في الثاني والعشرين من فبراير، يشرق على المملكة العربية السعودية يومٌ محفور في ذاكرة التاريخ، يومٌ يُعيد إلينا أمجاد البدايات، ويذكّرنا بأن كل شجرة باسقة كانت يوماً بذرةً صالحة زُرعت في أرضٍ خصبة. إنه يوم التأسيس، اليوم الذي أُعلن فيه قيام الدولة السعودية الأولى عام 1727م على يد الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - في الدرعية، ليكون منطلقًا لوحدة هذا الكيان العظيم، وقاعدة صلبة لدولةٍ امتدت عبر القرون، وتطورت حتى أصبحت نموذجًا في الاستقرار والقوة. التأسيس: القرار المصيري وبداية النهضة لم يكن تأسيس الدولة السعودية الأولى مجرد حدث عابر في سجل التاريخ، بل كان قرارًا مصيريًا نتج عن رؤية ثاقبة وإرادة صلبة. ففي ظل واقعٍ مضطرب آنذاك، نهض الإمام محمد بن سعود بمشروعه الوحدوي، واضعًا اللبنة الأولى لدولةٍ قامت على أسس العدل، والاستقرار، والتنمية. وهدفت إلى إرساء القيم الإسلامية الصحيحة والحفاظ على الأمن والازدهار. لم تكن الدرعية مجرد مقرٍ للحكم، بل كانت مركزًا حضاريًا نابضًا بالحياة، تشهد ازدهارًا اقتصاديًا وثقافيًا، حيث ارتبطت بشبكة تجارية قوية، وجذبت إليها العلماء والتجار والقادة، مما عزز مكانتها كعاصمة للدولة الناشئة. النهج المستمر: من الدولة الأولى إلى رؤية 2030 على مدى ثلاثة قرون، مرت الدولة السعودية بتحديات وتحولات كبرى، ولكن الثابت الوحيد كان إرادة البقاء والازدهار. فمن الدولة السعودية الأولى إلى الثانية، ثم الثالثة التي أسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - استمرت المسيرة، متجاوزة كل العقبات، حتى أصبحت المملكة اليوم تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - نموذجًا في التنمية الشاملة والاستدامة الاقتصادية. ويُعد يوم التأسيس محطة للتأمل في عمق الجذور التاريخية للدولة، وهو يختلف عن اليوم الوطني، الذي يحتفي بتوحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز عام 1932م، حيث يجسد يوم التأسيس اللحظة التي انطلقت منها فكرة الدولة قبل ثلاثة قرون. واليوم، ونحن نعيش في ظل رؤية 2030، نجد أن المبادئ التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى لا تزال حاضرة في نهج التطوير والبناء، إذ تركز الرؤية على تمكين الإنسان السعودي، وتعزيز الاقتصاد، والارتقاء بجودة الحياة، تمامًا كما كان التأسيس قائمًا على بناء مجتمع متماسك ينعم بالأمن والاستقرار والازدهار. رسالة اليوم: الفخر بالهوية والمسؤولية تجاه المستقبل إن الاحتفال بيوم التأسيس ليس مجرد استرجاعٍ للماضي، بل هو تأكيدٌ على الهوية الوطنية، وتجديدٌ للعهد بالمضي قدمًا نحو المستقبل بنفس الروح التي بدأ بها الأجداد. إنها لحظة للتفكر في الجهود التي بُذلت، والدماء التي سُفكت دفاعًا عن الأرض والعقيدة، والتضحيات التي قُدمت لتظل راية المملكة عاليةً خفاقة. كما أنه رسالة إلى الأجيال القادمة بأن المجد لا يُبنى بين ليلة وضحاها، بل يحتاج إلى رؤية وإصرار، تمامًا كما فعل الإمام محمد بن سعود حين وضع حجر الأساس لهذا الكيان العظيم، وكما يفعل اليوم قادة المملكة برسم ملامح المستقبل المشرق. ختامًا: يومٌ يعيد إلينا المعنى الحقيقي للوطن يوم التأسيس ليس مجرد تاريخ يُضاف إلى التقويم، بل هو قصة وطنٍ بدأ بحلم، ونما بالعزيمة، وازدهر بالإرادة. إنه اليوم الذي يعيد إلى الأذهان أن السعودية لم تكن وليدة الصدفة، بل هي نتاج عملٍ دؤوب امتد لقرون. واليوم، ونحن ننظر إلى الأمام، ندرك أن مسؤوليتنا تجاه الوطن لم تنتهِ، بل هي مستمرة، كلٌ في مجاله، لبناء المستقبل الذي يليق بتاريخنا، وحاضرنا، وطموحنا الذي لا يعرف الحدود.