نزل الدرج كل درجتين في خطوة. يملؤه الشباب.. عيناه تلمعان.. فرح .. يكاد يرقص يدندن لحنا انجليزيا بالكلمات ويكمله بالصفير.. كل ما حوله مهمش.. وصل الصالة مع جرس مصعد الفندق الذي فتح أبوابه خاليا. لقد طلبه للنزول ولم ينتظره. همس أحد الجالسين في صالة الاستقبال مشيرا بطرف عينه: ألم يدخل من قليل ومعه فتاة؟ أنغام الكلمات تنساب هادئة في الصالة والأضواء خافتة تتسلل على صفحات الجالسين ولم يقطعها سوى رنين تليفون استقبال الفندق. اجتاز الصالة ولم ينتبه لعامل باب الخروج عندما انحنى له بأدب.. وخرج مبتسما وفي الخارج الجو ممطر والليل أرخى سدوله والفندق يطل على ميدان واسع مستدير في منتصفه نافورة.. تتناثر حبات المطر على مياهها كستارة شفافة يتسرب خلالها ضوء المصابيح بألوان الطيف. ولم يبال ورفع رأسه ودار بعينيه متفحصا الميدان كما لو كان يراه لأول مرة وتحرك بعد أن كبس قبعته وأمالها على عينيه وعبر الميدان يداه في جيوبه رافعا أكتافه ودخل "السوبر ماركت". تمهل ثم توقف وأحاط جبهته بكفه مغلقا عينيه ثم همهم.. سيكون عشاء الليلة ذا طعم خاص. احتوى الارفف بعينه. .واختار زجاجة مرطب واحدة.. وقلبها في يديه.. غلافها مغر . وتردد قليلا ووضعها في السلة.. نظر في ساعته أحس بأنه تأخر.. قد سافر الى نابولي سياحة.. بعد محاولات كثيرة.. وكل ما يعرفه عنها حكايات وأقاصيص سمعها أقرانه.. وجدت صدى في نفسه قد تكون من الخيال لكنه صدقها. من متخرج في الجامعة.. مزهو.. لا يدري وهو يعرف انه لا يدري.. حتى القليل عن هذا البلد أو عادات وطباع الناس فيه. التحق بالعمل بعد وساطة مالية.. يقطعها أسبوعيا من راتبه. ويقضي يومه في العمل.. عمله شاق.. والليلة ليلة الأحد اجازته. شدته أنواع الشموع فاختار ذات اللون الأحمر. خبراته قليلة.. وبحث في ذاكرته ليرتب سيناريو الليلة. قضى ما يزيد على شهر منذ وصل.. وحديثه اشارات كثيرة وكلمات انجليزية قليلة. وضع في السلة لحما مجهزا وبعض المخللات. لقد اغترب ليعود بما يمكنه من الزواج. ماتيلدا.. زميلة العمل ألهبت مشاعره.. ما تغطيه ملابسها هو ثلث جسدها.. كان ينظر الى محاسنها خلسة.. اثرها ملأ كيانه.. يطارده يقظا ويؤرقه عند النوم. تعارفا في الكافيريا.. في وقت الراحة.. وكان غريبا عليها أن يطلب لها شيئا ويصر على دفع ثمنه. وافقت على زيارته في غرفته والذهاب معه.. أحس أنها على استعداد لذلك من يوم عرفها ولكنه لم يجد الجرأة على دعوتها أول مرة. والليلة تركها في غرفته ليحضر العشاء واغلق عليها الباب.. باب الغرفة بالمفتاح. انها لا تعرف الانجليزية.. وقبل أن يتركها تفاهم معها بالاشارة.. انه سيشتري العشاء.. وأشياء أخرى كثيرة هو يعنيها حاول التعبير عنها.. وخرج. أسر أبوه في أذنه وهو يحتضنه لما ودعه عند سفره قائلا: الغربة فيها كل شيء فحافظ على نفسك وابعد عن السوء فانه لا يحتاج إلى بحث والحصول عليه هين. سيكون معها دون رقيب.. ولكن هناك حواجز يحملها داخله لا يقدر على كسرها.. وان تظاهر بغير ذلك والليلة سينساها. انها حيث تركها تملأ الغرفة رائحتها مثيرة تجلس على أحد المقاعد في الغرفة ومن خلفها زجاج الشرفة. الشرفة تطل على الميدان وزجاجها عسلي اللون من الارض الى السقف.. صنعت الأمطار عليه أخاديد جعلت البيوت في الميدان ترقص وتتلوى والأنوار تحتد وتخفت. سنيور... نبهه الكاشير... فأخرج من السلة مشترياته. أشياء كثيرة يشتاق اليها سيلمسها.. أحاسيس مجهولة سيحسها.. طالما سمع عنها يتعالى بها أقرانه سيذوقها انه حالم ولا يطابق حلمه ما يعرفه. سنيور... من فضلك فأخرج نقوده وحمل أكياس مشترياته وخرج. سار حاملا الأشياء في يديه رافعا أكتافه وداخله تتفاعل كل الأحاسيس دفعة واحدة. دقائق ويرتب المائدة.. ويوقد الشمعة سيطلب منها أن تتقدم لتأكل. عندما دخلت غرفته سألته عن الحمام. والى أن تنتهي.. سيضع المأكولات في أطباق.. وسيسمع موسيقى هادئة. أمامه فقط عبور الميدان ويصل.. أنفاسه تسبقه تشم رائحتها. عبر الميدان ولمح وأمام الفندق أنوارا مترددة تتوهج احمر وازرق. البوليسيا... وعندما اقترب من مدخل الفندق أشار إيه عامل الباب.. فامسكوه. تكلموا كلاما كثيرا.. لم يفهمه.. قاوم تملص ولكنهم ضيقوا عليه الحلقة.. تبعثرت أشياؤه.. تحسسوا جسمه بأيديهم ودفعوه الى السيارة دفعا. مذهول.. لا يقدر أن يفهم تفكيره توقف.. شل.. ماذا حدث يريد أن يستوعب.. وأسرعت السيارة وهي تدوي وانوارها تتلألأ. سألوه عن أوراقه.. عندما ترك الفتاة لماذا اغلق الباب عليها بالمفتاح وخرج. وفهم انه مجرم.. لقد ضمر شرا لها. ولما تسلمه أبوه.. لم يجد ما يقوله فبكى.