فاجأت الأسواق العالمية مؤخرا قفزة كبيرة في أسعار النفط وكانت هناك عدة تحاليل وتقارير تتحدث عن هذه القفزة رغم التصريحات التي أطلقها وزراء الطاقة والنفط وكان إحد التحاليل يرجع القفزة إلى مجموعة عوامل وردت في تقرير مؤسسة بي اف سي أنرجي الأستشارية ومقرها واشنطن وهي: زيادة الطلب أعطى النمو الاقتصادي الصيني دفعة كبيرة للطلب العالمي على النفط مع اجتذاب واردات هائلة من النفط الخام والمنتجات المكررة من مختلف أرجاء العالم. وما لم يهدأ النمو الاقتصادي الجامح في الصين فيتوقع المحللون أن يواصل الطلب الصيني على النفط النمو على مدى عامين أو ثلاثة أعوام مما يشجع صناديق (التحوط) على المراهنة على أن أسعار النفط ستظل على ارتفاعها. ومن المتوقع أن ينمو الطلب الصيني على النفط بمقدار 500 الف برميل يوميا أي بنسبة ثمانية بالمائة في العام المقبل بعد القفزة المتوقعة هذا العام بنسبة 14.5 بالمائة مع ارتفاع ملكية السيارات وتنامي احتياجات توليد الكهرباء. كما يتسارع الطلب الهندي على النفط. والنمو القوي الذي يشهده الاقتصاد الامريكي الذي يبتلع ربع اجمالي انتاج النفط العالمي يدفع المنافسة بين اسيا والولاياتالمتحدة إلى الامدادات. وفاجأت معدلات نمو الطلب المحللين في مؤسسات مثل وكالة الطاقة الدولية اذ خالفت توقعاتها. وثبت أن توقعات الاستهلاك كانت منخفضة للغاية وانها شجعت منتجي أوبك على تقييد انتاجهم بدرجة أكبر من المطلوب لمنع زيادة المخزونات. وارتفاع الطلب يعني أن نقص الطاقة التكريرية الذي تعاني منه الولاياتالمتحدة على مدى الأعوام الأربعة الماضية قد امتد الآن إلى اسيا مما يجعل بدوره نظام امدادات النفط العالمي أكثر عرضة للاضطرابات. الافتقار إلى طاقة إمداد إضافية منذ أن تجاوزت الأسعار مستوى 40 دولارا للبرميل الذي هدد بإضعاف النمو الاقتصادي العالمي زادت أوبك انتاجها إلى أعلى مستوياته منذ 25 عاما في محاولة للابقاء على الاسعار تحت السيطرة، فلم يترك ذلك سوى القليل من الطاقة الانتاجية غير المستغلة خارج السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم. وزيادة الاعباء على نظام الامدادات العالمي جعلته أكثر عرضة لاضطرابات الامدادات كما فاقمت من احتمالات ارتفاع الأسعار. واجتذب ذلك المزيد من عمليات الشراء من جانب صناديق التحوط التي تراهن على أن الاسعار قد ترتفع بدرجة أكبر. وقالت مؤسسة بي.اف.سي انرجي الاستشارية ومقرها واشنطن في تقرير: إن زيادة انتاج أوبك الذي عادة ما يخفف من نقص الامدادات له بالفعل تأثير رافع للاسعار مع إدراك الاسواق لمحدودية ما يمكن أن تفعله أوبك. وسعت شركات النفط كذلك للعمل بدرجة أعلى من الكفاءة بتحرير نسبة أكبر من رأسمالها عن طريق الابقاء على مخزونات أقل. وقد قلل ذلك من الحماية التي تتمتع بها صناعة النفط من مخاطر الاضطرابات المفاجئة في الامدادات. وخفضت موجة اندماجات في أعقاب انهيار الاسعار بين عامي 1998 و1999 عدد الشركات التي تملك مخزونات. وتراجعت المخزونات بسبب سلسلة من تعطيلات الامدادات في العام الماضي منها حرب العراق والاضراب العام في فنزويلا والاضطرابات العرقية في نيجيريا. وعملت أوبك المسؤولة عن نحو نصف الصادرات العالمية كذلك في الأعوام القليلة الماضية على الحد من زيادة المخزونات وخاصة في الولاياتالمتحدة خلال فترات الانخفاض الموسمي للطلب. وأعلن الوزراء خططا لخفض الانتاج قبل أن تبدأ الاسعار في النزول فعليا مما أسهم في ايجاد ظروف مواتية للاستمرار في تسعير النفط في السوق الفورية علاوة على أسعاره في التعاقدات الاجلة. وهذه الحالة لا تترك فرصة للمصافي لتعزيز مخزوناتها من النفط أو منتجاته بأسعار أقل وتضطرها إلى الشراء في اللحظة الاخيرة. التوترات السياسية في الدول المنتجة للنفط قوضت التوترات السياسة في الشرق الاوسط وأعمال العنف في العراق ثقة المتعاملين في أمان الامدادات من المنطقة التي تضخ ثلث النفط العالمي، فصادرات العراق تضررت بسبب هجمات