ولد فرانز رايت في مدينة فيينا سنة 1953. والده هو الشاعر المعروف جيمس رايت الذي يعد واحدا من أهم الأسماء الشعرية الأمريكية التي برزت في خمسينيات وستينيات القرن العشرين. في سنة 1971 ، أي حين كان فرانز في الثانية والعشرين من عمره ، فاز والده جيمس بجائزة البوليتزر المرموقة عن أعماله الشعرية الكاملة. في هذا العام وبعد 23 عاما يحقق الابن فرانز نفس الإنجاز الذي سبقه إليه أبوه ليثبت أنه ليس أقل شأنا منه. لقد كان والده بمثابة المعلم والمرشد له رغم أنه لم يعش معه طويلا حيث انفصل عن والدته حين كان في الثامنة وحين علم الأب بأن ابنه متورط بكتابة الشعر أرسل له رسالة قصيرة قال فيها: "إذا فقد أصبحت شاعرا ..مرحبا بك في الجحيم". لا شك في أن الأمر كان في غاية الصعوبة بالنسبة لفرانك الصبي الذي شكل - كون والده شاعرا معروفا - عبئا كبيرا عليه وعائقا كان عليه أن يتجاوزه ليحقق ذاته ويثبت جدارته وهو الأمر الذي تحقق له في نهاية المطاف لحسن الحظ. عبارات فرانز ومفرداته التي يوظفها في قصائده تميل إلى البساطة وتنفر من التعقيد واللغة الفخمة المتعالية ، لأن الشعر الذي يبقى في رأيه هو ذلك الذي ينبع من تجربة أكثر سموا من مجرد الافتتان والولع بالكلمات. إنه مهتم بالمعاني التي تحملها الكلمات أكثر من اهتمامه بالكلمات نفسها. وعلى الرغم من ميله لاستخدام لغة الحياة اليومية في قصائده إلا أنه لا يخفي تبرمه من "الفوضى الخام" كما يسمي اللغة التي هي مادة اشتغاله ولا يكتم حسده لأولئك الذين يعملون في مجال التأليف الموسيقي أو الرسم لأنهم غير مضطرين للتعامل مع معضلة اللغة العويصة. مر فرانز بفترات عصيبة خلال حياته حيث كان مدمنا على الكحول والمخدرات ووصل به الأمر إلى فقد القدرة على الكتابة والكلام لمدة عامين مما دفعه إلى التوقف عن تناول الكحول وتعاطي المخدرات. وبتأثير تلك التجربة كتب مجموعة شعرية كاملة خلال عام واحد عنونها ب ( الحياة السابقة) ونشرت في عام 2001 وكانت مرشحة لنيل جائزة البوليتزر. أما مجموعته الأخيرة ( السير إلى كرم مارثا) الصادرة عام 2003 وهي المجموعة التي نال عنها الجائزة فتحتفي بالحياة بكل أشكالها وصورها حيث يتخلى عن خوفه من الموت الذي يقول عنه " أي موت../ هنالك فقط / موتي / أو موتك / ولكن العالم / سيمتلئ بالأحياء" . وفي قصائده يحتفي بالكون المدهش حيث ندف الثلج المتساقطة في عتمة الليل وبتلات زهرة عباد الشمس الزاهية الصفرة في سبتمبر ، والكوكب السابح بين النجوم. لقد تغلب رايت أخيرا على ميله العارم للوحدة والعزلة ونجح في بث الأمل لدى "الحيوان الوحيد الذي يقدم على الانتحار". فيما يلي نقدم ترجمة لبعض نصوصه المختارة. الشارع يقيم فيه طائر واحد يشرع في الغناء لسبب لا يعلمه إلا هو في تمام الرابعة صباحا. كل يوم أستمع إليه في الليل. أنا أيضا لدي أغنية أقولها وحدي. ولكنني لا أستطيع أن أبدأ. فيها ، محاطة بكتل من المخازن السوداء ، تقبع غرفتي. أقول هذه الغرفة ، ولكن لا أحد يعرف كم غرفة لدي ، غرف عديدة كيف لي أن أضيء هذه الغرف العديدة .. غرفتك كذلك ، رغم أنك غير موجودة أبدا صحيح أنني ابتعدت لزمن طويل. ولكنني قد رجعت. أجل لقد رجعت. أين أنت؟ إن بوسعي أن أتغير. هناك دعها تمطر ، الشوارع خاوية الآن. استمع فوق السقف للأوراق تتحاور ببرود بالهمسات ؛ صفحة تنقلب في كتاب ترك مفتوحا بالقرب من النافذة. الشوارع خالية ، الآن يستطيع أن يبدأ. أنا لست هناك. مثلك لم أكن حاضرا حين تم الدفن. هذا الصباح مشيت في الخارج للمرة الأولى وتجولت هنا بين سرب الأسماء العمياء التي تمكث ساكنة في المطر ( سيظل الاسم المكتوب على صخرتك مسجلا في دليل الهاتف لزمن طويل ، كما أظن ، ضوءا من نجم قد تلاشى ) فقط لأحدد المكان ، لأقترب أكثر ، دون أن أعرف أين أنت أو إن كنت تعلم أنني هناك. جمهور الشارع مهجور. لا أحد سواك وطائر روبن ملون قذر مسكين، يتشبث بغصنه في وجه الريح. يبدو أنك قد وصلت متأخرا ، المدينة غير مألوفة ، والعنوان قد ضاع. لقد قمت ببذل مجهود جدي وتأملت في العوائق بشكل عميق ، وحاولت أن تكون ناقدا لذاتك. ولكن وعلى الرغم من ذلك لم يأت أحد ليستمع. ربما جاءوا ثم غادروا. بعد أن سافرت هذه المسافة الطويلة لتكون هناك. لقد كانت فاشلة ، هذا ما سيقولونه. الطفل الجديد الأسماك تصفق للمحيط؛ وأنا أصافح السماء. وهنالك تلك العائلة الطويلة من الأشجار التي سأزورها ، النوافذ ذات الألوان المائية لذلك المنزل الأزرق العتيق الذي كان من الممكن أن أقيم فيه. كلمة ( أنا ) من الصعب أن تتنفس بالقرب من القمة ، ومن الصعب أن تتذكر من أين جئت ، لماذا جئت الشتاء أكثر صعوبة ، ومن الصعب أن تقول كلمة ( أنا) بوجه مقطب ، وأن تنام.. من يستطيع النوم. من يملك الوقت لكي يستعد لليوم الكبير حين يكون مطالبا بأن يقول وداعا للجميع ، بما في ذلك الضمير المذكور آنفا ، وأن يتخلى بشكل تام عن كل ما يربطه بالدنيا، وأن يشهد نهاية العالم.. من الصعب بكلمات أخرى ألا تحبها ألا تحبها كل هذا الحب