إطلاق 80 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الأمير محمد بن سلمان    انطلاق المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة    السعودية الأولى خليجياً وعربياً في مؤشر الأداء الإحصائي    «الجناح السعودي».. ينطلق في «الصين الدولي للطيران والفضاء»    وزير الخارجية: حل الدولتين السبيل الأوحد لتحقيق السلام    «الرابطة» تُرحِّب بقرارات القمّة العربية والإسلامية    رئيس بولندا يشكر خادم الحرمين وولي العهد    الفرج يقود الأخضر أمام «الكنغر»    إسناد التغذية والنقل ل«جودة الخدمات» بإدارات التعليم    «التقني»: إلغاء إجازة الشتاء وتقديم نهاية العام    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    وزير الداخلية يرعى حفل جامعة نايف وتخريج 259 طالباً وطالبة    5 مشاهير عالميين أصيبوا بالسكري    في بيتنا شخص «حلاه زايد».. باقة حب صحية ل«أصدقاء السكري»    ماذا لو نقص الحديد في جسمك ؟    المملكة تحذر من خطورة تصريحات مسؤول إسرائيلي بشأن فرض سيادة الاحتلال على الضفة الغربية    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت    الذهب يستقر قرب أدنى مستوى في شهر مع انتعاش الدولار    سعود بن نايف يستقبل أمين «بر الشرقية»    أمير الرياض يستعرض إنجازات «صحية تطوع الزلفي»    أمير القصيم يطلق مبادرة الاستزراع    تطوير وتوحيد الأسماء الجغرافية في الوطن العربي    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    مقتل ضابط إسرائيلي وأربعة جنود في معارك بشمال غزة    نقلة نوعية غير مسبوقة في خدمة فحص المركبات    استعادة التنوع الأحيائي في محمية الأمير محمد بن سلمان    "الحج المركزية" تناقش موسم العمرة وخطط الحج    رحب بتوقيع" وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين".. مجلس الوزراء: القمة العربية والإسلامية تعزز العمل المشترك لوقف الحرب على غزة    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    مجلس الوزراء يجدد التأكيد على وقوف المملكة إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    المنتخب السوداني يسعى لحسم تأهله إلى أمم أفريقيا 2025    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    أحمد محمود الذي عركته الصحافة    وفاء الأهلي المصري    للإعلام واحة    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    يأخذكم في رحلة من الملاعب إلى الكواليس.. نتفليكس تعلن عن المسلسل الوثائقي «الدوري السعودي»    «سامسونغ» تعتزم إطلاق خاتمها الذكي    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    الرهان السعودي.. خيار الأمتين العربية والإسلامية    أسبوع معارض الطيران    جمعية يبصرون للعيون بمكة المكرمة تطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    نائب الرئيس الإيراني: العلاقات مع السعودية ضرورية ومهمة    التوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي    الرئيس السوري: تحويل المبادئ حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان إلى واقع    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    البرهان: السودان قادر على الخروج إلى بر الأمان    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر في غزة: مكاشفة ضرورية
نشر في اليوم يوم 29 - 06 - 2004

فيما يخص التدخل المصري في غزة، مهم جداً هذا الذي تعلنه القاهرة، أو تشترطه وترجوه، لكن العبرة في نهاية المطاف بالقدرة على تنزيل تلك الرغبات على ارض الواقع. اعني بمدى استجابة إسرائيل لها، بقياداتها المختلفة، وهي القابضة على الأرض ولديها ما تعرف من تأييد أمريكي غير محدود لكل ما ترتكبه من حماقات أو جرائم.
