في مقال سابق كنا قد استعرضنا همة السواعد السمر على هذه الأرض الطيبة وما فعلوه بذرات الرمل، واليوم نستعرض أمثلة ثرية حرية بجيل اليوم أن ينهل منها ما وسعه ذلك .. مثال آخر من أمثلة الصراع مع الصحارى والكثبان الرملية عايشته في السبعينات الميلادية بنفسي حينما كنت أعمل في صحارى العضيلية والسفانية للتنقيب عن النفط لصالح ارامكو، حيث نغوص في جوف الصحراء حاملين معداتنا العملاقة (الحفارة) ذات الإطارات الضخمة والتي يصل ارتفاعها إلى علو قامة الإنسان مرة ونصف المرة! متنقلين من مكان إلى مكان أكثر وعورة، لكن أمام عزيمتنا وقوة إرادتنا وإيماننا بالله ذللنا جميع العقبات وبعزيمة الرجال تغلبنا على المحال. ولا ضير في التذكير بهذه المناسبة بأن جميع عمالنا وفنيينا العاملين على منصة الحفر هم وبكل فخر سعوديون وبالطبع رئيس الوردية فرنسي الجنسية وآمر المجموعة أمريكي خبير بحفر آبار النفط،أي أن نسبة العاملين غير السعوديين (2%) فقط، فنحن من الصحراء وإليها نعود ( فأهل مكة أدرى بشعابها) و( ما حك جلدك مثل ظفرك). لقد لا مست الصحراء في شتائها القارص وصيفها اللاهب فتعلمت منها (بعد النظر) وصفاء النفس والصبر على الملمات، لقد تعلمت منها دروساً في الشجاعة والصرامة والخشونة، جميلة هي الصحراء حينما نفهمها ونتفهم طبيعتها. وبهذه الأمثلة آنفة الذكر والتي أوردتها بإيجاز، نستطيع التأكيد على أنه من الممكن تطويع جزء من الصحراء وتنمية المسطحات وتمهيد الطرق الصحراوية المناسبة والآمنة للوصول إلى هذا الجزء وتحويله إلى واحة سياحية مربحة. بالتأكيد ستعمل هذه السياحة على توظيف أبنائنا ممن يقطنون هذه المشارب وتعود عليهم بالنفع وهي بالتالي معلم يحرص بل يتمنى كثير من السياح التعرف عليه والاستفادة من مكنوناته خصوصاً إذا كانت سفينة الصحراء شاخصة هناك بانتظارهم. ان السائح الغربي على وجه التحديد يضع في أولويته أخذ صورة تذكارية مع ( جمل) ليحتفظ بها ويتفاخر أمام أقرانه الذين لم يحالفهم الحظ في اقتناء مثل هذه الصور التذكارية. فما بالك إذا تيسرت له مثل هذه اللحظات وسط بيئة برية صحراوية نظيفة, يتمشى بها حافي القدمين يشاهد بأم عينيه الزواحف النادرة من الضب والورل والعقارب, والثعابين ثم يستريح وسط رابية من زهور الربيع المنتشرة في الصمان وغيرها, بعدها يأوي الى بيت من الشعر (السدو) ليأخذ قسطا من الراحة, يتدفأ على (وهج النار) من حطب العرفج والسمر يشم رائحة الهيل .. أي يعيش في بيئة بدوية (صحراوية) صرفة. لقد تنبهت بعض دول الجوار لهذه السياحة(البيئية) واستغلوها فيما استغلال وهيأوا لها المناخ الملائم, ورأينا من خلال الفضائيات جمعا من الزوار يتوافدون على الصحراء يتزحلقون على كثبانها الرملية ويتمرغون على رمالها الذهبية كما يتمرغ البعير ويظلون متسمرين عند مغيب شمسها الرائعة. ان مقومات السياحة البرية متوافرة هنا في ديرتنا الغالية وتدعمها الدولة من خلال الهيئة العليا للسياحة, ولم يبق سوى رجال المال والأعمال ليقولوا كلمتهم وهم من يعول عليهم في تنمية قطاع السياحة في المملكة , ومما يذكر هنا ان الفضل يرجع للمستثمرين في تنمية السياحة البحرية في المنطقة الشرقية والغربية, والتي بدأت تأخذ نصيبها حيث نرى السفن وقد تزينت بحلل قشيبة وأنوار لافتة تغري السياح على ركوبها والتمتع بمناظر الخليج العربي والبحر الأحمر.