شكل الملتقى الخامس للقصة القصيرة جداًالذي عقد في دمشق على مدى خمسة ايام نقطة تحول هامة في مسيرة هذا الفن الادبي الجديد القديم ولعل اجتماع النقاد والقاصين والجمهور والقراءات والحوارات التي جرت على مدى ايام الملتقى نمت عن وعي عميق بالتجربة ، ومما أعطى الملتقى تميزه هذا العام مشاركة قاصين من المملكة العربية السعودية في فعاليات الملتقى على مدى أيامه الخمسة ،وصف ناصر الجاسم المشاركة الثقافية السعودية بأنها متميزة نظراً للتجاوب وتفاعل وتواصل الجمهور السوري وخاصة مع تجربة القاصة السعودية هيام المفلح وعدت تجربتها الأكثر نضجاَ والأكثر تميزاً في حين تميزت تجربة القاص احمد القاضي وطاهر الزارعي بهيمنة اللغة الشعرية. وأضاف الجاسم ان الأمر المفاجئ في اليوم السعودي حضور القاص زياد السالم حيث قدمه الجاسم على انه أدونيس السعودية مما لفت إلى الأنظار اليه،وما أن اعتلى المنبر حتى اذهل الجميع "قاصين ونقادا وجمهورا" وقدم ثلاث قصائد تصب في جنس قصيدة النثر،فقد توهج كشاعر أكثر من حضوره في المشاركة كقاص وحين ضج النقاد السوريون على طبيعة المشاركة المختلفة. وفي بداية إدارته لليوم المخصص لكتاب القصة السعوديين قدم الجاسم ما يشبه البيان النظري لفن القصة القصيرة جداً، أوضح فيه أن كاتب القصة القصيرة جداً يبتغي محو القبيح وكشف المضمر الاجتماعي وكذلك يبتغي الإصلاح في الذات الإنسانية ونستشرف التحول الجميل في العلاقات بين بني البشر وأن هذا الكاتب لا بد أن يكون منفتحاً لا منغلقاً ويقبل بالتعددية. وقال زياد السالم (لليوم) أنا ضد القيود في الأجناس الأدبية ولا أعتمد الخرائط فيما اكتب نعم قدمت نصوصا تنتمي إلى قصيدة النثر لأنني أرى أن هناك قواسم مشتركة بين قصيدة النثر والقصة القصيرة جداً وكما يقول انسي الحاج "النص كحالة أشبه باصطياد رأس البرق" بمعنى انه قائم على الالتقاط. ويرى السالم أن لا توضع شروط تعتمد سلفا للتصنيف ما بين القصة والشعر "ما يعول عليه هو الإقناع الفني في النص" ولا ضير أن تستقي الفنون من بعضها وكما يقول أدوار الخراط "تداخل فنون العصر وقصيدة النثر استفاده من السينما والالتقاط المشهد البصري" ويقول السالم لقد خلخل القرآن الكريم الذهنية العربية لتداخل كل الفنون في هذا النص الجميل المكون من الفلسفة والجمال. وقدم السالم في ورقته (إحداهن- طائر من سيرة النهر- مرايا النهر) حيث غلب على ورقته الهم الإنساني من خلال رصد الهامشيين والبحث في إشكالية الإنسان المأزوم المطارد وهي أشبه بشهادات إنسانية ، ونجح في نقل أغوار النفس للإنسان السعودي ،والحديث عن همومه وأزماته ومشاكله وحسب أن فن القصة القصيرة جداً أن يحقق ذلك وسمعنا قراءات نقدية تعبرعن وعي نقدي بالتجربة وبخصوصياتها. القاص طاهر الزارعي طغت اللغة الشعرية في قصصه التي قدمها (مسافة شرسة،هتافات مفقوءة، تناثر، مناحة مزدحمة) وفي القصة الأخيرة. "تمددت على حصيرها.. زحفت ذرات الغبار عاليا حتى امتلأ وجهها المتجعد واستسلمت لعادة التفكير في ولدها الذي تجله الأيام". ومن اللافت في هذه الأمسيات الورقة النقدية التي قدمها القاص علي زعلة الذي رفض أن يطلق عليه لقب ناقد مشيراً إلى انه ليس بناقد بل لديه محاولات نقدية في بعض الصحف ولكن عندما تمت المناقش تبين أن زعله ناقد بامتياز،وفي حديثه( لليوم) قال علي زعله "أنا لا أعد نفسي ناقداً ولكن إذا كان ما اكتبه في الصحف