(1)
لعلك لاحظت أن هذه هي المرة الثالثة التي يتواصل فيها الحوار حول الموضوع. وهذا التواصل المستمر على مدى ثلاثة أسابيع، مع بقاء أسئلته الأساسية معلقة، خصوصاً تلك التي تتعلق بسيناريوهات المستقبل واحتمالاته، يعني - بين ما يعني - أننا مازلنا بحاجة إلى توسيع لدائرة الحوار، على نحو يوفر إمكانية للإقناع، الذي يمهد لإجماع وطني حول تلك المسألة الدقيقة والحساسة. تلك التي تستمد أهميتها من أمرين، أولهما أنها تشكل تطوراً مهماً في التعاطي المصري مع الشأن الفلسطيني، وخروجاً على ما ألزمت مصر نفسها به، اقله فيما يتعلق بإرسال عسكريين إلى الخارج. وهو ما لم يحدث خلال ربع القرن الأخير. الأمر الثاني أنها تتعلق بالقضية الفلسطينية ومركزيتها في العالم العربي واتصالها بالأمن القومي العربي، فضلاً عن الأمن المصري بطبيعة الحال، وذلك كله مما لا يحتاج إلى بيان.
في هذه النقطة، ازعم أن الموضوع لم ينل ما يستحقه من الحوار لا على المستوى المصري ولا الفلسطيني، ولا العربي أيضاً. وقارئ الصحف المصرية والعربية يلحظ على الفور أن ثمة انقساماً كبيراً في ذلك الصدد. الانقسام واضح في محيط النخبة المصرية، كما تعبر عنه الكتابات المنشورة في مختلف الصحف. وبيان الفصائل الفلسطينية العشر الذي تحفظ على التحرك المصري تعبير آخر عن ذلك الانقسام في الساحة الفلسطينية لا يمكن تجاهله. كما أن قارئ الصحف السورية يجد فيها ذلك التحفظ الصريح الذي له صداه ونظيره في الصحف العربية. وقد كان عهدنا في مثل هذه الأمور أن يتم التشاور حولها بين مصر وسوريا والسعودية، لكن ظاهر الحال يوحي بأن هذا التفاهم لم يتم. صحيح أن الرئيس ياسر عرفات وفريقه أيدوا التحرك ورحبوا به، إلا انه في ظل الأوضاع الفلسطينية المعقدة، يصعب القول: إن هذه الموافقة تعبير كاف عن إجماع الشعب الفلسطيني.
اكرر هنا أن التساؤلات في الموضوع لا تعني بالضرورة تشكيكاً ولا اتهاماً، ولكن أكثرها يظل استفهامات مشروعة، تعبر عن مخاوف حقيقية وليست وهمية. وليس يكفي في الرد على تلك الاستفهامات والمخاوف أن يقال لنا: لا تقلقوا، فنحن على وعي تام بكل ما يدور حولنا، وعلى معرفة كاملة بمواقف الأطراف الأخرى، ثم أن أمن مصر القومي مغطى ومستتب على كل الجبهات، عسكرياً واقتصادياً وسياسياً. وهو كلام يرطب الجوانح لا ريب، ولكنه لا يشبع المعارف ولا يقنع العقول. خصوصاً حين لا تكون مصر هي الطرف الوحيد في الساحة، وتتعامل مع خرائط بالغة التعقيد ومحفوفة بالمخاطر. وقد قرأنا قبل أيام اعترافاً أمريكياً بأن الدولة الأعظم في العالم أخطأت الحساب في تقديرها للمقاومة العراقية. وجاء ذلك الاعتراف أمام إحدى لجان الكونجرس، على لسان وزير الخارجية كولن باول وقائد القوات الأمريكية جورج كايسي. ثم لا تنس أن رئيس الوزراء الحالي ارييل شارون حين قاد عملية غزو لبنان عام 1982 بضوء اخضر من واشنطون، فانه أعطى كلمة لوزير الدفاع الأمريكي الكسندر هيج بأنه سوف يتوقف على مسافة 40 كيلو متراً من بيروت - عند صيدا - ولكن الرجل كان يضمر شيئاً آخر. حيث ذهب إلى ابعد واحتل بيروت نفسها. وقد كلف ذلك هيج مستقبله السياسي، لأنه اضطر إلى الاستقالة جراء هذه الخديعة التي ورطه فيها شارون.
