قدر تقرير اقتصادي قدمه البنك الدولي (2/9/2003) حول إطلاق فرص العمل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نسبة البطالة في الجزائر تأتي في صدارة دول المنطقة التي تعاني من ارتفاع معدلات البطالة، إذ تصل نسبتها وفقا لتقديرات البنك الدولي إلى 8.29%، تليها مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة) التي قدرت بنحو 5.25%. جاء ذلك في الورقة التي قدمتها في منتدى التنمية لدول الخليج العربية تحت شعار (إصلاح جذري: رؤية من الداخل) في اللقاء السنوي الذي عقد بالمنامة مطلع هذا العام، ومتابعة لما نشرناه في الحلقتين الماضيتين ، فإننا سوف نتناول في هذه الحلقة قبل الأخيرة، اوضاع البطالة في الخليج بصفة عامة حيث يظهر تقرير البنك الدولي ذاته، أن معدل نمو قوة العمل في السعودية خلال الفترة من عام 1990 وحتى عام 2000 بلغت 2.3% فيما تشكل الإناث 9.23% من إجمالي القوى العاملة السعودية المقدرة بحوالي 3.7 مليون عامل في عام .2001 وذكر رئيس الخبراء الاقتصاديين في إدارة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالبنك الدولي الدكتور مصطفى نابلي، أن مشكلة البطالة في الدول الخليجية بدأت تظهر بحدة أكثر من السنوات السابقة، معتبرا أن المشكلة الأساسية تكمن في واقع تشغيل مواطني البلدان في القطاع الحكومي الذي أصبحت آفاقه ضيقة جدا لتوفير فرص عمل جديدة. وقال: إن من الواجب أن يتم تشغيل الشباب والشابات في دول الخليج من القطاع الخاص، إلا أن القطاع الخاص يريد أن يكون هناك تأهيل يتلاءم مع احتياجاته، خاصة ان المشكلة الأخرى تتعلق بمستوى الرواتب في القطاع العام التي تعد عالية مقارنة بالقطاع الخاص، وهذا ما دفع الشباب الخليجي للاتجاه إلى القطاع العام. وبين تقرير إطلاق فرص العمل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي قام بإعداده المستشار في إدارة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالبنك الدولي، وأستاذ الاقتصاد في جامعة جورج تاون الدكتور طارق يوسف أن مستقبل الحياة الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيتحدد بدرجة لا يستهان بها من خلال مصير أسواق العمل فيها، معتبرا أن العوائق التي ينبغي تخطيها هائلة، وتعقيداتها مثبطة للهمة. ودعا التقرير إلى إجراء تحولات في الهياكل الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة من أجل مجابهة تحدي العمالة، والحاجة إلى نمط جديد للتنمية يقوم على إعادة تنشيط القطاع الخاص، وتحقيق اندماج أكبر مع الاقتصاد العالمي، وإدارة أفضل للثروة النفطية. وقال التقرير: إن الضغوط التي يشكلها الشباب في نمو القوة العاملة ظلت في منطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا عالية على الدوام، وستشهد الحقبة الممتدة من عام 1990 وحتى عام 2010 أشد ضغوط القوة العاملة من الشباب ذكورا وإناثا. ويشير التقرير إلى أن البطالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتركز على الشباب من سكانها حيث تراوحت معدلات البطالة في فئة الشباب من 37% من مجموع البطالة بالمغرب، إلى 73% في سوريا، مع متوسط عام يبلغ 53% بالنسبة لجميع البلدان. وفي ذات الاتجاه ذكر الدكتور طارق يوسف أن نسبة البطالة في أوساط الخريجين الجدد في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تصل إلى 50%، معتبرا أن معظم البطالة تنشأ في الأوساط المتوسطة والغنية، وليست الفقيرة كما يعتقد