يشكل لي كل هذا الإحراج فانني سوف أتوقف عن الكتابة لأنني منفلت إبداعيا ولا أكتب على قواعد إبداعيه أبداً بل على نظرية جمالية خاصة بي اكتب على ضوئها". ويرد زعله على المتشائمين من مستقبل القصة القصيرة جداً والتي يمكن أن تصل إلى طريق مسدود "أرى أن القصة القصيرة جداً تنمو ولكن هي بحاجة إلى التراكم الكمي ليعزز هذا التراكم النوعي الذي أحدثته لان التراكم الكمي يجعل لها مشروعية واستقلالية ويجعلها قائمة بذاتها ، الشاعر والروائي والمسرحي كلهم يكتبونها، اذاً هي تستفيد من التقنيات الإبداعية الأخرى والكاتب يستفيد من نضجه الإبداعي ولكن الخوف على الذين يتخصصون فيها، هؤلاء وجدتهم في سورية, الخوف من أن يصل هؤلاء الى طريق مسدود كما قال احد النقاد، إضافة لذلك حاولت الربط بين الأسنان اللبنية أي المراحل الأولية للكتابة والعودة إلى الذات الفطرية، وهذا الملتقى هو البعد التنظيري والنقدي للقصة القصيرة جداً وخلال سنواته السابقة أسس نظرية نقدية لهذا الفن". وفي الورقة التي قدمها زعلة في الملتقى عرض لمسيرة القصة القصيرة جداً في الوطن العربي والعالم عبر اعلامها من المشهدين الأوربي والأمريكي ما قدمته هو كتابة ورؤى وأفكار كما افهمها وأكتبها وأعمل على الرواية .وتساءل زعله لماذا يلجأ القاص إلى كتابة القصة القصيرة جداً، ويرى أن كل شئ اصبح قصيراً في هذا العالم وبدأت الرواية تتقلص إلى بضع عشرة من الصفحات اصبح الإيجاز هو الغالب والسائد في الحياة . في حين اعتبر القاص السعودي احمد القاضي ان القصة القصيرة جداً تحفل بكثير من الجوانب الإبداعية وكل كاتب يلج بابها ينير أحد جوانبها ،واستغرب القاضي الهجمة عليها وقال كنت أتمنى أن يحتضن هذا الوليد وتمد له يد المساعدة وان ينمو ويتعافى حتى يقدم ما لديه من جمال لأنها إحدى مفردات الحياة اليومية وعندما تحصر حياة الإنسان بجملة او اثنتين تقول انه كان كريما أو غيره هذا هو فحوى القصة القصيرة اختصار الزمن ولكن بأدوات فنية اكثر تطوراً، وقدم القاضي عدة قصص ( ثرثرة الغبار - الام تشم رائحتها - دعاء) من جانبه اعتبر الناقد الدكتور يوسف حطيني ان هذا الملتقى تميز عن سابقه لانه تم تقليص عدد المشاركين مما سمح بوجود نوعيه جيدة ومن خلال الاهتمام خلال السنوات الماضية بهذا الأمر استطعنا أن ننتج قصصا ذات ملامح لا نقول متشابه بل مشتركة وعندما تنضج هذه القواعد في أذهان الناس يستطيعون أن يعملوا على تطوير تقنيات القص مع المحافظة على القواعد . الدكتور احمد جاسم الحسين قال (لليوم) الملتقى في عامه الخامس يأتي اكثر نضجاً، أصبحت مسؤولية القاصين تجاه كتابة القصة القصيرة أكبر و أوسع واصبح له جمهوره الذي يتابعه واسهم في بلورة القصة القصيرة جداً مصطلحا وتقاليد فنية وعناصر وأركان وفتح الباب أمام المشاركات العربية وهذا العام احتفى الملتقى بمشاركة من المملكة العربية السعودية وتعتبر هذه المشاركة نوعا من التحاور وتبادل الآراء بين القاصين من سورية والمملكة وبهدف التعرف على تجاربهم ويتعرفون على تجاربنا وهذا ما يحقق انتشارا للأدباء على الساحة العربية ، وأضاف الدكتور الحسين ان الملتقى يحاول ان يضع خطواته الأولى وازعم انه اسهم بصورة أو باخرى في تعضيد هذا الفن وتكريس خصوصياته وما يميزه عن سواه من الفنون الأخرى ، وفي هذا العام حاولنا الإبقاء على القمح بعد تخليصه من الزيوان. د.يوسف حطيني أحمد القاضي