في قضية بتعقيد الملف الفلسطيني، ومع قيادة إسرائيلية مثل شارون وموفاز وإضرابهما، يصعب على المرء حين يقرأ أن ثمة تدخلاً أمنياً مصرياً في غزة، أن ينام مطمئن البال، معتمداً على أن هناك من قال: إن كل شيء محسوب، وان "كله تمام". ذلك أن شارون إذا كان قد خدع الإدارة الأمريكية - حليفه الرئيسي - في غزو لبنان، فلا نستبعد منه أو نستكثر عليه أن يكرر نفس القصة مع مصر، التي بينها وبين إسرائيل ذاكرة مضمخة بالدم؟
(2)
يبدو أننا نحتاج إلى مزيد من المصارحة وملامسة الواقع بدرجة اكبر في مناقشة الموضوع. فلم افهم مثلاً لماذا يتجاهل كثيرون حقيقة العقدة الإسرائيلية إزاء مصر، وكيف أنها أصبحت بمثابة عقيدة مستقرة في محيط النخبة الإسرائيلية - العسكرية خصوصاً - تعتبر مصر عدواً رئيسياً كامناً، وخطراً شكل في الماضي أهم تحد، وفي الحاضر والمستقبل اكبر تهديد محتمل لها. لذلك فان إضعاف مصر بتكبيلها أو تقزيمها يظل بين أهداف الاستراتيجية الإسرائيلية، التي تسعى حثيثاً لتحقيقها، وتتحدث عنها في بعض الأحيان. وقبل أسبوعين أشرت إلى نموذج لذلك السعي، تمثل في التخطيط الإسرائيلي على مدى اكثر من ربع قرن للتمكن من دول حوض النيل، ومن ثم الوصول إلى جنوب السودان ودعم حركته الانفصالية، للضغط على مصر من منابع النيل وإضعافها من الجنوب. وهو المخطط الذي عرضه بتفصيل وصراحة شديدة ضابط إسرائيلي شارك في العملية، هو العميد موشى فرجي، الذي ألف كتاباً حول الموضوع نشر بالعبرية، وأصدره في العام الماضي مركز ديان لدراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة تل أبيب.
إن أي مشتغل بالسياسة أو متابع للشأن الفلسطيني يعرف جيداً أن إسرائيل لديها حساسية خاصة رافضة لأي دور لمصر، وهي مستعدة للترحيب بذلك الدور في حالة واحدة لا غير. هي أن يوظف لصالحها ويصب في وعاء مخططاتها. وفيما نحن بصدده فان قبولها بدور لمصر في غزة يظل محكوماً بهذه الرؤية. ومن الخطأ الجسيم والخطر البالغ أن نتجاهل هذه الحقيقة. ولا احتاج لمن يقول لي: إن مصر ترفض هذا المنطق على طول الخط وتتأبى عليه، فذلك مفروغ منه. لكن رفضنا له لا يعني انه غير موجود. ومن التبسيط المخل أن نستبعده أو نسقطه من حساباتنا، لمجرد أننا نتحدث عن دور اكبر أو تفكير آخر في التحرك.
ذلك كله يسوغ لنا أن نقول: إن مصر إذا كانت ذهبت إلى غزة لمساعدة الشعب الفلسطيني، كما قيل في اكثر من مقام، فمن السذاجة أن نعتقد أن الترحيب الإسرائيلي انطلق من نفس الرغبة، حيث لم نسمع عن حرص إسرائيلي على مساعدة الشعب الفلسطيني إلا على الركوع والانبطاح، أو الهجرة خارج البلاد بطبيعة الحال. وليس هناك شك في أنها تحرت في ذلك الترحيب مصلحتها هي، وراهنت على أن الوجود المصري سيكون عوناً للشعب الإسرائيلي، على الأقل من حيث تأمينه ضد هجمات المقاومة. وأيضاً لا احتاج لمن يقول لي: إن ذلك أمر ليس وارداً في مقاصد التحرك المصري، وربما لم يخطر على بال بعض الذين أيدوه. لكننا ينبغي بأن نقر كذلك بأن استبعادنا للفكرة لا يعني أنها غير موجودة.
