عماد علي بو خمسين اضطررت أن أنام في المقعد الخلفي للسيارة لمدة ثلاث ليالٍ بسبب ازدحام الفنادق في مدينة أبوظبي... كنتُ هناك لزيارة معرض الكتاب الدولي وللأسف لم تكن ميزانيتي المتواضعة تكفي لشراء الكتب ودفع أجرة غرفة في فندق فخم في نفس الوقت. كانت كل الفنادق من فئة ثلاثة نجوم أو أقل ممتلئة، مع أن الموسم لم يكن موسم إجازة أو سياحة، بعد جولة طويلة ومخيّبة على الفنادق، قلت في نفسي: هل امتلأت الفنادق الرخيصة بسبب مناسبة معرض الكتاب، أم ربما هي دائماً ممتلئة لأسباب أخرى؟ كنت أسير في أروقة معرض الكتاب كطفل تركه والداه في صالة ألعاب مع حقيبة ملأى بالحلويات. وشاء حظي الطيب أني قابلت الكاتب والإعلامي الكويتي نجم عبد الكريم الذي كنت أستمع دائماً لبرنامجه الشهير على إذاعة كل العرب. واستمتعت أيضاً بالعزف الحي لعازف العود العراقي المبدع أحمد مختار الذي كنت أتابع بشغف برنامجه (حديث العود) على إحدى الفضائيات. وغير ذلك الكثير من الفعاليات التي كانت تقام على هامش المعرض. لم يكن النوم في سيارة الكورولا المستأجرة سيئاً كما يبدو للوهلة الأولى، في نهاية اليوم وبعد أن تهدأ ضجة المدينة، أتوجه إلى موقف أحد الحدائق العامة، وأفتح نوافذ السيارة. وقبل أن أنام، أفتح كيس الكتب وأنظر إليها قليلاً قبل أن أتناول كتاب (أغاني شيراز: ديوان حافظ الشيرازي) وفيه أقرأ: فقل للواعِظ: «لا تَعِبْ حافظاً إذا ابتعدَ عن الصومعة!»وكيفَ يمكنك أن تقيّد الحُرَّ الطليق، وهو إذا ذهب... فقد ذهبْ؟!. غنيمة اليوم تستحق العناء. وفي الصباح، توقظني العصافير بتغاريدها الصاخبة مصحوبةً بمداعبة لهيب الشمس على وجنتيّ. ومن حسن حظي أن دورات المياه العامة للمسجد القريب كانت مفتوحة. لا شك أنني كنت محظوظاً جداً في هذه الناحية بالذات إنها لحظة من لحظات العزوبية الجميلة التي لن تتكرر، والحمد لله أنها لم تتكرر.مرّت سبع سنوات. جلستُ على شرفة غرفتي في الفندق الفخم الذي نزلت فيه في مدينة انترلاكن السويسرية. كانت بجانبي زوجتي الجميلة، وأمامي أعلى قمة في جبال الألب الأوروبية. كنت هناك من أجل السياحة والاستجمام هذه المرّة. نظرت من خلال الشرفة، الألوان مختلفة عما اعتدتُ عليه فالأشياء هنا لا يغطيها الغبار كما تعوّدت عيناي دائماً. كانت هناك أشياء كثيرة لم أعتد على رؤيتها من قبل، ثلوج على القمة وغابة أشجار في السفوح ورذاذ مطر ونهر يجري ووو، وفجأة، قفزت في خاطري سيارة الكورولا البائسة، تذكرت الليالي الثلاث التي قضيتها على المقعد الخلفي لأنني لم أستطع توفير أجرة غرفة في أبو ظبي. بدأت أهزّ رأسي بقوة محاولاً أن أنفض الكورولا من خاطري فليس هذا وقتها! يبدو أنني من النوع الذي يحب أن يفسد اللحظات الجميلة على نفسه دائماً! في النهاية غادرتُ الشرفة، وكلمات الشكر والحمد على لساني. لو لا اللحظات الصعبة في حياتنا، لما عرفنا طعم اللحظات الجميلة.