البعض، إذ دائما ما يسعى الفقير للبحث عن فرص عمل لسد احتياجاته. وبين الدكتور يوسف خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده البنك الدولي للحديث حول تقرير إطلاق فرص العمل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن نسبة إنتاجية العامل العربي تعد ضعيفة بالمقارنة مع المقاييس العالمية، إذ إن معدل إنتاجيته تنمو بمعدل 7.0% سنويا وهو معدل متدن جدا. وأثارت البيانات التي نشرها البنك الدولي في تقريره حول فرص العمل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا القلق في أوساط الخبراء الاقتصاديين المشاركين في فعاليات اجتماعات البنك وصندوق النقد الدوليين في دبي، خاصة أنه يتزامن مع مرحلة دقيقة تواجهها المنطقة مع ظهور شبح انهيار العملية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين نتيجة التصعيد العسكري الذي تمارسه حكومة شارون، فضلا عن حالة عدم الاستقرار والفوضى التي يعيشها العراق حاليا، وظروف متعددة أخرى تجعل بالتالي من مشكلة البطالة في العالم العربي قنبلة موقوتة قد تساهم في زعزعة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ما لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة بشأنها. وفي هذا الاتجاه فإن البنك الدولي قدم في تقرير(سبتمبر، 2003) جملة مقترحات لتسريع عملية ايجاد فرص العمالة والنمو تشمل من بينها التحول من هيمنة القطاع العام إلى هيمنة القطاع الخاص عبر إزالة العوائق أمام النشاط الخاص، مع وضع أطر تنظيمية تحقق التوافق والتعاضد بين المصالح الخاصة والعامة، إلى جانب التحول من الانغلاق إلى مزيد من الانفتاح من خلال تسهيل الاندماج مع الأسواق العالمية، والتحول من اقتصاد متقلب يعتمد على النفط إلى آخر مستقر. كما أكد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في دبي في سبتمبر، 2003، أن اجتماعاتهما السنوية ستركز على المخاطر التي لا تزال تحدق بالاقتصاد العالمي على الرغم من الانتعاش المعلن، مع اهتمام خاص بمنطقة الشرق الأوسط. وفي مؤتمر صحفي، تحدث المدير العام لصندوق النقد الدولي هورست كولر عن الموضوعات التي ستناقشها هذه الاجتماعات، مؤكدا ضرورة تعزيز الانتعاش الذي باتت ملامحه ترتسم في أفق الاقتصاد العالمي وضمان العودة إلى نمو شامل، سليم ومستديم. وأوضح أن هناك بعض نقاط الغموض التي تتطلب اليقظة وسياسات حازمة على الرغم من التفاؤل المتزايد حول الاقتصاد العالمي في الفترة الأخيرة. وفي ورقة الدكتور ابراهيم قويدر المدير العام لمنظمة العمل العربية أبدى قلقه وتشاؤمه من واقع العمل والانتاج في الوطن العربي وتأثير مشكلة البطالة وتزايدها بشكل بات يهدد المجتمع العربي بكل مقوماته وقال ان عدد السكان في العالم العربي الآن يقدر بحوالي 290 مليوناً ومن هم في سن العمل من 15 - 59 عاماً حوالي 159 مليوناً وتبلغ القوى العاملة العربية حوالي 104 ملايين وتشكل فيها النساء حوالي 25% من القوى العاملة وهي ادنى نسبة حسب الاحصاءات العالمية. واضاف قويدر في ورقته ان نسبة البطالة العربية وصلت إلى 25% ومتوسط معدل البطالة في الخليج العربي يتراوح بين 6% و 17.5% اما في العراق وفلسطين فانها تجاوزت ال 70%. وقال ان الاضافة السنوية لسوق العمل العربية تبلغ حالياً 2.5 مليون سنوياً ومن المنتظر ان تصل إلى ثلاثة ملايين خلال السنوات القليلة المقبلة مما يتطلب ضرورة توفير 3 ملايين فرصة عمل سنوياً حيث ان 53% من