(3)
نقطة أخرى في المسألة. ذلك أن الوجود الأمني المصري أياً كان حجمه، حتى وان كان في حدود عشرة أشخاص، هو وجود سياسي في حقيقة الأمر، يدخل القطاع بدرجة أو أخرى تحت المظلة السياسية المصرية. وهذا الوجود يستدعي أسئلة عديدة، منها مثلاً: ماذا يكون موقف هذا الفريق المصري إذا أغار شارون على غزة أو الضفة، ورد الفلسطينيون على ذلك؟ وهل سيمنعون من الرد؟ وماذا لو أن الإسرائيليين دخلوا إلى القطاع وقتلوا واحداً أو اكثر من رجال المقاومة المدرجين على قوائم الاغتيالات عندهم؟
نقطة ثالثة هي أن القيادة الإسرائيلية مصممة على ألا تترك حدود القطاع في أيدي المصريين والفلسطينيين، وهو ما أعلنه الجنرال شاؤول موفاز وزير الدفاع، الذي قال: إن إسرائيل لن تنسحب من محور "فيلادلفيا"، واشترط لذلك "أن يثبت المصريون صدقهم في أدائهم للدور الأمني". وهو ابتزاز لا حدود له لا يقابله أي التزام إسرائيلي. كما أن إسرائيل بدأت فعلاً في إجراءات حفر النفق المائي على طول الحدود مع مصر، رغم نفيها الرسمي لذلك. في المقابل فان وزير الخارجية المصري احمد ماهر أعلن رفض القاهرة لأي وجود إسرائيلي على حدودها مع فلسطين، كما أنها ترفض مسألة الخندق المائي. - ما العمل إذا كانت التصريحات تمضي في اتجاه، في حين تتحرك الحقائق في اتجاه معاكس؟.
نقطة رابعة، تحدثت التصريحات المصرية عن أن إخلاء مستوطنات غزة مقدمة لإخلاء مستوطنات الضفة، في حين أن إسرائيل متجهة بقوة إلى العكس تماماً، حيث قررت تعزيز الاستيطان في الضفة. وقد نشرت صحيفتا معاريف وهاآرتس في 15/6 أن وزير الدفاع شاؤول موفاز اصدر تعليماته إلى الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة بإعداد خطة لإقامة آلاف الوحدات السكنية لتعزيز السيطرة الصهيونية عليها، (علماً بأن شارون تعهد للرئيس الأمريكي بوش أثناء عرض خطة الانسحاب أحادي الجانب عليه بعدم نقل مستوطني القطاع إلى الضفة).. وحسب الخطة فسوف تتم مصادرة عشرة آلاف دونم من أراضي الفلسطينيين لإقامة المساكن الجديدة عليها، التي تبشر بانطلاق الاستيطان بالضفة.
