منذ زمن بعيد - ايام الركض والجنون - عندما كنت اقبل على هذا الذي تسمونه (الكتابة) واسميه انا (الحريق).. كان يشرق وجهي ويحمر ويصفر وتركض الدماء في عروقي وتسرع نبضات قلبي.. وتنفجر (نافورة في رأسي) فاتصبب عرقا واحترق فاتخلص من كل ثيابي.. واواجه عري نفسي وعري الاخرين.. فانعتق من كل المحاذير وانسكب من (نافوخى) الذي يغلي.. فاتقد.. وتلتهب اطرافي فيشتعل الورق.. واتبين عبر اللهب عينا مفقودة وعينا يغشاها الرماد.. فاجلوها بغضبي فينقشع الضباب.. وارى ما ارى.. ولا انفك احدق في الجدران ووجوه الحيوان والناس.. فينكشف ما خلف الوجوه وما استتر.. فيغضب مني من يغضب فلا احد يقبل ان تكشف ستره او توضح عيبه او تفضح امره.. فان رأى في سطورك بعضا من ملامحه ووجهه (تفل) ذات اليمين وذات الشمال. ولعن اليوم الذي رآك فيه.. وان (حلم) قليلا سألك بدهاء: (كيف عرفت عني كل هذا)؟ وهو يعرف ان للناس اعينا وعقولا تفهم.. ولكنه قد يرى الاخرين ولا يرى نفسه.. وتلك معضلة.. وتلك ايضا هي الكارثة.. فمن يرى عيوب الناس ولا يرى عيبه اهلكه جهله وغروره وازداد غلوه وخطأه.. وتفاقم بؤسه وشقاؤه. @@ وليس هناك في الدنيا اكثر شقاء من رجل لا يعرف خطأه.. ولا يتعظ منه.. فالجاهل كما يقولون عدو نفسه.. ومن يمشي في الاتجاه الخطأ هو كمن يسعى الى هلاكه بقدميه. @@ على العموم غالبا ما يطرق رأسي هاجس: لماذا لا ارى وجهي في المرآة كما يجب.. ولماذا اشغل بالاخرين.. ولا اشغل بنفسي.. ولماذا تنتقد هذا وذاك ولا ننتقد انفسنا.. وهل خوفنا من رؤية عيوبنا ابلغ واكبر من رؤية عيوب الاخرين.. واذا كنت تملك الجرأة على مواجهة الناس بعيوبهم.. فلماذا لا تواجه عيب نفسك؟.. ثم أليس الاجدى والانفع ان تصلح نفسك قبل ان تصلح الاخرين؟ @@ ثم اليست هذه السماء التي فوق رأسك لك ولهم والرحمة لك ولهم والله يراك ويراهم وهو ابصر بك وبهم؟ @@ اللهم ارحمنا برحمتك.؟. وارشدنا الى عيوبنا قبل عيوب الناس.. ولا أزيد.