تخريبية. وعززت الهجمات في مايو الماضي على العاملين الاجانب في شركات نفطية في الخبر المخاوف من هجوم أكبر على المنشآت النفطية المحاطة بحماية مشددة في المملكة. وأدت الأزمة المالية التي تشهدها شركة يوكوس الروسية العملاقة والتي تنتج نحو 20 بالمائة من انتاج روسيا من النفط الخام الى تفاقم المخاوف. فقد حذرت الشركة من أنها قد تضطر إلى خفض انتاجها مع سعي الحكومة لتحصيل متأخرات ضريبية مستحقة على الشركة تبلغ 3.4 مليار دولار. ومازال انتاج فنزويلا من النفط متأثرا بتداعيات الاضراب الذي هز البلاد منذ 18 شهرا وخفض الطاقة الانتاجية. وقد يعطل استفتاء مقرر هذا الشهر على حكم الرئيس هوجو شافيز الصادرات مرة أخرى من أحد أكبر الدول الموردة للولايات المتحدة. والاضطرابات المدنية في نيجيريا العضو في أوبك تمثل قلقا كذلك. ودفعت المخاوف من تعطل الامدادات العديد من الدول إلى زيادة مخزوناتها الاستراتيجية وسحب الامدادات من سوق يعاني بالفعل من نقص الامدادات. فالولاياتالمتحدة مازالت تسعى لتعزيز احتياطياتها الاستراتيجية رغم ارتفاع الاسعار. وبدأت دول أخرى مثل الهند وكوريا الجنوبية وتايوان والصين في زيادة مخزوناتها أو انها تخطط لبدء ذلك في وقت قريب. اختناقات التكرير بالمصافي تعمل القيود البيئية على رفع أسعار تصنيع الوقود وتجبر الشركات على إقامة منشآت جديدة مكلفة وتزيد من صعوبة شحن الامدادات بين المناطق المختلفة. وارتفاع الطلب الأمريكي على البنزين يرجع جزئيا إلى تنامي أعداد السيارات الرياضية ذات الدفع الرباعي التي تستهلك بنزينا أكثر على الطرق السريعة الأمريكية. وتستهلك الولاياتالمتحدة نحو 45 بالمائة من الاستهلاك العالمي للبنزين. والطلب على البنزين الأمريكي يتطلب كميات متزايدة من الخام الخفيف الذي تنخفض فيه نسبة الكبريت. وتنافس الصين على هذا النوع من الخام لمواجهة الطلب على وقود المواصلات مما يرفع سعر هذا الخام، فأغلب إنتاج أوبك من الخام الثقيل الذي تزيد فيه نسبة الكبريت. وقالت بي.اف.سي انرجي: إنه بصرف النظر عن مدى ارتفاع انتاج أوبك فان المصافي مازالت تجاهد لزيادة مخزوناتها المنخفضة من المنتجات والحصول على الخام الخفيف وهما عاملان ليس لأوبك سيطرة تذكر عليهما. وفي الولاياتالمتحدة تطلب ولايات معينة مجموعة متنوعة من أنواع البنزين وهو ما يصعب نقل الامدادات بين الولايات واستيرادها من الخارج. وزادت القيود البيئية من تكلفة إقامة مصافي جديدة وزادت صعوبة الحصول على التصاريح المطلوبة. ندرة النفط زادت صعوبة العثور على مكامن نفطية كبيرة وزادت كلفة تطويرها. فأغلب الحقول النفطية خارج أوبك بلغت مرحلة النضج وهو ما يعني أن الاكتشافات أصبحت أقل وتحتاج إلى تكنولوجيا أكثر تكلفة لتطويرها. كما أن شركات النفط تتوخى الحرص في الانفاق منذ انهيار الأسعار في عامي 1998 و1999 الذي خفض أسعار أسهمها وأثار موجة من الاندماجات فيما بينها. فقد ركزت الشركات على مشروعات كبيرة الحجم تحقق لها هوامش ربح أكبر، والعديد من المشروعات الجديدة في مناطق نائية وهو ما يتطلب معدات مكلفة ويكون أكثر عرضة للتأخير. وكان نمو الامدادات من خارج أوبك وروسيا قبل انهيار الاسعار يزيد في المتوسط على مليون برميل يوميا. ومنذ ذلك الحين أصبح لا يذكر. وكانت توقعات نمو الامدادات من خارج أوبك مبالغا فيها باستمرار. ودفعت زيادة تكاليف استكشاف وتطوير الحقول خارج أوبك المضاربين إلى الاعتقاد بأن أسواق النفط أصبحت رهانا جيدا على المدى الطويل. وعززت المشكلات التي تشهدها احتياطيات رويال داتش/شل الرأي بأن النفط أصبح صعب المنال. وداخل أوبك التي تسيطر على ثلثي احتياطيات العالم فإن العديد من الدول الكبرى الاعضاء في المنظمة إما لا يسمح بالاستثمارات الاجنبية في قطاع النفط وإما أن الاستثمارات والقواعد القانونية غير جاذبة للشركات. وأدى ذلك إلى تباطؤ نمو الطاقة الانتاجية في دول أوبك مما يعني أن أغلبها ينتج بالفعل بكامل طاقته لمواجهة الطلب.