نقطة خامسة وأخيرة تتمثل في أن صحيفة "يديعوت احرنوت" كشفت النقاب عن أن العمل في مشاريع البنية التحتية في مستوطنات قطاع غزة يتواصل، بدون أي حملة بمصادقة حكومة شارون على خطة "فك الارتباط" من جانب واحد. ونقلت الصحيفة عن وزير المالية بنيامين نتنياهو قوله أن مصادقة الحكومة على الخطة لا تعني بالضرورة إخلاء المستوطنات في النهاية. وفي برنامج "مشعال حام" الذي عرضته القناة الثانية قال نتنياهو انه خلال التصويت المنتظر في الحكومة على تنفيذ أولى خطوات الخطة (قرار الحكومة أن يجري التصويت على كل مرحلة) يمكن أن تتوافر أغلبية توقف تنفيذ الخطة كلها. والسؤال الذي يطرح في هذه الحالة هو: ماذا سيكون موقف مصر إزاء تلك الاحتمالات؟
(4)
حتى نقف على ارض الواقع، ولا نحلق بعيداً في آفاق الأمنيات مستسلمين للبراءة المفرطة، أرجو أن نقرأ جيداً ما بثته صحيفة "معاريف" في موقعها على الإنترنت يوم الأربعاء 23/6، في أعقاب زيارة السيد عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية لرام الله وتل أبيب. فقد أوردت ما نصه: قال شارون خلال اجتماع عقده مع كل من وزيري الخارجية والدفاع سيلفان شالوم وشاؤول موفاز، للبحث في مستقبل العلاقات الثنائية مع مصر، انه يجب حصر الدور المصري في الجانب الأمني فقط. وشدد شارون على أن حكومته لن تبلغ مصر بأي موقف رسمي يتعلق بمستقبل تطبيق خطة "فك الارتباط". بل ستطالب أولاً باطلاعها على الجهود الأمنية التي تقوم بها القاهرة في محاربة عمليات تهريب الأسلحة إلى غزة. وأضاف أن نجاح مصر في هذه المهمة شرط أساسي لقبول إسرائيل لدورها في عملية فك الارتباط.
قال شارون أيضاً: انه على الرغم من الدور الهام الذي يمكن أن تلعبه مصر في قطاع غزة وعلى حدودها مع قطاع غزة في أعقاب تطبيق خطة فك الارتباط، إلا أن ذلك لا يعني أن نسمح للقاهرة بلعب دور الوسيط بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وأضاف في الاجتماع الذي حضره عدد من قادة الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية أن إسرائيل لا يمكنها أن تسمح لمصر بلعب دور الوسيط، على اعتبار أن ذلك يمس بالطابع أحادي الجانب للخطة. ورفض شارون الشروط التي وضعتها مصر لإرسال قواتها إلى قطاع غزة. ومن هذه الشروط وقف الجيش الإسرائيلي عملياته داخل القطاع بمجرد وصول القوات المصرية. منها أيضاً مطلب الالتزام المسبق ببناء ميناء فلسطيني في غزة، أو مطار في رفح.
أثناء الاجتماع، قال شارون لبعض الحاضرين: "لقد فاجأتني مسارعتكم إلى الامساك بتلابيب الضيف (يقصد السيد عمر سليمان)، في حين أن الرجل لم تعد له ملابس يمكن الإمساك بها". لكنه تدارك الموقف بعد ذلك قائلاً: انه لم يقصد توبيخ أحد من الحاضرين، لكنه قصد ألا يتوجب إعطاء الدور المصري اكثر مما يستحق.
على صعيد آخر، ابلغ وزير الخارجية الإسرائيلي المبعوث المصري خلال لقائه به بأن إسرائيل ترفض بقوة مطالبة مصر إدخال قوة متعددة الجنسيات إلى قطاع غزة في أعقاب انسحاب إسرائيل منه. وكان شارون قد أكد أن الدور المصري في تطبيق خطة فك الارتباط يجب أن يتمحور فقط في الترتيبات الأمنية. واصدر تعليمات مشددة لوزرائه وقادة الأجهزة الأمنية بعدم عرض أي مواقف سياسية على السيد سليمان بشأن مستقبل تطبيق خطة فك الارتباط، مؤكداً أن عليهم أن يركزوا معه على الجوانب الأمنية في الخطة فقط. وقد طلب المسئولون الإسرائيليون من سليمان أن تقوم أجهزة الأمن المصرية بتشديد الحراسة ليس فقط على قطاع غزة، بل على طول الحدود مع إسرائيل حتى مدينة "ايلات". وترفض إسرائيل بشدة وقف عمليات الاغتيال والتصفية أثناء وجود فرق الأمن المصرية.
