: «الأطباء بحاجة إلى كسر عادتهم في أن يقوموا بصورة آلية في كتابة الوصفات التي يمكن إعادة صرفها، والتي تشتمل على 20 أو 30 حبة مضادة للألم من أجل ألم بسيط يمكن أن يختفي خلال يومين أو ثلاثة». تشعر آنا ليمبكي، أخصائية الطب النفسي في الجامعة نفسها، بالقلق من أن الأطباء من ذوي النية الحسنة الذين يشفقون على المرضى يمكن أن يشعروا أنه لا خيار أمامهم إعطاء وصفة بالأدوية المسكنة للمرضى الذين أصبحوا مدمنين. كتبت ليمبكي في مقال في المجلة الطبية الشهيرة «مجلة نيو إنجلاند للطب» تقول: «مشكلة الأطباء الذين يصفون أدوية مسكنة للألم للمرضى الذين يعرف عنهم أو يشتَبه بأنهم من المدمنين هي مشكلة سيتم حلها»، حين يتم التعويض مالياً عن علاج الإدمان على حد سواء مع الرعاية المقدمة للأمراض الأخرى». ليس جميع هذه القضايا مهمة أو على علاقة بمباشرة بوفاة ممثل مشهور حاصل على جائزة الأوسكار، وهو شخص كانت تتوفر لديه الإمكانية والقدرة للحصول على العلاج، ولا ينقصه المال لهذا الغرض. لكن إذا أثارت هذه المأساة النقاش حول الكيفية التي يمكن بها مساعدة الناس الذين يعانون من المخدرات والأدوية المسكنة، والمساعدة في معرفة الأمور التي يجب القيام بها حيال ذلك، فمن الممكن تجنب الوقوع في المزيد من المآسي والوفيات. * أستاذة الطب النفسي وباحثة مقيمة في مركز الأبحاث «معهد المشاريع الأمريكي» في واشنطون.