طالبي العمل شباب يتراوح اعمارهم بين 15 - 25 سنة في معظم اقطار الوطن العربي. واوضح القويدار ان القضاء على مشكلة البطالة في الوطن العربي يتطلب استثمارات قيمتها 70 مليار دولار خلاصة وان الخسائر السنوية لموازين الدول العربية نتيجة البطالة تبلغ 115 مليار دولار وهذا المبلغ كاف لتدبير 6 ملايين فرصة عمل مستغرباً انخفاض مستوى المهارة التي تتسم بها العمالة العربية نتيجة سياسات التعليم والتدريب في الدول العربية غير المؤهلة على ايجاد العمالة الماهرة القادرة على التجديد والابداع والارتفاع بمستوى الانتاجية والجودة. واشار إلى ان انتاجية العامل العربي في القطاع الصناعي تقدر ب 800 دولار سنوياً مقابل 60 الف دولار سنوياً في المجتمعات الصناعية الكبرى. وعن الاستثمارات العربية والاجنبية يقول قويدر ان تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر 2% فقط منها تتجه نحو الاقطار العربية و 36% تتجه لدول امريكا اللاتينية و 59% تتجه لدول آسيا والهادي وعن اسباب الاحجام عن الاستثمار في المنطقة العربية يقول انها ترجع إلى عدم توافر رأس المال البشري المناسب وتوقع ان يزداد هذا الاحجام عن الاستثمار في ظل ظروف عدم الاستقرار في بعض البلاد العربية. واكد قويدر ان الاستثمارات العربية خارج الوطن العربي خلال عام 2002 تجاوزت حاجز 1.2 تريليون دولار كما تأثرت الدول العربية ذات الصادرات المتنوعة (مصر، الاردن، المغرب، سوريا، تونس) بهبوط في الاقتصاد العالمي خاصة مع تراجع النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو وتداعيات احداث الحادي عشر من سبتمبر على القطاعات السياحية والخدمية واسعار التأمين مما ادى إلى مضاعفة العجز في الحسابات الجارية لهذه الدول لتصل إلى بليوني دولار في 2002 مشيراً إلى ان حجم خسائر الاقتصاديات العربية بعد مرور ستة اشهر على حرب العراق تتراوح بين 60 و 80 بليون دولار وتقدر الخسائر التي تكبدتها الدول العربية المنتجة للنفط من انخفاض سعر البرميل نحو 10 دولارات منذ بداية الحرب على العراق حتى منتصف ابريل بأكثر من 4.5 بليون دولار ومن المتوقع ان تصل تكلفة اعادة اعمار العراق نحو 120 بليون دولار وتوقع قويدر ان يعود العراق تدريجياً إلى سوق النفط ومن المخطط ان ترتفع صادرات النفط العراقي إلى 12 مليون برميل يومياً في موعد لن يتجاوز عام 2015. واوضح مدير عام منظمة العمل العربية ان 51 % من المراهقين من الشباب العربي و 54% من المراهقين الاصغر سناً عبروا عن رغبتهم في الهجرة طبقاً لتقرير التنمية الانسانية العربي عام 2002 وكان ذلك بسبب الاوضاع السائدة في التعليم وفرص العمل كما انهم يعانون قلقاً تجاه المستقبل في بلدانهم كما ان هناك 74 مليون نسمة تحت خط الفقر وقد تراجع معدل الدخل الفردي السنوي بين عامي 1965 - 2000 في دول غنية مثل الجزائر والكويت وليبيا والامارات. وقد تمكنت اغلب الدول العربية من الخروج من تصنيف مستوى الفقر المدقع الا انه لا يزال واحد من بين كل 5 من العرب يقل دخله عن دولارين في اليوم وما زال فقر القدرات يمثل المشكلة الاكبر بسبب ارتفاع الامية وانحسار فرص العمل والتعليم، وما زال الناتج المحلي الاجمالي لمجمل المنطقة العربية الذي يبلغ نحو 660 مليار دولار اقل من الناتج المحلي الاجمالي لدولة واحدة مثل اسبانيا او ايطاليا. العديد من الشباب العربي لجأ للهجرة غير الشرعية المزيد من مجالات العمل الحل الوحيد للقضاء على البطالة