منذ إنشاء اوبك في بداية الستينيات لرعاية حقوق الدول المنتجة والمصدرة للنفط، في مقابل (المستهلك الرئيسي للنفط)، أي الدول الغربية وامريكا الذين يبذلون قصارى جهدهم للحد من دور منظمة أوبك في رسم سياسات النفط وذلك بإضعاف آلية السوق وإفشالها، مما أدى الى عدم استقرار الأسعار من انخفاض حاد في أسعار النفط إلى أدنى المستويات في بعض الفترات، وفي ارتفاعها إلى أسعار باهظة فترات زمنبة، بل أدى ذلك إلى أن تتهم منظمة أوبك بين الحين والآخر بأنها منظمة محتكرة أي انها تقوم وبشكل جماعي بالحد من إمدادات النفط الذي يتسبب في تحديد أسعار الخام، وكان هنالك محاولات من جانب واشنطن ضد المنظمة على سن مشروع يمكن الحكومة الأمريكية الاتحادية من اتخاذ إجراءات قانونية ضد «أوبك» وذلك حسب زعمهم «بسبب التلاعب في الأسعار»، وآخرها القانون الذي رعاه الديمقراطي هيرب كول، والجمهوري أرلين سبكتر وأيدته الأغلبية من أعضاء مجلس النواب الأمريكي (324 عضواً) ورفضه فقط (84) عضواً، وأن من شأنه لو تحول بالفعل إلى قانون، أن يلغي الحصانة السيادية التي يتمتع بها أعضاء «أوبك»من التعرض لإجراءات قانونية أمريكية، ويمكن وزارة العدل الأمريكية أن تتخذ أي إجراء قانوني وحتى مقاضاة الدول الأعضاء في «أوبك»ورفع دعوى قضائية أمام محاكم أمريكية. وتكمن خطورة ذلك الإجراء أنه حظي بتأييد شعبي أمريكي واسع بسبب ارتفاع أسعار البنزين إلى نحو خمسة دولارات للجالون في الولاياتالمتحدة آنذاك. وأثارت تلك الإجراءات الأمريكية عدة تساؤلات وجدلاً حول مستوى إنتاج النفط وتأمين إمداداته وتسويقه في الأسواق العالمية بين الدول المصدرة للنفط وبين المستهلكين، ووصل هذا الجدل مستوى عالياً في حدته جعل الولاياتالمتحدة تصدر تشريعاً بأغلبية تكفي لإبطال نقضه رئاسياً، ويسمح للولايات المتحدة بمقاضاة «أوبك» وابتزاز أعضائها فرادى وجماعات، وحملهم على رفع سقف الإنتاج ولو كان ضد مصالحهم القومية، ولكي يتسنى للقارئ غير المختص فهم ما يحدث، سنعرج بعجالة على أهم المحطات الأساسية لمنظمة أوبك لتوضيح سياسة الإنتاج وأسعار منظمة «أوبك» وضبط أسعار هذه السلعة الإستراتيجية التي يمتلكها الضفيف من الدول ويحتاجها الغني من الدول. لمحة عامة يتميز تاريخ البترول منذ اكتشافه بكميات تجارية بنزاعات دولية بين القوي الذي يستهلك البترول والضعيف المنتج لهذه السلعة الحيوية الاستراتيجية. وتنامى دور النفط ليتبوأ محوراً أساسياً في السياسة العالمية والتنمية الاقتصادية، وبدأ يتبلور دور النفط كمحرك أساسي في وقائع الصراعات العالمية منذ بداية القرن العشرين، وبالأخص مع انتهاء الحرب العالمية الأولى التي أبرزت الحاجة إلى تأمين هذا المصدر المهم للطاقة في الإنتاج الصناعي والعمليات العسكرية. ومنذ عام 1920، والحاجة إلى النفط تتزايد وأسعاره كانت تتذبذب بين الهبوط والصعود، طبقاً للأحداث العالمية السياسية وأضحى محط أنظار الساسة وصانعي القرارات الاقتصادية المؤثرة في مسيرة الاقتصاد الدولي. تراوحت أسعار النفط الخام خلال الفترة من عام 1948 وحتى نهاية الستينات بين 2.50 و3 دولارات للبرميل. ثم ارتفع سعره من 2.50 عام 1948 إلى نحو ثلاثة دولارات عام 1957 واستقرت عند هذا السعر تقريبا حتى عام 1970م وكانت شركات النفط العالمية أو ما تعرف بالأخوات السبع أو مجموعة السبع أخوات، وهو اللقب الذي أطلقه أنريكو ماتيه الإيطالي على تلك الشركات الاحتكارية التي كانت تتحكم في نفط العالم إلى حدود عام 1973م. وتضم: ستاندراد أوف نيوجرسي الأمريكية، مجموعة رويال دوتش شل الهولندية - الإنجليزية، شركة البترول البريطانية bp، شركة جلف كوربوريشن الأمريكية، وشركة تكساكو الأمريكية، وشركة موبيل أويل الأمريكية، وشركة البترول الفرنسية. وبعد أن أوقفت الدول العربية تصدير النفط الخام إلى الولاياتالمتحدة وبعض الدول الغربية رداً على دعمها لإسرائيل خلال حربها مع العرب، تضاعف سعر النفط الخام مع نهاية عام 1974 أربع مرات متجاوزا 12 دولاراً للبرميل. ثم استقرت أسعار النفط العالمية من عام 1974 وحتى عام 1978 ما بين 12.21 دولار للبرميل و13.55 دولار للبرميل. من هنا فلقد تسبب ارتفاع أسعار النفط منذ حرب أكتوبر عام 1973م في إثارة الجدل الاقتصادي والسياسي في البلدان المستهلكة مما يدفع ممثلي وقيادات تلك الشعوب من رجال السياسة في تلك البلدان إلى إثارة جدال سياسي ابتزازي لممثلي وقيادات تلك الشعوب من رجال السياسة في تلك البلدان المنتجة حول الدول المنتجة واستقرار أنظمتها السياسية وعن تأمين إمدادات النفط للأسواق العالمية وتهديد تلك الدول، التي في معظمها صغيرة، وابتزازها عسكرياُ وحتى احتلالها كما هي الحال مع العراق، أو ابتزاز اقتصادي أو سياسي كما هي الحال مع إيران أو حتى القانوني كما هي الحال عندما كالت أمريكا الاتهامات للدول الأعضاء في أوبك بالاحتكار وإصدار قانون من شأنه أن يجرم ال «أوبك» كمنظمة احتكارية تتلاعب بالأسعار، وما قد يترتب على ذلك من رفع الحصانة عن أعضائها وتجريمهم بالتسبب في رفع أسعار النفط عن طريق الاحتكار، وأنهم يمثلون دولا شرهة تسعى إلى زيادة هوامشها الربحية، ومن دون مراعاة تأثير ذلك في الاقتصاد العالمي. وفي المقال اللاحق سنلقي الضوء على نشأة أوبك والمعارضة الكبيرة ضد إنشائها، ومحاولة تهميش دورها الأساسي حتى بعد إنشائها خلال السنوات الأولى من عمر المنظمة وسياسة آلية أوبك لضبط الأسعار.