في اللقاء الأسبوعي الذي يجمع شارون كل يوم خميس بأعضاء اللجنة المركزية لحزب الليكود كانت مظاهر العداء تجاه مصر فجة. وفي تقرير بثه راديو "عروتس شيفع"، مساء الخميس الماضي، وجه النائب الليكودي ايهود ياتوم، الذي شغل في السابق منصب رئيس قسم العمليات في جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلية "الشاباك" حديثه إلى شارون قائلاً: "أنني أثق في انك عازم على حصر دور مصر في الترتيبات الأمنية فقط، لكن لماذا نوفر للقيادة المصرية سبيلاً للإفلات من الكابوس الأمريكي الذي يوشك على الأطباق على أعناقهم". وواصل ياتوم مفسرا أقواله: "في مصر يريدون أن يجعلوا من دورهم في تطبيق خطة فك الارتباط، بديلاً عن الإصلاحات البنيوية التي يطالب بها الأمريكيون. علينا ألا نسمح لأنفسنا بأن نوفر للمصريين سبيلاً للهرب". وأضاف ياتوم: "قبل أن تتدخل مصر في تنفيذ خطة فك الارتباط عليها أن تقضي على اللاسامية المقيتة، وعلى النخب المثقفة هناك التي تروج لها". أما عوزي كوهين، عضو اللجنة المركزية لليكود، ورئيس بلدية رعنانا فقد وجه حديثه لشارون قائلاً: "اريك: لا تدفن رأسك في التراب، أن كان المصريون جادين، فعليهم أن يوافقوا على نقل اللاجئين الفلسطينيين إلى سيناء، ليس اقل من هذا يمكن أن يشكل مبرراً لقبول دورهم في أي تسوية". من ناحيته قال الوزير عوزي لانداو المكلف بالإشراف على الأجهزة الاستخبارية "انه قبل أن يسمح لمصر بأي دور في تنفيذ أي خطة كان من المفترض أن تطالب بوقف برامجها التسليحية. وتساءل لماذا تحرص مصر على سبيل المثال على تعاظم سلاح البحرية لها. هل تزيد من كفاءة سلاح البحرية لمهاجمة اليمن؟ لا أظن". وشدد لاندوا على انه يجب وضع مصر تحت المجهر والاستعانة بالأصدقاء الأمريكيين الذين يتعين على حكومتنا التعلم منهم في متابعة الأمور.
هذه صورة للكيفية التي تفكر بها النخب الإسرائيلية الحاكمة، أضعها بين أيدي الجميع للعلم فقط، وبلا تعليق.
(5)
في أصداء ما كتبت في الأسبوع الماضي قرأت كلاماً محترماً يستحق المناقشة التي مررت بها، وكلاماً آخر سقيماً، افتقد إلى الجدية والموضوعية، فضلاً عما اعتراه من تغليظ في الأفكار وركاكة في الأسلوب وأخطاء حتى في الإملاء. ورغم أن موضوع المناقشة الأساسي كان مصر الكبيرة ومخاطر وجودها في غزة، وعن فلسطين الوطن والقضية، فان تلك الردود تحدثت عن تنظيمي حماس والجهاد، وعن موالاة الكفار والتيار "الاسلاموي" وتوحيد أجهزة الأمن وحكاية التحرير من النهر إلى البحر، وأدخلت في الموضوع قتل بعض الشيعة في العراق ونسف مقر الأمم المتحدة هناك. وإزاء ذلك التخليط المسكون بالانفعال، فإنني وجدت أن الأمر يستحق الرثاء بأكثر مما يستحق المناقشة. وأدركت مما قرأت إلى أي مدى يخل الانفعال بالتوازن والموضوعية، ناهيك عن انه يضر بالصحة. لذلك فان نصيحتي لمن يريد أن ينازل في مثل هذه الساحات أن يتناول بعض الحبوب المهدئة أولا، ليس فقط للحفاظ على صورته أمام القراء، ولكن أيضاً للحفاظ على صحته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.